مقتلة 29 رمضان: شهادتي للتاريخ!

 


 

 

 

 

الخرطوم - 30 رمضان الموافق 12 مايو 2021م
حادثة إطلاق النار أمس كان عشرات الآلاف شهودا عليها وأنا منهم. الذين فتحوا النار هم عساكر الجيش الذين منعوا الثوار من الوصول إلى موقع الاحتفال قبل الإفطار. ثم عندما تقاطرت جموع الثوار قبل الإفطار بقليل، تمكنت من كسر حاجز العسكر ودخلوا على المنطقة التي تقع ما بين تقاطع شارع الجامعة مع شارع الطابية إلى كبري الحديد، ثم شرقا باجتياز كبري النفق إلى امتداد شارع الجامعة مع تقاطع شارع الخدمات الصحية لجامعة الخرطوم. في هذه المساحة الصغير. قامت قوات الجيش بتطويق جموع الثوار المحتفلين تطويق السوار بالمعصم، مضيقين الخناق في كل لحظة وأخرى وهم يحملون الرشاشات والعصي وخراطيم المياه. وقد كان هذا الموقف مستفزا بدرجة كبيرة نجمت عنها احتكاكات ومدافعات وملاسنات بين صفوف الثوار من جانب وصفوف قوات الجيش من جانب آخر. لقد كان واضحا أن قوات الجيش قد تم نشرها في هذه المنطقة لتعمل عمل قوات شرطة مكافحة الشغب، هذا دون أن تكون مهيأة لأداء هذه المهمة التي لا علاقة لها البتة بمهام القوات المسلحة.
بمجرد الفراغ من قراءة خطاب تجمع أسر الشهداء من على المنصة التي أقيمت بمحازاة مبنى مدرسة التدريب المهني بامتداد شارع الجامعة شرقي النفق، تحرك جنود القوات المسلحة نحو حشود الجماهير، مطالبةً لها بمغادرة المنطقة فورا دون أن تترك هذه المهمة للجهات المنظمة للاحتفال. وقد استجابت لهم بطواعية الجماهير التي كانت تقف حول منصة إلقاء الخطاب وشرعت الجهات المنظمة في تنبيه الجماهير لمغادرة المنطقة، هذا وجنود الجيش يجوسون وسطهم بأسلحتهم وعصيهم وهراوات خراطيم المياه لحملهم على مغادرة مكان الاحتفال فورا وبلا تأخير، غير سامحين لمن كانوا يحتسون القهوة والشاي بإكمال مشروباتهم فيما بدا واضحا أنه سلوك ينمُّ على نيّتهم المبيّتة على فض هذا التجمع عبر استفزاز الثوار ودفعهم دفعا للاستجابة إلى هذه الاستفزازات. إلا أن جموع الثور، استجابةً لتوجيهات الجهات المنظمة، لم تستجب لتلك الاستفزازات وغادرت مواقعها إلى شارع النيل عبر طريق الخدمات الصحية لجامعة الخرطوم. وبينما كانت هذه الجموع تدخل شارع النيل وغالبيتها لا تزال في الزقاق الضيق الذي يقع ما بين داخلية النشر في البركس ومستشفى العيون تناهت إلى أسماعهم أصوات الرصاص والقنابل الصوتية والمسيلة للدموع وهي تأتي من جهة الغرب، أي من جهة شارع الطابية أسفل كبري الحديد. وكان هذا بالضبط ما حدث شرقي النفق!
فهناك في شارع الطابية، أسفل كبري الحديد نزولا إلى تقاطع شارع الطابية والجامعة وبأعلى كبري النفق، ليس فقط لم تكن الجهات المنظمة للاحتفال (القابعة شرق النفق أمام بوابة مدرسة التدريب المهني) قد مُنحت الفرصة لتنبيه باقي الثوار لمغادرة موقع الاحتفال، بل تم منعها أصلا من أن تصل إليهم. وقد تفاجأ هؤلاء الثوار الذين كانوا يقفون غربي النفق وبأعلاه صعودا إلى كبري الحديد بجنود القوات المسلحة يتقدمون نحوهم ويصطدمون بهم بطريقة استفزازية ودون مقدمات. إذ يبدو أنه كان هناك اتفاق مسبق بين جنود القوات المسلحة لتفريق حشود الثوار بالقوة بمجرد الفراغ من إلقاء الخطاب . هنا حدث الاصطدام! وقد تبادل الطرفان التراجم بالحجارة التي، بالطبع، انتصرت فيها القوة العددية للجماهير، ثم أعقبها إطلاق القنابل المسيلة للدموع وربما القنابل الصوتية وخلالها سُمع صوت زخات كثيفة لحوالي الثلاث مرات من الرصاص الحي. وبحسب رواية الشهود، فقد فُتحت النيران عبر التنشين والتهديف بموجب طريقة مسك البندقية والاتكاء على الركبة أو رفع البندقية إلى مستوى الرأس. نتيجة هذا لم تجد حشود الثوار التي كانت متجمعة ما بين تقاطع شارعي الطابية والجامعة أسفل النفق صعودا إلى كبري الحديد بُدُا من التوجه عبر جسر الحديد إلى بحري أو النزول إلى شارع النيل عبر المزلقان شبه الدائري الذي يربط شارع النيل بشارع الرابطة وبالكوبري. وهذا يعني أن جماهير الثوار قد أخلت منطقة التجمع تماما. إلا أنه وبرغم هذا، استمر جنود قوات الجيش في مطاردتهم واستهدافهم عبر ضربهم بالعصي والهراوات بجانب حصبهم بالحجارة، دون أن يتوقفوا عن إطلاق القنابل الصوتية والمسيلة للدموع، وما تخللها من إطلاق نيران الذخيرة الحية.
في شارع النيل انقسمت جموع الثوار فاتجهت غالبيتهم شرقا نحو كبري برّي يطاردهم جنود القوات المسلحة حتى وزارة التربية والتعليم.
وهكذا سقط الشهداء الثلاثة ومئات الجرحى في عملية تشبه فض الاعتصامات الأول.
ختاما؛
هذه شهادتي كشاهد عايش أحداث الأمس، أقدمها بلا تحليل لمجمل الحدث. وهذا ما سنعكف عليه في مقبل الأيام لمناقشته، تحديدا لماذا لم توجه منظمة أسر الشهداء في خطابها أمس الاتهام إلا لحميدتي وشقيقه بجانب جنجويدهما (على أكيد تورطهم في جريمة فض الاعتصام الأولى)، مستثنين لجنة البشير الأمنية (المجلس العسكري) وهم الذين اعترفوا في خطاب "حدس ما حدس" بأنهم هم الذين اتخذوا قرار فض الاعتصام؟ هذا بجانب استفهامنا لاستثناء خطابهم لجهازي الأمن والشرطة، ثم مليشيات المؤتمر الوطني، من مسئوليتها في فض الاعتصام الأول؟ وكذلك استفهامنا لاستثناء خطابهم لكل قوى الهبوط الناعم (جماعيا وفرديا) المتهمة بإبداء موافقتها المبدئية لفض الاعتصام؟
كما سنكتب عن جذر من جذور هذه المشكلة المتمثلة في عنف الدولة المشتط ضد شعبها. فاحتكار الدولة للعنف قُصد منه أن يكون ذلك في سبيل تجنيب شعبها ويلات الاستخدام الطائش للعنف من قبل أفراد المجتمع. فإذا بها هي التي تستخدم العنف بعد ان احتكرته بطريقة طائشة وغير مسئولة، وضد من؟ ضد شعبها! وهذه في رأينا تركة استعمارية ورثتها دولة ما بعد الاستعمار حيث كان استخدام العنف المُفرط لقمع الشعوب المستعمَرة هو ديدن الاستعمار.
سوف نتناول جميع هذا في الأيام المقبلة، ذلك بعد أن نواري شهداءنا الثرى الذي استُشهدوا فداءً له. لكن هذا لن يمنعنا من المطالبة بإسقاط هذه الحكومة بكل تكويناتها المتمثلة في العسكر، جيشا وشرطةً وأمناً وجنجويداً ومليشياتٍ ، بجانب قوى الهبوط الناعم ثم الطابور الكومبرادوري الإمبريالي من مرافيد الحزب الشيوعي من ربائب الإمبريالية (أي مجمل قوى الإنقاذ 3). لا نطالبهم بالتنحي أو الاستقالة، فهم "أثقل" دما من هذا، بل نطالب بإسقاطهم عبر نفس الثورة التي أسقطت الإنقاذ (1) ثم الإنقاذ (2).

MJH
الخرطوم - 30 رمضان الموافق 12 مايو 2021م

 

آراء