مقدمات اليقظة الثقافية الجنوب سودانية كحالة تصحيحية لأخطاء التاريخ الثقافي المركزي
وجدي كامل
7 January, 2023
7 January, 2023
ما من شك في ان البحث الثقافي الديمقراطي السوداني سيبدو سعيدا ايما سعادة باعلان بداية اليقظة الثقافية النقدية لابناء ثقافات جنوب السودان ممن نضج ثمر وعيهم وتعمقت انتباهتهم الثقافية والمعرفية لاخطاء التاريخ الثقافي المدرسي الرسمي المكتوب سودانيا عن الجنوب. ففي مفاصل عديدة وتحت موضوعات وعناوين شتى عبرت بعض التجارب الفتية والادبية وربما البحثية عن ضعف معرفة بواقع التنوع الثقافي وحقائقه بجنوب السودان مما جعل ريادة محاولات استكشافه وتقديمه وتوثيقه تؤول الى من حاولوا الانابة التعبيرية عنه من باحثين وكتاب ومبدعين ليسوا من ذوى مصادر اثنية او جغرافية جنوبية قد انطلقوا في الغالب من موقف اعجاب او اعتقاد بسهولة مهمة الانابة في ظروف غياب الوفرة اللازمة من المغرفة الثقافية بالجنوب والجنوبيين. من جهة اخرى فقد اعتقد منهم اعتقادا جازما بان مبادراتهم ستحقق استقرارا معرفيا وحضورا للجنوب ضمن نظام ومنظومة الثقافات السودانية المبحوثة والمكتوبة .
غير ان تجارب التاريخ الخاص بانتاجات الانابة الثقافية قد كشف ان اعمالا بالانابة كتلك لن تصمد طويلا مع تقدم المعرفة ومجيء طلائع المثقفين الوطنيين الذين قطعا سينبذون كتابات الانابة او كتابة ادعاء المعرفة بواقع ثقافي آخر.
ما يجد المرء نفسه بصدده هنا لا يحتمل التعميم الذي سبق واسميته ب ( الانابة الثقافية) بل يختص بامر ربما اشد اثارة . حظيت قبل ايام قليلة بقراءة بعض المراجعات والعروض النقدية عبر صفحات بعض الأصدقاء الجنوب سودانيين بالفيس بوك اختصت بنقدهم للبناء والحزم المعلوماتية الواقعية في تقديم الواقع الجنوبي والشخصيات الجنوبية الروائية لدى عدد من روائيينا المحترمين المبجلين كعبد العزيز بركة ساكن وحمور زيادة كتبوا بمحبة وحب عن الجنوب والحنوبيات والجنوبيين كشخصيات روائية تناولتها اعمالهم. قامت ملاحظات النقد واختصت لدى النقاد الجنوبيين في عوز اصاب دقة التفاصيل ببناء للشخصيات واحيانا تثبيت الحقائق عن تراكيب الاسماء لشخصيات تناولتها الروايات والقصص مما يقع في ضعف النظام البحثي الثقافي المعلوماتي لدى المؤلفين. اما من جهتي فقد نظرت الى الامر كظاهرة ايجابية وحتمية تاريخية ثقافية في ان يكتب اناس مبدعون واقع وشخصيات ليست من ضمن واقعهم او نطاقهم الثقافي الخاص فيخضعون بالتالي لعمليات نقد وتصحيح معلوماتي دون مساس او تخوين او سوء ظن بما اقترفوه من خطا معرفي معلوماتي بنظر ابناء الثقافات المؤلف عنها.
لذا فلن اصبح جزءا من الجدال القائم بقدر ما وددت الاسهام ببعض الافكار التي قد تساعد في ابانة بعض العلاقات الارتباطية. منها مثلا اننا وبالاضافة الى الاقرار بحدوث اخطاء بتلك الشاكلة فان مهمة المثقفين من ايناء الثقافات الوطنية الجنوبية ستكون اعقد بكثير عندما سيواجهون بعد قليل غولا اضخم حجما واكثر شراسة ببداية انخراطهم نقديا في منتجات العقل الثقافي السوداني المركزي او عقل المائة ونيف السابقة وبنيته النفسية والمعرفية بما راكمها من اساطير وتصورات غرائبية عن الجنوب فاصبحت ضربا من التخييل والخيال. ولاحظت ان شملت بعض النقاشات والردود من البعض اجراء مقارنة فورية لما حدث بمحاولات الثقافة البيضاء والرجل الابيض عندما حاول التأريخ للمستعمرات الافريقية ولكن اجد نقسي هنا متحفظا بعض الشي في توطين تلك المقارنة منهجا وسياسات تتناغم وتنسجم مع موقف عقدة التفوق لدي الاوروبيين وتشبيه موقف مثقف المركز آو الوسط السوداني بذلك بالقدر الذي اجد فيه ان شفرة تحليل ما جرى ويجري يعتمل ويتحرك في واقع الظلام المعرفي او الكساد المعلوماتي الذي ساد وجعل من المثقف ضحية بإمتياز لذلك. فمن دون شك، ومن الصحيح تماما ان نسبة ومنسوب سوء الظن ثقافيا امر موجود لدى العقل العام للمؤسسة السياسية المركزية للمائة عام المنصرمة مما انعكس في سوء تصميم السياسات الثقافية. ولكن وفي ذات الوقت فان ميلاد معرفة مبرأة من الاخطاء المعلوماتية وكتابة تاريخ اخر على انقاض التاريخ المدرسي والرسمي وما صنعه من وعى مخيب للآمال معرفيا بالجنوب لن يتاتي بحسن النوايا الثقافية المشتركة اًو بضربة لازب بالقدر الذي سيتحقق حقا بعلو كعب اسهامات المثقفين والروائيين والفنانين والمؤرخين والعلماء الجنوب سودانيين ايضا ورفدهم المطلوب للمكتبة المكتوبة والمرئية والمسموعة بأصالة البحث الثقافي الخاص بهم، وعدم الارتهان للانابة عنهم في لعب هذا الدور الوطني والقومي المنشود. وتلك مرحلة يجب اعتبارها اولية لخلق المعارف الواقعية بثقافات الجنوب التي تصبح شفرة الكشف عنها وتقديمها للعالم لغير الجنوبيين ذات أرتباط وثيق ومشروط بمعرفة النظام الثقافي عبر ممثلين اكاديميين وباحثين او مساعدين باحثين كما ساد في تجربة معهد الدراسات الافريقية والاسيوية لجامعة الخرطوم وخاصة انشطة شعبة الفولكلور، او من مدخل النظام اللغوي او اجادة معرفة اللغات للباحثين والمبدعين من خارج النظام الثقافي للثقافات المحلية من موقف دعم ايحابي لتلك الثقافات وليس النيل منها بتأسيس مدرسة افتراضية تقابل مدرسة الاستشراق في خدماتها الكولونيالية غير المباشرة لمؤسسة الاستعمار. فاقصى ما وصلنا من الثقافة الأدبية للجنوب على ابنائه وبناته تمثل في تجارب شعرية وقصصية لعدد من المنتجين النابهين ولا ارى ان المحصلة من ذلك كافية حتى اللحظة لتكوين معرفة جيدة باداب وفنون التنوع الثقافي الجنوب جنوبي والذي لا يزال البعض يضعه في وحدة متخيلة صمدية وبناء واحد متحد.
نحن نحتاج الى توسيع وتعميق الحوار ديمقراطيا بين الثقافات السودانية بغية انشاء تعارف جديد مؤمل لرفد الوعى الثقافي السوداني العام والتأسيس عليه لتثقيف السياسة والسياسات الثقافية الصامتة عن التوثيق المعرفي الواقعي بكل ثقافة وبأن يحل ذلك مكان الثقافة والوعى المتخيلين او المزعومين عن ثقافات حية وباسلة وجديرة بان تقدم نفسها وتعلن عن هوياتها الخاصة.
لا ازال على اعتقاد قديم وراسخ وجازم وبعلاقة تطبيقية بان الافلام او السينما ومن بين كل الفنون في انوعها الروائية والتسجيلية هي القادرة على تحقيق ذلك بما تجمع من فنون واداب ونظم ثقافية في لغتها المرئية شرط ان نشهد ميلاد افلام روائية وتسجيلية على يد ابناء ذات الثقافات انطلاقا من موقف ثقافي تقدمي ديمقراطي بحثي عن واقع تلك الثقافات، وبالا يتعرض ذلك لسياسات الضغوط والابتذال الانتاجي للسوق الفيلمية العالمية بتحويل القيم الثقافية الوطنية الى التخفيض على حساب رفع درجة الغرائبية بحثا عن اعجاب من شانه رفع حرارة الشباك والعوائد المالية. نعم تلك كانت واحدة من مشكلات بعض التيارات السينمائية بسبنما افريقيا جنوب الصحراء بان تاسس تيار تجاري لا ينظر لاهمية وواجب ابراز التراكيب الداخلية للثقافات بما تنطوى عليه من صراعات داخلها، والاكتفاء بتقديم معالجات شكلية ترمي الى تلبية احتياجات المشاهد الاوروبي المثقل بفكرة افريقيا كقارة للمتوحشين، والقتلة، والبشر البدائيين.
نعم فنحن نحتاج لافلام تظهر حقيقة تكوينات الثقافات المحلية وادابها وفنونها وفي كلمة واحدة ثقافاتها على ان يصحح ذلك التصورات المقلوبة ويزيل اللبس الثقافي المتوارث كخطوة مفصلية في درب التعارف المنتج بين شعوب ومجتمعات الثقافات.
wagdik@yahoo.com
غير ان تجارب التاريخ الخاص بانتاجات الانابة الثقافية قد كشف ان اعمالا بالانابة كتلك لن تصمد طويلا مع تقدم المعرفة ومجيء طلائع المثقفين الوطنيين الذين قطعا سينبذون كتابات الانابة او كتابة ادعاء المعرفة بواقع ثقافي آخر.
ما يجد المرء نفسه بصدده هنا لا يحتمل التعميم الذي سبق واسميته ب ( الانابة الثقافية) بل يختص بامر ربما اشد اثارة . حظيت قبل ايام قليلة بقراءة بعض المراجعات والعروض النقدية عبر صفحات بعض الأصدقاء الجنوب سودانيين بالفيس بوك اختصت بنقدهم للبناء والحزم المعلوماتية الواقعية في تقديم الواقع الجنوبي والشخصيات الجنوبية الروائية لدى عدد من روائيينا المحترمين المبجلين كعبد العزيز بركة ساكن وحمور زيادة كتبوا بمحبة وحب عن الجنوب والحنوبيات والجنوبيين كشخصيات روائية تناولتها اعمالهم. قامت ملاحظات النقد واختصت لدى النقاد الجنوبيين في عوز اصاب دقة التفاصيل ببناء للشخصيات واحيانا تثبيت الحقائق عن تراكيب الاسماء لشخصيات تناولتها الروايات والقصص مما يقع في ضعف النظام البحثي الثقافي المعلوماتي لدى المؤلفين. اما من جهتي فقد نظرت الى الامر كظاهرة ايجابية وحتمية تاريخية ثقافية في ان يكتب اناس مبدعون واقع وشخصيات ليست من ضمن واقعهم او نطاقهم الثقافي الخاص فيخضعون بالتالي لعمليات نقد وتصحيح معلوماتي دون مساس او تخوين او سوء ظن بما اقترفوه من خطا معرفي معلوماتي بنظر ابناء الثقافات المؤلف عنها.
لذا فلن اصبح جزءا من الجدال القائم بقدر ما وددت الاسهام ببعض الافكار التي قد تساعد في ابانة بعض العلاقات الارتباطية. منها مثلا اننا وبالاضافة الى الاقرار بحدوث اخطاء بتلك الشاكلة فان مهمة المثقفين من ايناء الثقافات الوطنية الجنوبية ستكون اعقد بكثير عندما سيواجهون بعد قليل غولا اضخم حجما واكثر شراسة ببداية انخراطهم نقديا في منتجات العقل الثقافي السوداني المركزي او عقل المائة ونيف السابقة وبنيته النفسية والمعرفية بما راكمها من اساطير وتصورات غرائبية عن الجنوب فاصبحت ضربا من التخييل والخيال. ولاحظت ان شملت بعض النقاشات والردود من البعض اجراء مقارنة فورية لما حدث بمحاولات الثقافة البيضاء والرجل الابيض عندما حاول التأريخ للمستعمرات الافريقية ولكن اجد نقسي هنا متحفظا بعض الشي في توطين تلك المقارنة منهجا وسياسات تتناغم وتنسجم مع موقف عقدة التفوق لدي الاوروبيين وتشبيه موقف مثقف المركز آو الوسط السوداني بذلك بالقدر الذي اجد فيه ان شفرة تحليل ما جرى ويجري يعتمل ويتحرك في واقع الظلام المعرفي او الكساد المعلوماتي الذي ساد وجعل من المثقف ضحية بإمتياز لذلك. فمن دون شك، ومن الصحيح تماما ان نسبة ومنسوب سوء الظن ثقافيا امر موجود لدى العقل العام للمؤسسة السياسية المركزية للمائة عام المنصرمة مما انعكس في سوء تصميم السياسات الثقافية. ولكن وفي ذات الوقت فان ميلاد معرفة مبرأة من الاخطاء المعلوماتية وكتابة تاريخ اخر على انقاض التاريخ المدرسي والرسمي وما صنعه من وعى مخيب للآمال معرفيا بالجنوب لن يتاتي بحسن النوايا الثقافية المشتركة اًو بضربة لازب بالقدر الذي سيتحقق حقا بعلو كعب اسهامات المثقفين والروائيين والفنانين والمؤرخين والعلماء الجنوب سودانيين ايضا ورفدهم المطلوب للمكتبة المكتوبة والمرئية والمسموعة بأصالة البحث الثقافي الخاص بهم، وعدم الارتهان للانابة عنهم في لعب هذا الدور الوطني والقومي المنشود. وتلك مرحلة يجب اعتبارها اولية لخلق المعارف الواقعية بثقافات الجنوب التي تصبح شفرة الكشف عنها وتقديمها للعالم لغير الجنوبيين ذات أرتباط وثيق ومشروط بمعرفة النظام الثقافي عبر ممثلين اكاديميين وباحثين او مساعدين باحثين كما ساد في تجربة معهد الدراسات الافريقية والاسيوية لجامعة الخرطوم وخاصة انشطة شعبة الفولكلور، او من مدخل النظام اللغوي او اجادة معرفة اللغات للباحثين والمبدعين من خارج النظام الثقافي للثقافات المحلية من موقف دعم ايحابي لتلك الثقافات وليس النيل منها بتأسيس مدرسة افتراضية تقابل مدرسة الاستشراق في خدماتها الكولونيالية غير المباشرة لمؤسسة الاستعمار. فاقصى ما وصلنا من الثقافة الأدبية للجنوب على ابنائه وبناته تمثل في تجارب شعرية وقصصية لعدد من المنتجين النابهين ولا ارى ان المحصلة من ذلك كافية حتى اللحظة لتكوين معرفة جيدة باداب وفنون التنوع الثقافي الجنوب جنوبي والذي لا يزال البعض يضعه في وحدة متخيلة صمدية وبناء واحد متحد.
نحن نحتاج الى توسيع وتعميق الحوار ديمقراطيا بين الثقافات السودانية بغية انشاء تعارف جديد مؤمل لرفد الوعى الثقافي السوداني العام والتأسيس عليه لتثقيف السياسة والسياسات الثقافية الصامتة عن التوثيق المعرفي الواقعي بكل ثقافة وبأن يحل ذلك مكان الثقافة والوعى المتخيلين او المزعومين عن ثقافات حية وباسلة وجديرة بان تقدم نفسها وتعلن عن هوياتها الخاصة.
لا ازال على اعتقاد قديم وراسخ وجازم وبعلاقة تطبيقية بان الافلام او السينما ومن بين كل الفنون في انوعها الروائية والتسجيلية هي القادرة على تحقيق ذلك بما تجمع من فنون واداب ونظم ثقافية في لغتها المرئية شرط ان نشهد ميلاد افلام روائية وتسجيلية على يد ابناء ذات الثقافات انطلاقا من موقف ثقافي تقدمي ديمقراطي بحثي عن واقع تلك الثقافات، وبالا يتعرض ذلك لسياسات الضغوط والابتذال الانتاجي للسوق الفيلمية العالمية بتحويل القيم الثقافية الوطنية الى التخفيض على حساب رفع درجة الغرائبية بحثا عن اعجاب من شانه رفع حرارة الشباك والعوائد المالية. نعم تلك كانت واحدة من مشكلات بعض التيارات السينمائية بسبنما افريقيا جنوب الصحراء بان تاسس تيار تجاري لا ينظر لاهمية وواجب ابراز التراكيب الداخلية للثقافات بما تنطوى عليه من صراعات داخلها، والاكتفاء بتقديم معالجات شكلية ترمي الى تلبية احتياجات المشاهد الاوروبي المثقل بفكرة افريقيا كقارة للمتوحشين، والقتلة، والبشر البدائيين.
نعم فنحن نحتاج لافلام تظهر حقيقة تكوينات الثقافات المحلية وادابها وفنونها وفي كلمة واحدة ثقافاتها على ان يصحح ذلك التصورات المقلوبة ويزيل اللبس الثقافي المتوارث كخطوة مفصلية في درب التعارف المنتج بين شعوب ومجتمعات الثقافات.
wagdik@yahoo.com