منتدي دافوس ، البحث عن الامن الاقتصادي
9 February, 2010
احدثت الازمة المالية العالمية صدوعا عميقة في جسم الراسمالية العالمية كما هزت مسلمات و قناعات الفكر الراسمالي. لا يعتبر ذلك الرأي غريبا في عالم اليوم ، اذ اصبح مسلم به و اخذ العالم الرأسمالي في مجمله يبحث عن مخارج من الازمة المستحكمة التي لا يبدو ان هناك نهاية منظورة لها. يسند تلك الفرضية مجموعة من الأكاديميين و المفكرين الغربيين المنتمين لمختلف المؤسسات في جميع دول العالم الرأسمالي و قد سبق لنا ان تناولنا العديد منها. اما علي الجانب السياسي فان حملات الانفاذ لا زالت متواصلة دون توقف منذ انفجار ازمة الرهن العقاري في العام 2007 مرورا بالازمة المالية العالمية التي تحولت الي ازمة اقتصادية شاملة منذ نهاية العام 2008م. اخر المستجدات ما يقوم به الرئيس الامريكي باراك اوباما في محاولاته لتغيير القوانين التنظيمية و اعادة النظر في اساليب التجارة الحرة اضافة لخطته المثيرة للجدل حول تنظيم القطاع المصرفي و المالي الامريكي مما يعتبر حربا مكشوفة مع وول ستريت. يتم ذلك في اطار البحث في قوانين الهجرة و العمل و الحمائية و تضيق الخناق علي الجنان الضريبية.
كل ذلك الجدل ياتي مع تراجع الفكر الاشتراكي و عجزه عن تقديم أطروحات جديدة يمكن ان تشكل بدائل مناسبة للنشاط الاقتصادي و اتساع نطاق التجارة الدولية في عهد العولمة الاقتصادية. تسبب انهيار النموذج السوفيتي في إحداث فراغ كبير في الجبهات الفكرية علي النطاق النظري اضافة لغياب نماذج تطبيقية يمكن الاحتذاء بها . اما النموذج الصيني فهو غير جاذب و صيني بحت ، لدرجة ان الصين نفسها قد كفت عن التبشير به بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. اصبح التوجه الصيني اليوم منصبا بالكامل في سباق جني الارباح و التوسع في التجارة الدولية و بسط الاستثمار و العمل بضراوة من اجل كسب النفوذ علي النطاق الدولي بجميع متغيراته خاصة الاقتصادية ، التجارية و العسكرية. من جانب اخر فان النظام الاسلامي يعاني من ازمة الأنظمة الحاكمة المستحكمة اضافة لضعف الاقتصاديات الاسلامية التي لا يمكن اخذ نمط منها لتقديمه للعالم للسير خلفه. اكثر الاشكال جاذبية في ذلك النظام هي صيغ التمويل و نظام الصكوك الاسلامية التي تعتبر مربحة بشكل كبير و مؤمنة ضد المخاطر لقيامها من حيث المبدأ علي المشاركة دون الاعتماد علي اسعار الفائدة. حتي تلك الصيغ تعاني من المبالغة في استخدام صيغة المرابحة التي يتم تناولها كأقرب الصيغ الي الربا. عموما افضل ما يتم تقديمه في هذا المجال ياتي من ماليزيا و التي لا يمكن القول بانها دولة اسلامية بالمعني الدقيق كنظام متكامل سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ناهيك عن تطبيق الشريعة الاسلامية في المعاملات الاقتصادية. بالنالي يمكن القول انه في عالم اليوم لا يمكن لاي نظام ان يستمر بمعزل عن النظم الاخري في التنظيم الاقتصادي و المعاملات المالية و المصرفية و التبادل التجاري الدولي و انما يمكن ان يسود ، هو نظام هجين متداخل و مترابط و متكامل ، و هذا علي اية حال امر لم يتم التوصل اليه بعد.
في ذلك المشهد انعقد منتدي دافوس لهذا العام و كان اهم ما ميزه هو اطروحات الرئيس الفرينس نيكولا ساركوزي بوصفه واحدا من قادة الرأسمالية في جانبها اليميني الذي لا يتطرق اليه الشك بمحاباة الاشتراكية و اليسار كما يحدث احيانا في حرب المحافظين ضد الرئيسي الامريكي اوباما. اهم ما ميز دعوة نيكولا ساركوزي هي مطالبته باعادة النظر في رسمالية ( الاسواق ) عندما صرح ب " اننا نتجه نحو حقبة جديدة ، سيتوجب علينا فيها ان نحول التركيز من المؤسسات العالمية الي المواطنين العالمين " ، نيوز ويك العربية ، فبراير ، 2010م. دعا الرئيس الامريكي في خطابه الي البحث عن اساليب جديدة للنمو الاقتصادي تأخذ في الحسبان مدي سعادة الناس فضلا عن مدي ثرائهم ، نفس المصدر.
في الحقيقة ليس هناك جديدا في دعوة ساركوزي لاحتساب مؤشرات و عوامل النمو الاقتصادي فتلك العوامل معلومة للاقتصاديين من أمد بعيد لكنها يبدو انها جديدة في قناعات اساطنة و أباطرة رأس المال بفضل ما احدثته الازمة المالية من صدوع في هيكل رأس المال العالمي الذي اصبح سدنته يبحثون عن اعمدة لتدعيمه لمنعه من الانهيار الشامل. هناك جانب مهم في النمو الاقتصادي يتعلق " بالامن الاقتصادي" و يمكن الرجوع في هذا الشأن الي تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية ( I.L.O ) و الذي سبق ان تناولناه في مقال لنا بتاريخ 31 مايو 2008م عند تحليلنا لازمة الرهن العقاري قبل اندلاع الازمة المالية العالمية في الربع الاخير من ذلك العام. اهم ما جاء في ذلك التقرير الذي حمل عنوان " الأمن الاقتصادي لعالم أفضل " هو ان الامن الاقتصادي يعزز الرفاهية الشخصية و السعادة و القدرة علي التحمل كما يعزز النمو و التنمية. اشتمل التقرير علي تقديرات لدول تمثل اكثر من 85% من سكان العالم و كان موضوعه الرئيسي هو الأمن الاقتصادي من مدخل معين هو ذلك المصحوب بالديمقراطية و الإنفاق الحكومي علي الضمان الاجتماعي مؤكدا ان الأمن الاقتصادي بذلك المفهوم لا يعزز النمو فقط و إنما يدعم أيضا الاستقرار الاجتماعي. يذهب التقرير الي ان الامن الاقتصادي بعيد المنال في عالم اليوم للأغلبية العظمي من عمال العالم. يعزز ذلك تقرير اخر صادر عن برنامج الامن الاقتصادي – الاجتماعي التابع لنفس المنظمة و الذي يشير الي ان 8% فقط من سكان العالم هم الذين يعيشون في دول يتوفر فيها الامن الاقتصادي بشكل ملائم ( هذا قبل الازمة المالية العالمية) . علق المدير العام للمنظمة علي ذلك التقرير بقوله ان ، ذلك التقرير الذي جاء بعد تقرير اللجنة العالمية الخاصة بتقييم الوضع الاجتماعي للعولمة " يجب ان يعزز النقاش حول كيفية بناء عولمة عادلة " و يضيف " اذا لم نجعل من مجتمعاتنا أكثر عدالة و الاقتصاد العالمي أكثر شمولا فان عددا قليلا فقط من الناس سيحقق الأمن الاقتصادي او العمل اللائق". هذا هو ما يجب البحث عنه في عالم اليوم لان في العمل اهم علامات الرضا و السعادة، خاصة مع تصاعد معدلات البطالة بشكل مخيف حتي في اغني دول العالم ، اذ تجاوزت في الولايات المتحدة نسبة ال 10%. يضاف ذلك لتصاعد معدلات الفقر ، ارتفاع اسعار الغذاء و مشكلات التغيرات المناخية. لا يمكن لازمات النظام الرأسمالي ان تتوقف الا بإجراءات للإصلاح الشامل لذلك النظام و يبدو ان ذلك امر بعيد المنال ايضا قياسا علي الصراع حول برامج التأمين الصحي و تحجيم حوافز المصرفيين و اصلاح نظام الاسواق العالمية و ضبطها. انه صراع طويل سيكون لديه ملايين الضحايا و انظروا لمشهد هاييتي لتأخذوا صورة حية للواقع.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]