مفهوم الربا بين بساطة الفكرة وتنطع المنظرين ومصائد الإمبريالية !!

 


 

 

morizig@hotmail.com

يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 278-280).
هذه الآية تبين بوضوح تام أن الربا متعلق بالدين {أي بالإقتراض النقدي} فقط لا غير، ولعل حديث رسول الله صلى الله عليهم وسلم في حجة الوداع الذي قال فيه أمام الملأ:{ وربا الجاهليةِ موضوعٌ وأول رباً أضعُه ربا عباس بن عبد المطلب فإنَّه موضوعٌ كُلُه} يشرح ويبين ماهية الربا المقصود بالحُرمة وهو نفس الربا الموجود في يومنا هذا والى يوم الدين، وهو وفقاً للآية زيادة على رأس المال المقترض ناتجة عن الموافقة لإنفاذ عملية الدين في حد ذاتها وليس الزمن فقط كما يظن عامة الناس، وذلك لأن المرابي قد يشترط قبض الزيادة مقدماً قبل إبتداء الزمن وتسليم القرض من جانبه. وعلى كلٍ فإن عملية الإقراض والزمن عاملان متلازمان لا ينفكان عن بعضهما بعضاً في هذه العملية.
والجدير بالتوضيح أن عمه العباس)رض( كان يقرض الناس في الجاهلية نقوداً ويشترط الزيادة الربوية عليهم. ولأن أمر الربا كان مفهوماً للصحابة لم يَرِد إلينا في الأخبار أنَّ أحدهم سأل النبي )ص( عن تعريف الربا أو ماهيته لأنَّ المعرّف لا يُعرَّف ! وباللإضافة لحديث حجة الوداع فقد رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ" وكلها أمور بينة واضحة لا تحتاج لتعريف.
ورأس المال المذكور في الأية يقصد به رأس المال المُقتَرَض الذي يظل نقداً في ذمة المُقتَرِض وإن تصرف فيه، ولا يقصد به رأس مال التجارة، لأن رأس مال التجارة قد يكون عيناً ويتحول من جنس الى جنس عن طريق البيع الذي هو مبادلة ملكية لرأسمالين مختلفين في الجنس {أعطيك جنيهات من ملكي وتعطيني قمحاً من ملكك}، فهنا يصبح القمح هو رأس المال الجديد عند المشتري بدلاً عن نقوده التي كانت رأسماله الأول ولكن دفع بها لصاحب القمح.
فمن الملاحظ أن رأس مال الربا يسير في شكل دائري من النقطة "أ" الى النقطة "ب" الى النقطة "أ" مرة أخرى ولا يتغير في نوعه ولكن يتغير في حجمه أو كميته بسبب الزيادة الربوية، وبالتالي هو رأسمال غير مخاطر بل مُؤمَّن بضمانات مُحكمة لا تترك للمقترض منفذاً يهرب منه. فالمرابي عادة يطلب كفيلاً أو رهناً يضمن له إعادة ماله المُقترض كاملاً بالإضافة للزيادة المشترطة وفقاً للعقد .
والأدهى والأمر أن المرابي تزداد ثروته من أموال الناس ويمتصها بصورة مخيفة تخالف قانون السوق الطبيعي الذي يُبنى على التنافس والمخاطرة والجهد والتبادل: « وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ». لأن الدَيْن ليس عملية بيع وشراء حتى تأتى للمرابي بالربح،{ فأنت عندما تقرض صديقك مبلغ 1000 جنيه فانت لم تبع له 1000 جنيه ولا هو اشترى منك 1000 حنيه}ما حدث منك هو عملية إنسانية يُستعمل فيها المال الزائد عن الحاجة لحل مشاكل الناس كالصدقة والتبرع تماماً وكلها ليست معاملات سوقية ولا مالية وإنما أنسانية أخوية. والمُقرِض هو من يملك مالاً يزيد عن حاجاته أو هو شخص يؤثر غيره على حاجة نفسه، وفي كلا الحالتين هي عملية إنسانية أخوية لا أكثر من ذلك ولا أقل. وفي هذا الشأن قال الله تعالى مخاطباً أصحاب الديون: «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 280). أي أن تتصدقوا من هذا المال الزائد خيرٌ لكم وإلا فمدوا حبال الصبر لإخوانكم المعسرين، وهنا يُنمِّي الإسلام عواطف الإحسان التي هي أقوى من القوانين التي تفرض الرسوم وأوسع من حدودها ومقاديرها.
أما الربح فإنما يحصل بالتبادل في التجارة والصناعة والزراعة والحرفة والخدمة. أما إقراض المال في حد ذاته لا يوافق أي من هذه الأصناف فلا هو استثمارٌ ولا سلعة تجارية في حد ذاته. ولهذا لا يحق للمرابي أن يتقاسم الربح مع المُقترض بأي نسبة كانت لأنّ المرابي لا يتحمل أي مسئولية يقوم بها المقترض في إستثمار المال المُقتَرض، كما أنَّه لا يقوم بأي عمل مشارك يُعدُّ له جهداً وخدمةً ومشاركة.
أما في حالة البيع فحركة رأس المال تكون عكسية، وقيمة الشيء النقدية تساوي حجمه أو كميته أو عدده بحكم قانون التبادل {5 جنيهات = 3 تفاحات}. وبهذا يكون الربا مخالفاً للبيع لأنَّه لا يحتوي على عملية مبادلة بين رأسمالين مملوكين لأصحابهما، وإنَّما هو رأسمالٍ واحدٍ يسير ويتحرك في حركة دائرية ويزداد حجمه كما تزداد كرة الثلج كلما تدحرجت وتحركت في حركة دائرية. ولكن في التجارة تختلف السلع وتتم المبادلة في حركة عكسية تصبح على إثرها الملكية ملكية دائمة للطرفين إما بيعاً حاضراً أو آجلاً، فأنت تمتلك النقود وأنا أمتلك القمح، وكلٌ منا حرٌ فيما يمتلك بعد إتمام عملية البيع والتبادل.
وكثيراً ما يُشبَّه الربا بالبيع في المجادلات بين الطرفين النقيضين فيقال إذا كانت السلعة تباع ب1000 جنيه نقداً، ويجوز شرعاً بيعها بـ 1500 جنيه بالتقسيط لمدة شهر، فما الذي يمنع إقراض 1000 جنيه بـ 1500 جنيه لمدة شهر؟. وفي هذه الشبهة قال الإمام الرازي: "القوم كانوا في تحليل الربا على هذه الشبهة ، وهي أن من اشترى ثوباً بعشرة ثم باعه بأحد عشر فهذا حلال ، فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر يجب أن يكون حلالا ، لأنه لا فرق في العقل بين الأمرين".
وما فات على أصحاب هذه الحجة التي تقول: "لا فرق في العقل بين الأمرين" إنَّ العملية الربوية ليست عملية تبادلية بين رأسمالين مملوكين حقيقة لأصحابهما كما في عملية البيع. فتعريف البيع هو مبادلة شيئين من جنسين مختلفتين بصورة دفعٍ حاضرةٍ أو آجلة مثل شراء اللحم مقابل النقود. أما الإقراض لا هو بيع ولا هو شراء كما أوضحنا.
أما تعريف الربا فيطلق على الزيادة في نفس جنس النقود المُقترضَة {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} مقابل عملية الدين في حد ذاتها وليس مقابل الزمن فحسب. وبالتالي عملية الربا تختلف في جوهرها عن عملية البيع تماماً كما هو واضح، فلذلك هناك فرق حقيقي في العقل والمنطق بينهما كما قال الله تعالى مفنداً حجتهم:{ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة، 2/ 275).

ما هو تعريف القرض الذي يقود للربا؟
ما يجب أن يرسخ في الذهن أنَّ ليس كل الأشياء ينطبق عليها مسمى القرض. فأنت لا تقترض بيتاً ولا سيارة ولا سفينة ولا مصنعاً ولا مزرعة ...الخ وكذلك لا تأكل لبناً ولا تشرب لحماً، وهذه الفروقات اللغوية مهمة جداً في المناقشة العلمية. فالأشياء التي لا تُقتَرض إنما تشتري أو تستأجر أو تُرث أو تهدى لك كالبيت و السيارة و السفينة وهلمَّ جرا ! إذن هناك أشياء ينطبق عليها مسمى البيع والشراء ولا ينطبق عليها مسمى القرض. وهناك إشياء ينطبق عليها إسم القرض والبيع معاً كالنقود، فأنت تُقرِضُها وتقتَرِضُها وتشتري بها وتستبدلها بغيرها عند إختلاف القيمة، ولكن لا تبيعها بجنسها ونفس قيمتها. {يعني لا يمكن أن تبيع 1000 جنيه سوداني ب 1200 جنيه سوداني} فهذا هو الربا بعينه وبشحمه ولحمه.

تعريف القرض:
القرض {لغة هو القطع} واصطلاحاً هو ما يُعطيهِ الإنسان لغيره من المال {أي يقتطعه من ماله المملوك سلفاً ليدخله في ملك غيره} بشرط أن يُعاد له بعد أجلٍ معلوم بزيادة أو بدونها، وعادة يكون القرض مضموناً من ناحية قانونية برهنٍ أو بضمانةِ ضامن إلا إذا أمن الطرفان بعضهم بعضاً.
والقرض في الإسلام هو من الأعمال الإنسانية الصالحة الّتي يقوم بها المسلم في سبيل الخير والإحسان والإصلاح والإخاء وإصلاح المجتمع، ولهذا ينتهى بدون زيادة تزيد العبء على المدين. فإذن القرض عموماً من حيث هو قرض هو تمليك من صاحب القرض للمُقترِض على وجهٍ من وجوه الضمان يضمن به إعادة المال المقترض. وبهذا يكون للقرض أركان هي:
1- أن يكون المال المُقترض نقوداً لأن الأشياء الأخرى كالعقارات والسيارات والمصانع والمزارع وما شابهها لا تقترض.
2- نقل ملكية المال فعلياً من صاحب المال للمُقترِض. فاذا لم يستلم المقترض المال فعلاً وأصبح مالكاً له حقيقةً وواقعاً وأصبحت له حرية التصرف القانوني فيه كصاحبه الأول فهو لم يقترض أصلاً.
3- أن تكون هناك ضمانة لإرجاع الدين.
4- أن يكون هناك زمن متفق عليه لإرجاع القرض.
وبهذا يتضح أن القرض في الأصل بالنقد فقط كما تدل عليه الآيات وتدل عليه تجربة الربا في الجاهلية الأولى وهو {أي القرض} العمود الفقرى لموضوع الربا ومتى أنتفى وجود القرض نقداً انتفت معه شبهة الربا.
أما مسألة التمويل عبر طرف ثالث فهذه تجارة فيها ثلاثة أطراف وليس فيها قرض أصلاً. الطرف الأول باع السلعة للطرف الثاني بيعاً حاضراً وسلمه مبلغ السلعة كاملاً، والطرف الثاني باعها للطرف الثالث بالأقساط وزاد على ثمن السلعة لأنه باع بالآجل، فإذن الطرف الثالث اشترى من الطرف الثاني وليس من الطرف الأول. الطرف الأول هو من أتى بالمشتري ولكن عملية الشراء تمت مع الطرف الثاني.

تنمية الدولة عن طريق القروض الدولية:
لا شك أن حاجة الدولة هي نفس حاجة الفرد فكلاهما يحتاج للمال ليسير أموره ليعيش فالمال عصب الحياة للدولة وللفرد. ولو بحثنا في التاريخ فلن نجد لظاهرة القروض الدولية أثراً. فأنت لن تجد في كتب التاريخ أن الدولة الفارسية كانت تستلف من الدولة الرومانية أو الرومانية تستلف من الإسلامية أو العباسية كانت تستلف من الفاطمية وهلم جرا. ففكرة القروض الدولية هي فكرة أوروبية حديثة بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واستوت بعد الحرب العالمية الثانية، وارتبطت بالإستعمار الأنجليزي خاصة في تمويله للخديوي إسماعيل باشا لحفر قناة السويس ذلك المشروع الإستراتيجي الذي سيسهل للإنجليز وبقية الدول الأوروبية عبور سفنها العسكرية الإستعمارية والتجارية الإستغلالية عبر الشرق الأوسط إذا تمَّ. ومن خلال مصيدة القروض تلك الحيلة الخبيثة الجديدة تمكن الإنجليز من رقبة الدولة المصرية فوقعت مصر في أزمة مالية حادة قادت للتدخل الإنجليزي المباشر في سيادة مصر وإدارة شئونها الداخلية والخارجية. ورويداً رويداً تمكن الإنجليز من كسرها واستعمارها ثم زحفوا جنوباً نحو السودان من باب إصابة عصفورين بحجرٍ واحدٍ ثم بعد ذلك تغلغلوا في وسط القارة.
فهذه القروض الدولية في حقيقتها مصيدة ماسونية إمبريالية لا خلاف عليها كما ذكر صاحب كتاب The Great Transformation السيد Karl Polanyi الذي يرى أن كل مشاكل العالم الحديث في القرن العشرين كانت بسبب سياسة الليبرالية الإقتصادية التي أنهت نظام الذهب واستبدلته بنظام الدولار والإسترليني الورقية لتغرق العالم في الديون ومن ثمَّ تتم السيطرة على أسواقه. وبالفعل أصبح النقد الأمريكي والبريطاني هو أساس القروض الدولية مما أتاح الفرصة لأمريكا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية المقرضة التي أسست المؤسسات المالية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية للتحكم في الأسواق العالمية والسياسة العالمية. وعندما تقلصت التجارة الدولية في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين قفزت القروض الدولية لأوجها لتسبب أزمة مالية عالمية حادة فوجدت كثير من الدول نفسها في حفرة لا تستطيع الخروج منها فلجأت لتأميم أملاك المستثمرين داخلياً مما زاد طينها ورأسها بلة فحلقت سيادتها حلاقاً .
وعلى كلٍ، من الناحية الشرعية لا يجوز للدولة أو بنوكها أن تُقرِض النقد مثلها مثل الفرد، ولكن يجوز لها أن تمول المشاريع التنموية عبر الدفع بالتقسيط المباشر أو عبر التقسيط لطرف وسيط يشتري من الطرف الأول أو مقابل نظام ال BOT الذي يضع مسؤولية التكلفة والتركيب والتشغيل على الطرف المنشيء. ووفقاً لهذا النظام يعود المشروع التنموي للدولة بعد أن تستعيد الشركة الأجنبية أو المحلية رأسمالها وأرباحها حسب الإتفاق، والجدير بالذكر أن السودان قد استخدم هذا النظام في إستخراج وتكرير ونقل البترول، وهو أفضل نظام لجذب الإستثمار ومنع الدول والمؤسسات المقرضة من التدخل في شئون البلاد والعباد كما يمنع تضاعف الديون بصورة جنونية بسبب الزيادة التراكمية في الفائدة الربوية.

الظالم والمظلوم في العملية الربوية:
يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 278-280).
الآية خطاب صريح ومباشر للمرابين بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ } فإذن المرابي هو الظالم، والمقترض هو المظلوم بالنص الصريح، كيف لا وقد كان المرابون في الجاهلية يستعبدون المقترض إذا عجز عن السداد ويبيعونه لسداد ديونهم فجاء الاسلام دين الرحمة بالإنسان فأبطل هذا السلوك اللاإنساني في النص السابق بايجاز وبلاغة عالية. والمرابي والمقترض لا يستويان في الذنب إلا اذا كان ليس للمقترض حاجة أصلاً وقام بعملية الاقتراض تحدياً وإثماً وعدواناً مبيناً، وهذا لا يُتصور ولا يُعقل من مسلم. وحاشا لله أن يساوي بين الظالم والمظلوم في الجزاء وهو العدل الحكيم، وبالتالي أي رواية أو فتوى أو رأي يخالف صريح النص القرآني لا يُعتد به، وذلك من غير تكذيبٍ أو تشنيعٍ برواته أو قائليه لأن الصدوق ببساطة قد يخطيء في الفهم والنقل والإستنتاج.

أضرار الربا الإقتصادية:
1- القروض الربوية الدولية التي تتولاها الدول العظمى ومؤسساتها الدولية تهدم إقتصاد الدول وتجوع الشعوب وهي من الأسباب الأساسية في الأزمات الإقتصادية للبلدان وجمود حركة السوق فيها وارتفاع الأسعار المستمر.
2- أتخاذ القروض كوسائل ضغط سياسية تستبدل الإستعمار القديم باستعمار جديد أشد فتكاً.
3- تراكم الثروة في يد المرابين الأغنياء من دول وأفراد
4- إضعاف الطبقة الوسطى التي يحرص عليها الإسلام لأنها صمام الأمان الإجتماعي وذلك لأن الفقراء لا حيلة لهم للإقتراض والأغنياء لا حاجة لهم في الإقتراض أصلاً.
5- تنامي البغضاء بين طبقات المجتمع المرابية الجشعة والطبقة الوسطى
6- إكتناز الثروة وعدم المخاطرة بها في الإستثمار الحقيقي الذي ينفع الناس بمشاريع التنمية ويقوي الإقتصاذ الكلي
7- إضعاف القوة الشرائية بضعف الطبقة الوسطى
8- يتتبعه الله بالمحق ونزع البركة منه ويكتبه عليه ذنباً: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» (البقرة، 2/ 276) وهذا من أنباء الغيب وليس من قانون السوق فلذلك لا يؤمن به إلا المؤمنون.

وخلاصة الموضوع؛ إن تحريم الربا في الإسلام يعتمد على أسس إقتصادية وأسس إجتماعية وأسس منطقية سليمة وعادلة، وهذه الأسس تهدف إلى تحقيق مصالح المجتمع وسلامته جنباً إلى جنب مع مصالح الفرد وسلامته ونرى ذلك واضحاً في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة، 2/ 275). وعندما رفض الإسلام فلسفة الربا قدّم بديلاً عنها فلسفة الزكاة وفلسفة الصدقة وفلسفة الميراث وفلسفة الوقف كعوامل إقتصادية إضافية تساعد العوامل التقليدية التي تتمثل في التجارة والزراعة والتصنيع. فالزكاة والصدقة والميراث والوقف ينقلان الثروة من طبقة الأغنياء إلى طبقة الفقراء ليرفعوهم بها لمرتبة الطبقة الوسطى التي يرى فيها الإسلام صمام الأمان الحقيقي للمجتمع، وكلما أزداد حجم الطبقة الوسطى ازداد نمو إقتصاد الدولة، وتحسنت واستقرت تبعاً له العلاقات الإجتماعية التي هي الهدف الديني المنشود من كل التشريعات الإسلامية المختلفة.

 

آراء