مقاربة ثقافية بين حادثتي زينب إيرا، وروزا باركس
صلاح شعيب
25 June, 2024
25 June, 2024
مقاربة ثقافية بين حادثتي زينب إيرا، وروزا باركس
بقلم صلاح شعيب
حادثة الجدل بين الأستاذ إبراهيم البزعي والأستاذة زينب إيرا أعاد إلى ذهني الجدل الخمسيني بين الأميركان حول حادثة روزا باركس التي رفضت الإذعان لقانون الفصل العنصري. إذ لم تخل مقعدها لرجل أبيض، فكان ما كان. الفارق بين الحدثين في المقدار وليس النوع. فحالة زينب أدعى للبحث من خلفية ثقافية حقوقية، أما حالة بارك فإنما هي حالة تتصل بغمط الحقوق السياسية التي فرضها المجتمع العنصري على سائر الاميركان السود في ولاية ألباما، حيث تنتمي إليها روزا. والحالتان السودانية والأميركية المتعلقتان بحقوق النساء تشير إلى أن الإنسان مهما امتلك ما يراه ثقافة رفيعة فإنه يطغى، ويتكبر، على أخيه الإنسان بدافع يرتبط بتفوق ثقافي أفضل، كما هو مظنون.
صحيح أن مجتمعنا في غالبه تبدل مع الأيام، وصار أكثر تفضيلاً لارتداء الجلابية في حالة الرجال، والثوب في حالة النساء. وما من إقليم في السودان إلا ووجدنا الزيين القاسم المشترك في المناسبات الاجتماعية ملمحاً فيه، وفي الشارع أيضاً. ومع ذلك لم نفرض الجلابية في السنوات الأخيرة زياً للتلاميذ، والطلاب، أو حتى فرضها في مجالات العمل بوصفها زياً وطنياً.
للدواعي العملية في كل مراحل التعليم، ومجالات العمل العام والخاص، فضل الرجال ارتداء البنطال، والقميص. ومع ذلك بقي الثوب الأبيض والمزركش، والبلوزة والأسكيرت، الزي المفضل لبعض النساء. بل إن في مهن معينة لاحظنا أن المضيفات، والسسترات، والنظاميات، يفضلنا زياً يتعارف الناس عليه بوصفه "يونيفورم".
ومع كل ذلك كان العرف، وليس القانون، في أحيان كثيرة هو الذي يفرض زياً محدداً لكل مهنة. وفي مهن الإعلام جميعها لم يُحدد للإعلامي زيا ما. وكان التسامح مع الإعلاميين في تلفزيون السودان كبيراً. فالمذيعون، والمذيعات، يرتدون الجلابية حافية، أو بالسديري، والثوب، والبلوزة. ومع ذلك لم يوجد هناك قانون يمنع استعانة المذيع، أو المذيعة، بزي يعبر عن منطقة معينة من البلاد. وأذكر أن كثيراً من مقدمي البرامج يستعينون بالجلابية والسديري معاً، وهو ما استعرناه من أهل الشرق أنفسهم. ولم يقل لهم أحد بأن الزي الوطني إنما هو الجلابية وكفى، كما تعارف السودانيون على ارتدائها بالعمة، والشال، وأحياناً لا يرون الشال لازماً.
-٢-
واضح أننا كنا متسامحين في موضوع الزي اجتماعياً، ورسمياً، حتى إن جاءت الإنقاذ كادت أن تفرض الحجاب. وهو ليس من ثقافة رداء النساء السودانيات في المئة سنة الماضية. والأكثر من ذلك رأى مشرعو، ومنفذو قانون النظام العام في بنطلون الزميلة لبنى أحمد الحسين، ونديدات لها، شكلاً من الأزياء لا يوجد الحشمة. أو بالأحرى رأوه مثيرا للغرائز، ولذلك حق لنسائنا أن يبارحن محطة القناعة به كزي إسلامي.
زينب بزيها الجذاب، وملامح وجهها الشرقي، ما كان لأن تتعرض لهذا التضييق الثقافي عند الأسبوع الماضي. ذلك لولا أننا ما نزال نختلف حول حقوق ثقافية، إذا هي غُمطت في الماضي فينبغي ألا يستمر الفرمان في هذا الزمان . ففي الوقت الذي تبدوا الزميلة زينب بشكلها المحترم، إذ يمنحها الثوب وزركشتها حول عنقها حشمةً، وجمالاً، رأينا مذيعات يظهرن بأزياء أقرب للشامية، أو المصرية، ومنها الزي المحجب الذي وفد إلينا من الخارج. وهذا الأخير لم يمثل زياً وطنياً بعد اختراقه لثقافتنا كما هو حال "الجينز" حتى تثير ثائرة الأستاذ البرعي ليطالب الأستاذة زينب بأن تتخلى عما يميزها كفتاة من الشرق الحبيب. وهو إذن الإقليم الأكثر تعرضاً للظلم التنموي، والتعليمي، والتوظيفي، مقارنة بأقاليم أخرى. ولو كان الأستاذ البزعي يدرك ظلامات الشرق المرة، وهو ضيف عابر فيه، لمدى زمني قد يقصر، أو يطول، لمنح زينب تمييزا إيجابيا بأن يتركها في حلتها الشرقية وأن تستهل نشرتها بلفظة دبايوا. فما رأته المذيعة من اعتداد بملبسها، وتحيتها السلمية، هو جزء يسير من حقوق ثقافية تحتاج المجتمعات السودانية ذات اللغة الثانية أن تنالها بلا منة، أو أذى. فما دام أهلنا البجا شأنهم شأن النوبيين، والفور، ونوبا الجبال، والفونج وآخرون، قد ارتضوا الإسلام ديناً، والعربية لغةً قومية - متنازلين عن أديانهم السابقة، ومتسامحين بألا يتعلموا بلغات أمهاتهم - فليس هناك ما يمنع زينب، وغير زينب من المنتميات لهذه القوميات أن ينلن المزيد من التمييز الإيجابي في مؤسسات الدولة. وذاك هو الإجراء الذي يمنع تفجر الظلامات حروباً تقضي على كل ثمين في البلاد. ولا بد أن لحربنا الحالية علاقة بغمط حقوق هويات فرعية ما فتئت تستعلي عليها هوية مركزية قابضة بالقهر، والاستبداد، والتدليس.
الذي كان في أعقاب واقعة روزا هو أنها تعرضت للمحكمة بدفع غرامة مالية كون أن القانون لا يتيح لها الجلوس في البصات عند المقاعد المخصصة للبيض. لكن تلك الحادثة هيجت أبناء عمومتنا فنهض مارتن لوثر كنق، وخلفه المؤيدون للحقوق الإنسانية لمقاطعة بصات المدينة، ونجحت المقاطعات أيما نجاح. بل فتحت الحادثة الشهية لمقاطعات أخرى لمطاعم، ومحلات تجارية، احتجاجاً على استمرار قوانين الفصل العنصري. ومع الضغط السلمي تمكن نضال السود في إلغاء القانون الذي يمنح الرجل الأبيض الطلب من امرأة سوداء متعبة عائدة من العمل أن يجلس محلها. بل إن روزا صارت أيقونة نضال السود التي ألهمت أبناء وبنات جيلها، وكل الأجيال المتعاقبة بالثورة ضد الظلم الاجتماعي. ومع تصاعد الوعي لدى المجتمع الأميركي بأهمية مبارحة حقبة كئيبة من المظالم الإنسانية صار الأسود رئيسا كأغلى تقدير لملكة الإنسان في قيادة المجموع. أما روزا باركس فقد مُنحت في عام ١٩٩٩ ميدالية الكونغرس الذهبية على يد نائب الرئيس آل غور، وهو الوسام الأعلى الذي يتقلده المدنيون في البلاد نتيجة لعطائهم النوعي. والأكثر من ذلك أنه بعد وفاتها في ٢٠٠٥ أصدر مجلس الشيوخ بالكونغرس الأمريكي قرارا يقضي بتكريمها من خلال وضع جسمانها في القاعة المستديرة بمبنى الكابيتول، حيث ألقى الزوار نظرة الوداع عليه على مدى يومين. وكانت باركس أول سيدة وثاني شخص أسود يحظى بذلك التكريم في الولايات المتحدة.
-٣-
جهر زينب إيرا بقضيتها حرك عدداً من جماعات سياسية، وثقافية، في الشرق للاحتجاج على ما لاقته من تعنيف مدير التلفزيون. إن اقتحام بعض شباب الشرق لمبنى التلفزيون والرقص في استديوهات على إيقاع البيبوب تعبيراً عن عدم رضائهم لما حدث دون أن يحدثوا تخريباً لمعدات المبنى يشكل غضباً نبيلاً ينبغي أن يتبع بمساعٍ سلمية لاسترداد حقوق الشرق الثقافية، والسياسية. وهي جزء من حقوق أخرى لمجتمعاتنا الريفية، والمدينية، التي ترنوا إلى تاكيد سودانويتها المتعددة ثقافياً.
وكل المنى أن تستشعر الزميلة زينب إيرا أن نيل الحقوق الثقافية يتطلب وقوفها دائماً بجانب الداعين لإيقاف الحرب، وليس من المؤججين لنيرانها عبر عمل إعلامي يخدم سلطة الأمر الواقع. فأولوية المدافعات عن الحقوق الثقافية والسياسية الآن هو التضامن مع الطليعة التي توظف الإعلام الحر لإنهاء الحرب، وخلق سودان يحقق الاعتراف بالهويات الفرعية للهوية الجمعية. وليكن تفكير زينب منصبا دائما في التعبير عن ظلامات أهلها المحرومين من المياه النظيفة حتى في هيا، وأربعات، وجبيت، وطوكر، ومناطق أخرى. وذلك في وقت تدرك زينب أن ملايين الدولارات تُبذل الآن لاسترداد السلاح عبر الميناء لتأجيج الحرب.
ما بين حادثتي روزا بارك وزينب إيرا تكمن الكثير من العبر، والدرس. ومن أهمها أن الإنسان صائر كرهاً، أو طوعاً، إلى التنازل عن استعلائه الغشيم. فالكفاح لنيل الحقوق المدنية ستظل حاضرة في نضال الأجيال جميعها إلى أن تستوي الإنسانية على درجة من اعتناق المدينية، وعندئذ يبارح الإنسان أنانيته، وغلوه، وتطرفه، واستعلائه، حتى يُولد من جديد.
لقد استكتبت روزا باركس المؤرخين ليمنحوا ملحمتها النضالية في أعقاب نجاحها في إزالة قانون الفصل العنصري فصولاً مهمة لقدرة الإنسان في تغيير مجرى التاريخ. وعاشت رمزاً لنضال الحقوق المدنية للسود، وأسست معهداً للعناية بحقوق أهلها للتحرر، فهل تستطيع زينب إيرا بعد انتصارها الذاتي والجمعي لتكون صوتاً معبراً، حتى تسترد حقوق أهلها الذين ناصروها بتلك المخاطرة بحياتهم أمام عسف السلطة الأمنية؟
suanajok@gmail.com
بقلم صلاح شعيب
حادثة الجدل بين الأستاذ إبراهيم البزعي والأستاذة زينب إيرا أعاد إلى ذهني الجدل الخمسيني بين الأميركان حول حادثة روزا باركس التي رفضت الإذعان لقانون الفصل العنصري. إذ لم تخل مقعدها لرجل أبيض، فكان ما كان. الفارق بين الحدثين في المقدار وليس النوع. فحالة زينب أدعى للبحث من خلفية ثقافية حقوقية، أما حالة بارك فإنما هي حالة تتصل بغمط الحقوق السياسية التي فرضها المجتمع العنصري على سائر الاميركان السود في ولاية ألباما، حيث تنتمي إليها روزا. والحالتان السودانية والأميركية المتعلقتان بحقوق النساء تشير إلى أن الإنسان مهما امتلك ما يراه ثقافة رفيعة فإنه يطغى، ويتكبر، على أخيه الإنسان بدافع يرتبط بتفوق ثقافي أفضل، كما هو مظنون.
صحيح أن مجتمعنا في غالبه تبدل مع الأيام، وصار أكثر تفضيلاً لارتداء الجلابية في حالة الرجال، والثوب في حالة النساء. وما من إقليم في السودان إلا ووجدنا الزيين القاسم المشترك في المناسبات الاجتماعية ملمحاً فيه، وفي الشارع أيضاً. ومع ذلك لم نفرض الجلابية في السنوات الأخيرة زياً للتلاميذ، والطلاب، أو حتى فرضها في مجالات العمل بوصفها زياً وطنياً.
للدواعي العملية في كل مراحل التعليم، ومجالات العمل العام والخاص، فضل الرجال ارتداء البنطال، والقميص. ومع ذلك بقي الثوب الأبيض والمزركش، والبلوزة والأسكيرت، الزي المفضل لبعض النساء. بل إن في مهن معينة لاحظنا أن المضيفات، والسسترات، والنظاميات، يفضلنا زياً يتعارف الناس عليه بوصفه "يونيفورم".
ومع كل ذلك كان العرف، وليس القانون، في أحيان كثيرة هو الذي يفرض زياً محدداً لكل مهنة. وفي مهن الإعلام جميعها لم يُحدد للإعلامي زيا ما. وكان التسامح مع الإعلاميين في تلفزيون السودان كبيراً. فالمذيعون، والمذيعات، يرتدون الجلابية حافية، أو بالسديري، والثوب، والبلوزة. ومع ذلك لم يوجد هناك قانون يمنع استعانة المذيع، أو المذيعة، بزي يعبر عن منطقة معينة من البلاد. وأذكر أن كثيراً من مقدمي البرامج يستعينون بالجلابية والسديري معاً، وهو ما استعرناه من أهل الشرق أنفسهم. ولم يقل لهم أحد بأن الزي الوطني إنما هو الجلابية وكفى، كما تعارف السودانيون على ارتدائها بالعمة، والشال، وأحياناً لا يرون الشال لازماً.
-٢-
واضح أننا كنا متسامحين في موضوع الزي اجتماعياً، ورسمياً، حتى إن جاءت الإنقاذ كادت أن تفرض الحجاب. وهو ليس من ثقافة رداء النساء السودانيات في المئة سنة الماضية. والأكثر من ذلك رأى مشرعو، ومنفذو قانون النظام العام في بنطلون الزميلة لبنى أحمد الحسين، ونديدات لها، شكلاً من الأزياء لا يوجد الحشمة. أو بالأحرى رأوه مثيرا للغرائز، ولذلك حق لنسائنا أن يبارحن محطة القناعة به كزي إسلامي.
زينب بزيها الجذاب، وملامح وجهها الشرقي، ما كان لأن تتعرض لهذا التضييق الثقافي عند الأسبوع الماضي. ذلك لولا أننا ما نزال نختلف حول حقوق ثقافية، إذا هي غُمطت في الماضي فينبغي ألا يستمر الفرمان في هذا الزمان . ففي الوقت الذي تبدوا الزميلة زينب بشكلها المحترم، إذ يمنحها الثوب وزركشتها حول عنقها حشمةً، وجمالاً، رأينا مذيعات يظهرن بأزياء أقرب للشامية، أو المصرية، ومنها الزي المحجب الذي وفد إلينا من الخارج. وهذا الأخير لم يمثل زياً وطنياً بعد اختراقه لثقافتنا كما هو حال "الجينز" حتى تثير ثائرة الأستاذ البرعي ليطالب الأستاذة زينب بأن تتخلى عما يميزها كفتاة من الشرق الحبيب. وهو إذن الإقليم الأكثر تعرضاً للظلم التنموي، والتعليمي، والتوظيفي، مقارنة بأقاليم أخرى. ولو كان الأستاذ البزعي يدرك ظلامات الشرق المرة، وهو ضيف عابر فيه، لمدى زمني قد يقصر، أو يطول، لمنح زينب تمييزا إيجابيا بأن يتركها في حلتها الشرقية وأن تستهل نشرتها بلفظة دبايوا. فما رأته المذيعة من اعتداد بملبسها، وتحيتها السلمية، هو جزء يسير من حقوق ثقافية تحتاج المجتمعات السودانية ذات اللغة الثانية أن تنالها بلا منة، أو أذى. فما دام أهلنا البجا شأنهم شأن النوبيين، والفور، ونوبا الجبال، والفونج وآخرون، قد ارتضوا الإسلام ديناً، والعربية لغةً قومية - متنازلين عن أديانهم السابقة، ومتسامحين بألا يتعلموا بلغات أمهاتهم - فليس هناك ما يمنع زينب، وغير زينب من المنتميات لهذه القوميات أن ينلن المزيد من التمييز الإيجابي في مؤسسات الدولة. وذاك هو الإجراء الذي يمنع تفجر الظلامات حروباً تقضي على كل ثمين في البلاد. ولا بد أن لحربنا الحالية علاقة بغمط حقوق هويات فرعية ما فتئت تستعلي عليها هوية مركزية قابضة بالقهر، والاستبداد، والتدليس.
الذي كان في أعقاب واقعة روزا هو أنها تعرضت للمحكمة بدفع غرامة مالية كون أن القانون لا يتيح لها الجلوس في البصات عند المقاعد المخصصة للبيض. لكن تلك الحادثة هيجت أبناء عمومتنا فنهض مارتن لوثر كنق، وخلفه المؤيدون للحقوق الإنسانية لمقاطعة بصات المدينة، ونجحت المقاطعات أيما نجاح. بل فتحت الحادثة الشهية لمقاطعات أخرى لمطاعم، ومحلات تجارية، احتجاجاً على استمرار قوانين الفصل العنصري. ومع الضغط السلمي تمكن نضال السود في إلغاء القانون الذي يمنح الرجل الأبيض الطلب من امرأة سوداء متعبة عائدة من العمل أن يجلس محلها. بل إن روزا صارت أيقونة نضال السود التي ألهمت أبناء وبنات جيلها، وكل الأجيال المتعاقبة بالثورة ضد الظلم الاجتماعي. ومع تصاعد الوعي لدى المجتمع الأميركي بأهمية مبارحة حقبة كئيبة من المظالم الإنسانية صار الأسود رئيسا كأغلى تقدير لملكة الإنسان في قيادة المجموع. أما روزا باركس فقد مُنحت في عام ١٩٩٩ ميدالية الكونغرس الذهبية على يد نائب الرئيس آل غور، وهو الوسام الأعلى الذي يتقلده المدنيون في البلاد نتيجة لعطائهم النوعي. والأكثر من ذلك أنه بعد وفاتها في ٢٠٠٥ أصدر مجلس الشيوخ بالكونغرس الأمريكي قرارا يقضي بتكريمها من خلال وضع جسمانها في القاعة المستديرة بمبنى الكابيتول، حيث ألقى الزوار نظرة الوداع عليه على مدى يومين. وكانت باركس أول سيدة وثاني شخص أسود يحظى بذلك التكريم في الولايات المتحدة.
-٣-
جهر زينب إيرا بقضيتها حرك عدداً من جماعات سياسية، وثقافية، في الشرق للاحتجاج على ما لاقته من تعنيف مدير التلفزيون. إن اقتحام بعض شباب الشرق لمبنى التلفزيون والرقص في استديوهات على إيقاع البيبوب تعبيراً عن عدم رضائهم لما حدث دون أن يحدثوا تخريباً لمعدات المبنى يشكل غضباً نبيلاً ينبغي أن يتبع بمساعٍ سلمية لاسترداد حقوق الشرق الثقافية، والسياسية. وهي جزء من حقوق أخرى لمجتمعاتنا الريفية، والمدينية، التي ترنوا إلى تاكيد سودانويتها المتعددة ثقافياً.
وكل المنى أن تستشعر الزميلة زينب إيرا أن نيل الحقوق الثقافية يتطلب وقوفها دائماً بجانب الداعين لإيقاف الحرب، وليس من المؤججين لنيرانها عبر عمل إعلامي يخدم سلطة الأمر الواقع. فأولوية المدافعات عن الحقوق الثقافية والسياسية الآن هو التضامن مع الطليعة التي توظف الإعلام الحر لإنهاء الحرب، وخلق سودان يحقق الاعتراف بالهويات الفرعية للهوية الجمعية. وليكن تفكير زينب منصبا دائما في التعبير عن ظلامات أهلها المحرومين من المياه النظيفة حتى في هيا، وأربعات، وجبيت، وطوكر، ومناطق أخرى. وذلك في وقت تدرك زينب أن ملايين الدولارات تُبذل الآن لاسترداد السلاح عبر الميناء لتأجيج الحرب.
ما بين حادثتي روزا بارك وزينب إيرا تكمن الكثير من العبر، والدرس. ومن أهمها أن الإنسان صائر كرهاً، أو طوعاً، إلى التنازل عن استعلائه الغشيم. فالكفاح لنيل الحقوق المدنية ستظل حاضرة في نضال الأجيال جميعها إلى أن تستوي الإنسانية على درجة من اعتناق المدينية، وعندئذ يبارح الإنسان أنانيته، وغلوه، وتطرفه، واستعلائه، حتى يُولد من جديد.
لقد استكتبت روزا باركس المؤرخين ليمنحوا ملحمتها النضالية في أعقاب نجاحها في إزالة قانون الفصل العنصري فصولاً مهمة لقدرة الإنسان في تغيير مجرى التاريخ. وعاشت رمزاً لنضال الحقوق المدنية للسود، وأسست معهداً للعناية بحقوق أهلها للتحرر، فهل تستطيع زينب إيرا بعد انتصارها الذاتي والجمعي لتكون صوتاً معبراً، حتى تسترد حقوق أهلها الذين ناصروها بتلك المخاطرة بحياتهم أمام عسف السلطة الأمنية؟
suanajok@gmail.com