مناهضة العنصرية .. واجبات فى عمق المشروع التحرري الاجتماعي في السودان (2/5 )

 


 

 

فى السيرة التاريخية للرق:
سيرة الرق المرصودة فى السودان تحكى بداية ابعد فى التاريخ عن تجربة الامبريالية الاوربية . ففى رصده لظاهرة الرق اورد محمد ابراهيم نقد فى كتابه السامق ذكره ، معرفة المجتمعات السودانية القديمة على عهد الممالك المسيحية لظاهرة الرق . فقد تضمنته اتفاقيات ملوكها مع حكام الدولة المصرية فى منتصف القرن السابع الميلادى . تضمن عهد الامان بين عمرو بن العاص ومن شملهم – واستجابوا له – من ملوك دنقلا العجوز ، قدرا معلوما من روؤس الرقيق . اما اتفاقية البقط فقد الزمت عظيم النوبة ب 360 راسا فى كل سنة (نقد ، السابق ، ص 24-27) .
كتب نقد " كان لرقيق السودان مساحته التى احتلها فى نسيج دولة المماليك من قاعدتها الى قمتها – كافور ! اذ يشير المقريزى الى توسع ابن طولون فى استجلاب الرقيق الاسود (...)وعرف عنه انه ارسل حملات تاديبية من عرب جهينة وربيعة من صعيد مصر ضد النوبة والبجة ، واسترق اسراهم (...) ويقال ان عدد الارقاء السود فى الجيش بلغ ...,.4 " (نقد ، السابق ، ص 36) . وقد جرى ذلك فى القرن العاشر الميلادى .
سادت الفونج وسلطنات دارفور بقاع مايقرب من ثلثى مساحة السودان (قبل الانفصال ) بين القرنين السادس عشر والثامن عشر . وقد لعب الرق ( والعنصرية) ادوارا اقتصادية- اجتماعية وسياسية عالية فى المسيرة التاريخية لتلك الممالك مما رصدته المعالجة البصيرة لدكتور محمد العوض سكنجة فى كتابه السديد " عبيد الى عمّال .. التحرر والعمالة فى السودان الكلونيالى " . يشير د. سكنجة الى الجدل داخل الدراسات الافريقية حول طبيعة الرق فى افريقيا ومدى التشابه/الاختلاف مع التجربة فى العالم الجديد . ميرز وكوبيتوف اقترحا النظر الى العبودية داخل افريقيا ، ضمن اطار "الحق فى الاشخاص" والتى هى ممارسة – فى ظنهما - تكوّن جزءا تكامليا لنظام القرابة والزواج الافريقى . واكدا على انفتاح النظام الاحتماعى الافريقى الذى يسمح بضم وامتصاص الغرباء والعبيد داخل دائرة الاقرباء للمالك . اما فردريك كوبر وبول لوفجوى واخرين فقد راؤا فى العبودية الثيمة النقيضة لنظام القرابة ، وركزوا على استخدام العبيد بواسطة مجموعات اجتماعية محددة ضمن صراعاتهم من اجل السلطة والثروة . وقد اكدا انها – اى العبودية - مثلت نمطا للانتاج ، تميزت به التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية فى هذا الجزء من افريقيا . الا ان د. سكنجة ( ونقد كذلك) يرى ان العبودية لم تلعب دورا اقتصاديا مهما الا فى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر . ويطرح د. سكنجة نقطة منهجية مهمة وهى ان المكون البنائى للرق لم يكن عنصرا ثابتا ، ولا يمكن فهمه – بالتالى- بدون مرجعية الزمان والمكان والظروف الاقتصادية –الاجتماعية .
حدد د. سكنجة ان الاسترقاق كان ملمحا ظاهرا لممالك الفونج والفور . وقد كان امتلاك العبيد امتيازا للسلطان وللصفوة الحاكمة ، وكان - بشكل عام - مصدرا للفخامة والامتياز الاجتماعى فى مملكة الفور . وقد استخدمت هذه الممالك الارقاء فى الجندية وكعمال فى منشاءات الانتاج وبيروقراط فى جهاز الدولة والقصر ، كما استخدمتهم كمخصيين ومحظيات . مثلت التجارة وحملات الاصطياد مصادر رئيسية للرقيق يباع ماتبقى من صادرهم فى الاسواق الداخلية فى سنار ، الفاشر ، شندى ، بربر ودنقلا . (سكنجة ، السابق ، ص 4).
" مثل القرن الثامن عشر نقطة تحول فى تاريخ المملكتين . خبر مجتمع الفونج تحولات اجتماعية وسياسية عميقة قادت للاستعمال الواسع للرقيق . وقد شملت هذه التغيرات الاتصال التجارى الواسع بمصر والشرق الاوسط ، وصول اعداد كبيرة من التجار المسلمين ورجال الدين ، زيادة استخدام العملة ونشؤ طبقة تجارية من السكان المحليين . عضوية من الطبقة الوسطى الجديدة سيطرت على التجارة الخارجية وتبنت هوية عربية بتركيبها لشجرة انساب تغرز اصلها فى سلف عربى . وقد كان المعلم المركزى لاسلوب حياة هذه الطبقة هو امتلاك الرقيق . فقد كانت ملكية الرقيق وسيلة للصعود والترقى الاجتماعى ولتحويل توازن القوى داخل مجتمع الفونج " ( سكنجة –السابق ص 7 )(ترجمة من النص الانجليزى) .
لم يختلف الامر كثيرا فى تجربة احتلال السودان بواسطة محمد على باشا السودان ( 1821-1884) ، فيما عدا اتساع نطاق المكان الذى تم فيه اصطياد الرقيق ، واتساع نطاق الممارسة ، فقد اثرت تكنولوجيا الحرب الجديدة ، و السياسيات الضرائبية الجديدة وسياسات التجنيد وانظمة حيازة الارض ، فى ازدياد الطلب على الرقيق وانخلاع مجموعات ضخمة من السكان و اعادة توزيعهم فى البلاد ؛ فمثلا ، ذكرت وثائق جمعيات مناهضة الرق ان عدد الشلك انخفض الى النصف تماما فى مدى 3 سنوات فقط فى النصف الثانى للقرن التاسع عشر !
اتجه الاستعمار البريطانى - تحت بأس حملة دولية ضد الرق ، واصرار جمعيات مناهضة الرق البريطانية – لالغائه . وعمل على صياغة سياسة عامة هدفت الى تصفيته بالتدريج . وهى سياسة وصفها نقد – فى كتابه المذكور – بانها " استهانت بدءا بالامر ، بل استخفت بالمشكلة ، فلم تسبر غورها ، وسرعان ما فوجئت بحجمها وعمق جذورها ، ودهمتها تعقيداتها ." فى تقدير نقد ان المشكلة هى" مشكلة اقتصادية ، عرقية دينية ، ثقافية نفسية ، مشكلة مجتمع ونسق اجتماعى متكامل" لم تعقله الادارة الاستعمارية (نقد ، السابق ص126) .
من الرق الى"العرق" الى العنصرية :
منذ ان ارتضى ملوك الممالك السودانية تلك الاتفاقيات المذلة التى الزمتهم بتصدير الارقاء ، والتجأوا الى توفيرهم بتنظيم عمليات الصيد المقيت ، والتى استهدفت وقصدت مجموعات محددة من السكان ؛ تم ذلك الرباط بين "العرق" والعنصرية وان كان فى اشكال ابتدائية . رصدت المعرفة التاريخية وسجلت الوثائق الوقائع الحقيقة – على مدى الممالك والازمان - لمنع الرقيق استحقاقهم الانسانى وتقليصهم الفظ الى عبيد وخدم . امتدت الممارسة منذ شكندة وحتى سير روبرت هاوى (الحاكم الانجليزى الاخير للسودان ) ، مارسها الملوك والمكوك والسلاطين والحاكم العام وصفوة رعاياهم ممن امتلكوا الثروات واحتلوا المواقع العالية فى البنية الاجتماعية وومؤسسات جهاز الدولة ، وتديّن عوام الناس بدين ملوكهم . وعندما اتجهت الحكومة الكلونيالية فى السودان الى اصدار قرار بحرية كل من ولد منذ العام 1898 ، وذلك تحت الضغوط المذكورة وقرارعصبة الامم المتحدة ؛ تصدى لها 68 من وجهاء ام درمان ، ينوبون عن طبقتهم ، وكتبوا مذكرة سرية الى الوجيه كتشنر – وردت فى د. سكنجة - حددوا فيها ان افضل الطرق لحفظ المواطنين من المسغبة هى فى ترك الرقيق مع اسيادهم . اكد وجهاء امدرمان ان تعمير السواقى واستئناف النشاط الزراعى لايمكن بدون عمل الارقاء . اكد وجهاء امدرمان اخلاصهم للاستعمار والسردار ووقعوا المذكرة بتاريخ 2 اكتوبر 1898 (مرجع سابق ص 189 الملحق الاول) . وبعد اكثر من 26 سنة تصدى مجددا زعماء الطائفية لاتجاه السلطة الاستعمارية لالغاء الرق ، وتقدم (على المرغنى و الشريف يوسف الهندى وعبدالرحمن المهدى ) بمذكرة تم رفعها الى مدير المخبارات فى 6 مارس 1925
ورد فى بعض متنها : " بما ان هؤلاء الارقاء لسيوا عبيدا بالمعنى الذى يفهمه القانون ، فلم تعد هناك حوجة لاعطائهم ورقة الحرية الا اذا كانت هناك حوجة لإعطائها لملاك الارض الذين يعملون لهم . وانه لمن مصلحة كل الاطراف المعنية ، الحكومة وملاك الارض والارقاء ، ان يبقى الارقاء للعمل فى الزراعة . اما اذا استمرت سياسة تشجيع الارقاء على ترك العمل فى الزراعة ، والتسول فى المدن ، فلن ينتج عن ذلك سوى الشر . نتمنى ان تأخذ الحكومة هذا الامر بعين الاعتبار ، وان تصدر اوامرها لكل موظفيها فى مواقع السلطة ، بالا يصدروا اى اوراق حرية ، الا اذا برهن الارقاء سوء المعاملة " !
وقد علق نقد : " نعم ! حتى الرق فى السودان ليس رقا ! لو قيل ان للرق او اى ظاهرة انسانية واجتماعية سودانية ما تتفرد به من خصوصية ، عن ذات الظاهرة لدى شعب اخر بتفردها وخصوصيتها ، لكان اقرب الى العقل والعدل والحق . لكن العنجهية توهم اهل السودان من السلالات العربية الاسلامية ، وكأنهم الشعب المختار حتى بين خير امة أخرجت للناس . ولو سئلوا يوم الحشر عن كبائرهم ومعاصيهم وخطاياهم وذنوبهم ، لبادروا بالقول : الحقيقة يعنى .... ولكنها كبائر ومعاصى سودانية لاتمت بصلة لما هو متعارف عليه ، ولا يمكن تصنيفها كخطايا وذنوب بالمعنى المتعارف عليه فى الكتاب والسنة ويرتكبه بقية المسلمين ! " ( "علاقات الرق ... " ص 157 ) . اما تعليق السكرتير الادارى فكان : " فى رأيي ان المذكرة تشير الى اننا يجب ان نواصل السير بحذر فى معالجة موضوع الرقيق ... وعليه ارى انه سابق لاوانه اصدار اعلان مفاده ان كل شخص حر (...) . وحسب علمى فان مدير مديرية جبال النوبة يتوجس من تأثير مثل هذا الاعلان على العرب فى مديريته " (نقد ، السابق 157) .
وبالرغم من تاريخ تواجد اهل عبدالرحيم هارون لما يفوق السبعين عاما فى مشروع الجزيرة ، كانوا فيه يده العاملة ـ الا انهم يستمرون فى هذا الدور كالقدر المرسوم ، تحاصرهم تلك اللغة ـ تلزمهم اماكنهم تلك الايديولوجيا وحاملها من مؤسسات (الحكومة ، ادارة المشروع ، البوليس واللجان الشعبية ، و"اولاد البلد ".. الخ) وقبلهم الدولة وسياساتها العامة والخاصة سوى المتعلقة بتخطيط القوى العاملة او المتعلقة بتعليم عيالها اوالمختصة بالاسكان والتخطيط العمرانى .. الخ . واللغة المحاصِرة تتكلمها الطبقة ، لتعبر بها عن ايديولوجيا تبرر امتيازاتها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الممتدة فى هيمنة تنتجها علاقات المركز بالهامش ( او المدينة بالريف او المدينة بالبادية ) . وهى علاقات تنهب مواردهم فى بواديهم ولا تتيح لهم افقا سوى استخراجها البسيط ، وتنقل ما تراكم من عائدها الى المركز/المدينة . والهامش - بسياسات المركز - افق محدود و محصور ومسدود ، يدفعهم للهجرة الداخلية الى المركز/ المدينة يعملون فى مشاريعها الزراعية ومقتصداتها الحديثة . يوفرون اياديهم وايادى عيالهم رخيصة تلقط القطن والحشائش الضارة فى عملية مستغِلة تراكم الراسمال وتعضد من البنى الاجتماعية القاهرة ، تحفظهم فى جيش احتياطى لا ينضب ، مما يترتب عليه ذلك الارتباط الوثيق بين استغلالهم الطبقى وتصنيفهم "العرقى" واضطهادهم العنصرى . رغب عبدالرحيم هارون فى شهادة سكن من ضياء الدين الطيب - رئيس اللجنة الشعبية – فواجهه الاخر بعنصرية فجة منعته الورقة و حرمته انسانيته ومواطنته ، ثم اعتدت عليه واهله والدولة واقفة تتفرّج .
الدولة :
كان جهاز الدولة هو الوسيلة الاكثر تاثيرا فى تكريس اسس بناء تلك البنية العنصرية الشاملة . وقد حدد ديفيد ثيو جولدبرج فى كتابه " الدولة العنصرية " ( الطبعة الانجليزية )ان العرق مثل عنصرا تكامليا فى ظهور وتطور وتحول جهاز الدولة الوطنية الحديث وذلك على المستوى المفاهيمى والفلسفى والمادى . وتستخدم الدولة اجهزتها وادواتها لانشاء وتركيب وتعديل وتجسيد لغة ومصطلحات التعبير العنصرى الى جانب ممارسات/سياسات الاقصاء والقهر العنصرى . يحدد جولدبرج القرن السادس عشر كوقت اكتمل فبه تطبيع التفكير العنصرى واعتياد والتعبير العنصرى على مدى المجتمع الاروبى الحديث ومجالات نفوذه . ان الوجود فى الاشكال المصقولة و الرفيعة لليبرالية فى القرن السابع عشر ، لعب دورا كبيرا فى ذلك التطبيع والاعتياد . والليبرالية – باعتبارها مذهب الحداثة المؤكِد لتصورات الافراد والمجتمع ، ولتصورات الاخلاق والسياسة – خدمت لتحقيق شرعية ايديولوجية ، وتبريرات اقتصادية سياسية لبنى سائدة ترتبت عرقيا لتنتج الاقصاء العنصرى . والليبرالية الكلاسيكية ( والتى تحتوى داخل مداها كثيرا من التزامات الفكر المحافظ المعاصر فى تعبيراتها النيوليبرالية ) كانت تاريخيا عنصرا اساسيا فى الدعاية للتفكير العنصرى ونتائجه العنصرية كمكون مركزى للاخلاقية العامة للحداثة ، ولحسها الاجتماعى السياسى والتشريعى . (انظر جولدبيرج ، السابق ، ص 4 -5 )
عندما يقال "عبد /عبيد " يتم التحديد الضمنى "لعرق " اخر هو "العربى / المسلم " ، اى ان " عبد " لاتطرح فى مقابلة مباشرة ل " حر" ، و تأتى لتشير وتستهدف مجموعة كاملة من السكان هم الزرقة ( او ماصطلح على تسميتها بالقبائل الافريقية !) فى ايحاء ضمنى يقترح بل يؤكد للاخر ( "العربى/المسلم ") اصولا غير افريقية (او خلوه من العرق ) . ليس ذلك فقط ، وانما ينح التعبير الى طرح المجموعة الاخيرة "كعرق " واحد بينما تطرح "الزرقة " فى اثنيات تفّرق بين الجنوبيين والفور والفلاتة والنوبة والانقسنا ...الخ . وقد يكون فى الارث الاستعمارى مرجعا لهذه الممارسة ، فمحمود ممدانى يكتب - ما يمكن ترجمته – " كان الاستعمار امام خيارين بصدد مناهج التحكم فى السكان الافارقة :" العرق" او القبيلة . وقد كان البريطانيون سبّاقون فى الانتقال من العرق الى القبيلة لتتبعهم بقية القوى الاستعمارية . كانت الفكرة الاستعمارية هى انه من غير الممكن تحطيم المقاومة الشعبية بالمواجهة المباشرة ، ولكن بالامكان تشتيتها من خلال عملية اصلاحية ’تعيد تعريف طرائق المقاومة نفسها . ان "العرق" كطريقة لتحديد الوضع الاجتماعى للافارقة يحتوى على سلبيتين اساسيتين : (1) انها تحدد الافارقة كأغلبية مقهورة (2) انه من الصعب تبرير ذلك او تأسيسه بالاتكاء على منظومة التقاليد/ الموروثات . فى الحالتين "فالعرق" ينحو الى اظهار المحتوى الاستعمارى بدلا عن اخفائه ، وبالتالى كانت القبيلة هى البديل للعنصرية من حيث فوائدها الظاهرة ، فهى تقسم الاغلبية المستعمَرة الى عدة اقليات قبلية ، فى نفس الوقت الذى يمكن فيه الادعاء بان الهوية القبلية طبيعية وخاصية تنتج عن التقاليد" ( م. ممدانى ( تعليق ضُمّن فى :" مابعد العنصرية ، فى غياب المساواة فى البرازيل ، ج افريقيا والولايات المتحدة " ص 494)) . ويستنتج ممدانى ان الامتياز العنصرى تطلب جهازا للدولة يتم فرضه واعادة انتاجه يقوم فى تحقيق سلطته بانشاء سلطة محلية/قبلية منفصلة ولكن ليست مستقلة . كانت فكرة ممدانى مسجلة فى كتابه الفخم " مواطنون ورعايا : افريقيا المعاصرة والارث الاستعمارى " حيث رصد الاعتماد على القبيلة كتعبير عن العنصرية يداريها ، لتصبح فصلا مناطقيا يقوم على نظام من الفصل المؤسسى العام ، يحقق شكلا من الحكم سماه البريطانيون " الحكم غير المباشر " يصفه ممدانى ب " الطغيان اللامركزى " . يعتقد ممدانى ان نظام الفصل المؤسسى والابارتايد لم يكونا اختراعا خاصا بجنوب افريقيا ، وانما مثلا شكلا مميزا لممارسة عامة سماها البريطانيون الحكم غير المباشر، بينما كانت طغيانا .
وفى تجربة الدولة الكلونيالية فى السودان ، يذكر د. مدثر عبدالرحيم مقتطفا جيمس كوري أحد مدراء التعليم السابقين في السودان " إن الإداريين الشبان كانوا يبحثون بجد عن القبائل الضائعة ورؤسائها الذين تلاشوا ، وذلك لإعادة بناء نظام اجتماعي كان قد فقد أنفاسه إلى الأبد" . ويقول ايضا " بأن الإدارة البريطانية التي بدأت في أول عهدها في السودان شبه دكتاتورية عسكرية ، أخذت تتطورنحو مزيد من المشاركة المدنية على مستوى الحكم المركزي . وتبلور هذا التطور إلى ظهور مجلس الحاكم العام في عام 1910 ، لممارسة سلطات تنفيذية وتشريعية برئاسة الحاكم العام . أما على مستوى الحكم المحلي ، فقد تم تقسيم البلاد إلي مديريات ، وضع كل منها تحت حاكم عسكري بريطاني يعاونه مفتشون بريطانيون . ويأتي في أسفل هذا الهرم الإداري مآمير مصريون وشيوخ سودانيون من رؤساء القبائل . وقد أعيد تخطيط حدود المديريات وتقسيماتها عدة مرات بين الإدماج والفصل لاعتبارات سياسية ، من بينها إحياء النظام القبلي وتثبيته " (" الإمبريالية والقومية في السودان " ص 63 ) . وقد كسر عبدالله ود جاد الله قلم ماكمايكل عندما اراد توقيع امره باعادة ترسيم الحدود بين الكواهلة والكبابيش ، نازعا من ارض الكواهلة لصالح الكبابيش ؛ وصارت مروية
يتبع

isamabd.halim@gmail.com

 

آراء