ملحوظات ومقترحات حول قانون تنظيم التعليم العالي والبحث العلمي لسنة ٢٠٢١م .. مقدمة من: بروفيسور مهدي أمين التوم

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد صدر قانون تنظيم التعليم العالي و البحث العلمي لسنة ٢٠٢١م دون مشورة سابقة مع الجامعات و مجالس إداراتها . و بقدر سرورنا بالتخلص من قانون ١٩٩٠م الذي أعاق مسيرة الجامعات طوال ثلاثينية الإنقاذ ،إلا أننا فوجئنا بأن القانون الجديد يحمل في طياته نفس ملامح و فلسفة القانون القديم من حيث النظرة الشمولية التحكمية التي تتعارض مع ما تطلعت اليه الجامعات بعد الثورة من إستعادة تامة لإستقلاليتها الإدارية و المالية و الأكاديمية ، مما يجعلنا نتطلع لوقف تنفيذه ، و إعادة النظر فيه علي ضوء الملاحظات و المقترحات الواردة أدناه، عسانا نخرج بقانون أفضل يتناسب مع ما نتطلع إليه من تعليمٍ عالٍ حرٍ و مستقلٍ و مواكبٍ للثورة و للعصر.

ملاحظات عامة :-
١- من المؤسف عدم إستشارة الجامعات في أمر هو من صميم إهتماماتها و مسؤولياتها التخطيطية و التنفيذية.
٢-القانون في جوانبه الإدارية و المالية يسلب الجامعات إستقلالها و يعتبرها عاجزة عن التخطيط السليم حتى في مجال المناهج و البنى التحتية اللازمة لتطوير الأداء الأكاديمي.
٣- يحرم الجامعات من حرية إختيار رؤساء و أعضاء مجالس إداراتها إذ يُخضِع ذلك لإعتماد جهات خارج الجامعة.
٤- يحرم الجامعات من حرية إختيار المديرين و نوابهم و عمداء الكليات و رؤساء الاقسام العلمية و يخضعها لإعتمادات خارجية.
٥- يحرم الجامعات من حرية إبتداع و تطوير المناهج العلمية ، و يتدخل في ما ترغب الجامعات في تقديمه من برامج و مناهج و ما تحتاجه من بنى تحتية لوحداتها العلمية و البحثية.
٦- يحرم الجامعات من حرية إنشاء ما تراه من كليات و أقسام علمية و وحدات بحثية.
٧- يتحكم بشكل مباشر في تحديد حجم و طبيعة علاقات الجامعات المالية بالدولة، مؤثراً إعتبار ما تقدمه الدولة ك (دعم) ، أي هبة ، و ليس ميزانية رسمية تغطي الإحتياجات الفعلية ، و لازمة السداد قانونياً بإنتظام من وزارة المالية.
٨- لم يتطرق القانون إلى مطلب الثورة بإسناد أمر التعليم العالي إلى مجلس قومي مستقل تابع لرئاسة الوزراء ، و ليس وزارة إتحادية تنفيذية قد يخضع ملؤها الى إعتبارات سياسية بحتة.
٩- لم يتطرق القانون لموضوع و مستقبل الجامعات الحكومية الولائية كتجربة و كظاهرة أفرزت العديد من السلبيات و الإشكالات الإدارية و العلمية و اللوجيستية و حتى المجتمعية.
١٠- إشتمل القانون علي تكوين غريب للمجلس القومي للتعليم العالي و البحث العلمي تميَّز بترهل حكومي جعله يضم عدداً كبيراً جداً من الوزراء و موظفي الدولة و موظفي وزارة التعليم العالي، دون حاجة حقيقية أو منطق معقول.
١١- يحرم القانون معظم الجامعات الولائية من عضوية المجلس بينما هي ،اذا بقيت في خريطة التعليم العالي، هي الأكثر حاجة لتبادل الخبرات ، و للتناغم مع الخطط القومية العامة للدولة ، و للشعور بالإنتماء و عدم العزلة.
١٢- يلاحظ عدم الدقة في ترقيم بنود القانون فالترقيم أحياناً رقمي بينما في أحيان أخرى حرفي، و حتى الحرفي لا يستخدم النظام الابجدهوزي المعروف بل يستخدم الحروف عشوائياً.

بجانب هذه الملحوظات العامة ، يمكن إيراد بعض الملحوظات التفصيلية و المقترحات علي النحو الآتي :-
١- البند ٤ (أ):-
يبدو مبتوراً حيث أنه يتجاهل العلوم البحتة كإحدى مجالات إعداد و تأهيل الطلاب.
٢- البند ٤ (ب):-
يُقترح تعديله بحيث يقتصر علي وضع إستراتيجيات التعليم العالي و ليس استراتيجيات مؤسسات التعليم العالي.
٣-البند ٤ (ج):-
يقترح أن يقتصر الأمر هنا علي المراكز البحثية التابعة للمجلس القومي و لا دخل للمجلس بتطوير وسائل و مناهج البحث العلمي في الجامعات.
٤-البند ٤ (د):-
يقترح حذف هذا البند فهو يتحدث عن تدريب الطلاب الذين لم يتم قبولهم في مؤسسات التعليم العالي..إن هذه مسؤولية جهات أخرى ليس من بينها المجلس القومي للتعليم العالي.
٥- البند ه (١):-
تضاف عبارة " إلغاء وزارة التعليم العالي و البحث العلمي" في بداية هذا البند و يكتب في نهايته عبارة " و تؤول له كل ممتلكات و صلاحيات وزارة التعليم العالي و البحث العلمي".
٦- البند ه (٢):-
لتفادي إشكالية مسمى الوحدات الإدارية يُقترح أن يستبدل هذا البند بالآتي: " يكون مقر المجلس بالخرطوم و يجوز له إنشاء مكاتب أو فروع في أي مدينة أخرى متى ما إقتضت الضرورة ذلك."
٧-البند ٦ (أ):-
أولا يقترح أن يكون الترشيح لعضوية المجلس القومي من مجالس إدارات الجامعات و من الأمانة العامة ، و ليس بتوصية من وزير التعليم العالي، حيث المقترح أن لا تكون هناك وزارة بل مجلس قومي تديره أمانة عامة .
ثانياً: يقترح أن تكون رئاسة جلسات المجلس القومي إما لرئيس الوزراء أو لوزير التربية و التعليم.
٨-البنود ٦(ب-ل ):-
يقترح إلغاء التمثيل الحكومي المترهل علي أن يقتصر تمثيل الجهاز التنفيذي في المجلس القومي علي:
وزراء: التربية+المالية+العمل
و هذا يتطلب حذف البنود الآتية: (د،ه،و،ز،ح،ط،ي،ك،ل) جميعها .
٩- البند ٦ (ن+س):-
يقترح تمثيل كل الجامعات الحكومية بالتالي إلغاء التفاصيل الواردة في البندين ٦(ن) + ٦(س).
١٠- البند ٦ (ع):-
يقترح حذف تعبير " التي مضى علي إنشائها أقل من خمسين سنة" و يترك البند مفتوحاً ليشمل كل الجامعات غير الحكومية.
١١- البند ٦(ش):-
يحذف.
١٢- البند ٦(ت):-
يحذف.
١٣- البند ٦(ث):-
يحذف.
١٤-البند٧(١)(أ):-
إضافة " و الخطط" بعد كلمة السياسات.
١٥- البند ٧(١)(ب):-
يُحذف فهو تكرار للبند ٧(أ) و مَُضَمَّن فيه.
١٦- البند ٧(١)(د):-
يُقتَرح حذفه ..فهذا البند فيه تعدي مباشر علي إستقلالية الجامعات و حقها في وضع سياسات و شروط قبول الطلاب و تحديد أعدادهم حسب خططها و إمكانياتها.
١٧- البند ٧(١)(و):-
يقترح حذفه فهو يمثل تدخلاً مباشراً في تعيين مديري الجامعات و هذا أمر يجب أن يُترك للجامعات لتحدد كيفية إختيار مديريها و كل طواقم إداراتها العليا.
١٨- البند٧(١)(ح):-
يحذف حيث أن مؤهلات و شروط خدمة و ترقيات أعضاء هيئة التدريس من مسؤولية الجامعة المباشرة و تخضع لظروف التنافس الحر.
١٩- البند٧(١)(ط):-
يُحذف فهو تَحَكُّم مباشر في مالية الجامعة و هدم صريح لإستقلالها المالي . يُقترح أن تكون العلاقة مباشرة بين الجامعة و وزارة المالية، مع ضرورة إختفاء مصطلح " دعم" و العودة لمصطلح و مفهوم " ميزانية " لما ينطوي عليه من معاني قانونية ، و إلتزامات دستورية ، و إستقلالية مطلوب عودتها للجامعة.
٢٠- البند٧(١)(ل):-
يُلغى فهو مُضَمَّن في ٧(أ)+٧(ب).
٢١-البند٧(١)(ن):- يُلغى حيث أن وضع المناهج من شؤون الجامعة الخاصة و في هذا البند تعدي مباشر علي حرية الجامعة الأكاديمية ، و حقها في وضع المناهج و تطويرها وفق رؤاها ، وعلي ضوء التقييم الذاتي لأجهزتها العلمية.
٢٢- البند٧(١)(ص):-
يُلغى فهو تكرار لبنود سابقة.
٢٣- البند٧(١)(ق):-
تغيير كلمة " إنشاء" إلى " التصديق علي".
٢٤- البند٧(١)(ر):-
يُلغى حيث أن إستراتيجيات و سياسات التأهيل و التدريب لأعضاء هيئة التدريس و الباحثين بالجامعات ليست عمل المجلس القومي للتعليم العالي بل هي ضمن أخص مسؤوليات الجامعات.
٢٥- البند٧(١)(خ):-
يلغى حيث أن رصد المشاكل المجتمعية و إيجاد الحلول لها ليست مسؤولية المجلس إنما مسؤولية الجامعات و المراكز البحثية المتخصصة.
٢٦- البند ٩( أ+ب):-
تحذف حيث أن تعيين مجالس الجامعات و مديريها و نوابهم يجب ألا يكون من مسؤوليات المجلس القومي للتعليم العالي و يجب أن يترك للجامعات حرية تعيين هؤلاء علي أسس ذاتية و ديمقراطية يحددها منسوبو تلك الجامعات ، و لا ينبغي أن يكون في ذلك أي تدخل خارجي حتى و لا بمجرد الإعتماد.
٢٧- البند ٩(ز):-
يحذف لأنه يعطي رئيس المجلس القومي للتعليم العالي سلطات مبهمة و تكاد تكون مطلقة يمكنه أن يستمدها من أي قانون يشاء.
٢٨- البند ١٢(١)(أ):-
نعم لإصدار قانون خاص بكل جامعة و كان من المفترض أن يتم ذلك متزامناً مع إصدار القانون العام لتكتمل الصورة بدون بروز تناقض بين القانون العام و القوانين الخاصة.
٢٩- البند١٢(ب)(٢):-
يحذف فهذا تدخل لا يجوز في حق الجامعات الحكومية في ما ترغب من برامج أو تُنشئ من أقسام علمية أو مراكز و معاهد و كليات..يجب ألا تربط هذه المجالات بموافقة المجلس القومي أو حتى إعتماده.
٣٠- البند (١٥):-
المحتوى صحيح و لكنه يتناقض مع ما يتناثر داخل القانون من بنود تُحَجِّم دور الجامعات في المسائل المتعلقة بالقبول و الامتحانات و الإجازات العلمية و منح الألقاب العلمية .
٣١-البند ١٦(١)(أ):-
يقترح تغيير كلمة " إعتمادات" إلى كلمة "ميزانيات" ليكون الإلتزام المالي الحكومي واضحاً و مثبتاً ، و لايكون في شكل منحة مزاجية أو هبة غير مُلزِمَة.
٣٢- البند ١٦(١)(ج):-
يقترح حذف جملة " بموافقة وزارة المالية و التخطيط الإقتصادي" ليبقى تحديد رسوم الخدمات التي تقدمها الجامعة شأن داخلي تتحكم فيه ظروف الجامعة و طبيعة و توقيت الخدمة المطلوبة.
خاتمة:-
يبدو أن القانون بوضعه الحالي يحتاج مراجعة و تدقيق من حيث فلسفته العامة التي يجب أن تتناسب مع مفاهيم الحرية و الديمقراطية، و تنبذ الشمولية التحكمية ،و يضمن للجامعات ما تحتاجه و تستحقه من إستقلالية إدارية و مالية و أكاديمية، لتتمكن من تأدية رسالتها في بيئة صالحة قانونياً و إدارياً و علمياً و سياسياً.
عليه لا بد من تعليق العمل بقانون تنظيم التعليم العالي و البحث العلمي لسنة ٢٠٢١م، و إخضاعه لمزيد من التشاور تمهيدا لإصدار قانون بديل ، بفلسفة تعكس روح الثورة ، و تهيئ الجامعات للإنطلاق نحو آفاق أرحب لتستعيد مواقعها الطبيعية ضمن أفضل جامعات العالم كما كانت جامعة الخرطوم في عهدها الزاهر .
و الله و الوطن من وراء القصد.

بروفيسور
مهدي امين التوم

mahditom1941@yahoo.com
///////////////////////////////

 

آراء