بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الإسلاموي في السودان، ورغم الشعارت الدينية التي رفعهاالنظام لتحقيق العدالة، الا ان سياسات النظام التي اعتمدت الخصخصة وسحب الدعم عنالسلع والخدمات الأساسية، مما أدت الي افقار أغلبية الشعب السوداني حيث بلغت نسبة الفقر 94% م، وتصاعد النشاط الطفيلي وتدهور الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي،وتزايدت الهجرة من الأرياف الي المدن وإلي خارج السودان، وتم تبديد الفائض الاقتصاديفي الصرف البذخي وتهريبه للخارج والاستثمار في العقارات والمضاربة في الأراضي ونهب اراضي الدولة من خلال تقارير الفساد التي تزكم الأنوف..الخ، وتم نهب عائدات الذهب. ولمينعكس استخراج البترول علي حياة المواطنين العادية، بل تم نهب عائداته من قبل الطفيليين الاسلامويين والتي تقدر بأكثر من 60 مليار دولار، ولم ينعكس البترول علي الزراعة والصناعةوتوفير ودعم خدمات التعليم والصحة، بل تدهورت تلك الخدمات الي درجة الانهيار التام، وأيتنمية يمكن تحقيقها بدون تعليم وصحة؟، وحاليا لايجد المواطنون حتي خدمات الكهرباء والمياه، إضافة لإقتراح زيادة رسوم الكهرباء بنسبة 100%!!! التي تلقي عبء الأزمة علي الجماهير المنهكة اصلا، وازدادت التبعية للمؤسسات الرأسمالية العالمية حتي اصبحت ديون السودان حوالي 46 مليار دولار كما اختل توزيع الدخل القومي حيث أصبح العشرة الأغني لديه حوالي 60%، وال 40% الأفقر لديهم 8% فقط من الدخل القومي(بروفيسور محمد هاشم عوض: السوداني الدولية،السبت 19/3/ 1994م). كما تمت مصادرة الحريات الديمقراطية وتشريد الالاف من الكفاءات من الخدمة المدنية والعسكرية، واعتقال وتعذيب الالاف من المعارضين السياسيين والنقابيين، وتصعيد الحرب توسيعها في جنوب السودان حتي تم انفصاله، واتسعت الحرب لتشمل مناطق دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وخلفت الالاف من الضحايا والنازحين وأوضاعا إنسانية سيئة. هذا إضافة إلي أن ميزانية الامن والدفاع وصلت إلي 76% من الميزانية العامة، اضافة لتضخم جهاز الدولة الذي يمتص جزءا كبيرا من الميزانية اكبر من ميزانيتي الصحة والتعليم!!. وبالتالي ، كانت نسبة الميزانية المرصودة للتنمية ضئيلة. وخلاصة القول: ان تجربة الاسلامويين لمدة 26 عاما فشلت، مما يؤكد زوال النظام الحالي لفتح الطريق أمام الديمقراطية والحل الشامل لقضايا البلاد ووقف الحرب، وتحسين الاوضاع المعيشية وتحقيق التنمية المستقلة ، وهذا الفشل هو إمتداد اشمل واعمق للتجارب التنمويةالسابقة في البلاد والتي فشلت في تجديد البلاد ووضعها علي اعتاب المجتمع الصناعيالزراعي المتطور، رغم عراقة شعب السودان وحضاراته القديمة التي كانت لاتقل تطورا عنالحضارات المعاصرة لها، كما تم الفشل في ترسيخ الديمقراطية والسلام ورفع مستوياتالمعيشة والارتقاء بخدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه وتوفير البنيات الأساسية اللازمةللتنمية، وأصبح السودان في ذيل قائمة الدول الأكثر تخلفا في العالم، ورغم امكانياته ومواردهالزراعية والحيوانية والبترولية والمعدنية والسياحية، وما زالت مهام التنمية قائمة تنتظر الانجازفي ظروف عالمية(العولمة) وداخلية معقدة. ماهو مفهوم التنمية المستقلة؟. عندما نتحدث عن التنمية ننطلق من الواقع في تجلياته وتحولاته المختلفة، كما ان طرق التنميةمتعددة ويتم فيها تفاعل بين الأصالة والمعاصرة، كما انه عندما نتحدث عن تنمية مستقلة،لايعني ذلك الانعزال عن العالم، كما ان طريق التنمية الرأسمالية الذي سارت عليه البلاد منذالاستقلال كان فاشلا، وان هذا الطريق استند علي النظريات الغربية حول مفاهيم التخلفوالتنمية، وعجزت تلك النظريات عن تفسير التخلف وأهملت الطبيعة الخاصة للبلاد المتخلفةوتراثها وتقاليدها وظروفها الخاصة، ومن خلال النقد للفكر الاقتصادي الغربي التقليدي وفشلمفاهيمه ومقولاته حول التخلف والنمو وعجزها عن تفسير التخلف، ظهرت دعوات بديلة للتنميةالمستقلة علي النحو التالي: 1-الاعتماد علي النفس في مواجهة الاعتماد فقط علي المعونات والقروضوالاستثمارات. 2-التوجه الداخلي للتنمية في مواجهة انقسام الاقتصاد الي قسم حديث مرتبطعضويا بالشركات متعددة الجنسيات، وقسم (تقليدي) وتسمي احيانا تنمية متمحورة حولالذات . 3-الوفاء بالاحتياجات الأساسية في مواجهة اثراء الأقلية وفقر الأغلبية. 4-التنمية البيئية في مواجهة نهب الموارد الطبيعية حتي الاستنفاد. 5-وفي مواجهة النظم الديكتاتورية الشمولية، ظهرت فكرة الديمقراطية ومشاركةالجماهير باعتبارها الشرط لنجاح التنمية. 6-التكنولوجيا الملائمة في مواجهة الانبهار بأحدث تكنولوجيا العصر. 7-بناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية في مواجهة التبعية الناشئة عن الاعتماد علياستيراد تقنيات الانتاج. 8-الأصالة والهوّية الثقافية والحضارية في مواجهة الذوبان في الثقافة أو الحضارةالغربية. 9- الانفلات الجزئي عن الدوران في مسار او فلك النظام العالمي. 10-الاستقلالية بمعني انتقال مركز صنع القرار من الخارج الي الداخل. وعندما نتحدث عن التنمية في السودان نأخذ في الاعتبار الاتي:- أ- السودان دولة متعددة الثقافات والأديان والمناخات والأعراق، ويتميز بمستويات تطور متباينةومتعددة في أنماط المعيشة وقوي الانتاج وعلاقات الانتاج، وهذا الوضع له انعكاسه في بنيةالمجتمع الفكرية والثقافية والايديولوجية ويؤثر علي تطوره السياسي. تأخذ التنمية في الاعتبار هذا الواقع باعتباره مصدر غني واخصاب، وبالتالي يكون النظامالسياسي والاجتماعي والثقافي متوافقا مع هذا التعدد، وأن وحدة وتكامل السودان تتم منخلال التنوع واحترام حق كل شعب في تطوير ثقافاته وممارسة شعائره الدينية ومعتقداته، وانيتم التعبير عن ذلك في دستور ديمقراطي يجسد هذا الواقع. ب- لايمكن الحديث عن التنمية دون أخذ خصائص وموروثات شعب السودان وتقاليده ودمجهافي البناء الثقافي العام، ومساهمتة المتميزة في مجري الحضارة العالمية، تلك الخصائصالتي تنطلق من واقع السودان العربي- الافريقي وتعدد دياناته(الاسلام والمسيحية وكريمالمعتقدات)، دون ان يعني ذلك الانغلاق باسم الخصوصية المحلية، ولكن بهدف التطلع اليالأمام والمستقبل. ج- اعادة بناء الاقتصاد السوداني علي أساس اعطاء الأسبقية للانتاج الصناعي والزراعيوالحيواني، وتشجيع الرأسمالية المنتجة، سواء كان ذلك في قطاع الدولة أو الخاص اوالتعاوني، والقضاء علي النشاط الطفيلي الضار بالحياة والمجتمع والفكر والثقافة. د- بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات الأساسية واحترام المواثيقالدولية المتعلقة بحقوق وحريات الانسان، وذلك شرط هام للتنمية والسلام وتوحيد الوطن عليأسس طوعية وديمقراطية. ه- لايمكن الحديث عن التنمية بدون الديمقراطية ،وباشراك أوسع قطاعات الجماهير في عمليةالتنمية نفسها التي تهدف الي نهضة البلاد الاقتصادية والإجتماعية والثقافية وتوفيراحتياجات الانسان الأساسية( تعليم، صحة، كهرباء، مياه،..الخ)، واحداث التنمية المتوازنة بينأقاليم السودان المختلفة.