منفستو استكمال الثورة

 


 

عمر العمر
19 September, 2022

 

مع بوادر هلامية لانفراج غير مؤطر الإرادة يجب التركيز على مهابط ومطبات عثراتنا إبان الفترة السابقة من المرحلة الإنتقالية. هذا واجب ملح من شأنه المساهمة في إعاقتنا على استئناف مشوار الثورة من حيث انتهت انتصاراتنا لا من حيث تفجّرت هزائمنا. هذه قضية جوهرية بلغة مالم نستوعبها بمنتهى اليقظة سنرتكب مجددًا الأخطاء والخطايا ذاتها في حق الثورة ، الشعب والوطن .هذه واحدة من المسائل الأساسية الملحة الواجب إبقاؤها نابضة في ذاكرتنا الطرية. فإذ استشكل علينا الفرز أو غامت عنا الرؤية فليس ثمة مرجع أفضل أمانة مع الثورة وصدقًا مع المستقبل من الشارع كما دللت التجربة .فله وحده يكون القول الفصل. نكئ الهزائم الجراح يمهد السبيل مجدداً أمام كل المتربصين لتعطيل مسار التقدم و تشويه الثورة برمتها. كما لا يحب تغييب وجود أطراف ظلت تتباكى على الثورة بينما هي تتآمر. عليها إبان المرحلة الانقلابية.
******
استكمال مشروع الثورة يرتكز على مدى نجاحنا في النأي عن معالجة قضايا المرحلة الانتقالية بعقلية المسايرة والمساكنة المفتعلين السابقة .العتبة الأولى على درج النجاح تتمثل في الجرأة على ممارسة المصارحة عبر النقد والنقد الذاتي . هذه الممارسة المفقودة من فضيلة الشجاعة وشروط صناعة الغد.التجربة السابقة كشفت ان من دأبوا على مدارات اخطائهم وخطايا الآخرين هم المتعيشون على سلبيات الثورة .التاريخ يعلمنا ما من ثورة كاملة خالية من الأخطاء .الذين لا يتعلمون من دروس التاريخ ومن تجاربهم تعوزهم الكفاءة السياسية المؤهلة للقيادة. هذا ضرب من الإفلاس يفضي ليس فقط للإخفاق ،بل حتما إلى بث التواطؤ والتآمر المسمى أحياناً للمراوغة بناء تحالفات المرحلة .
******

حكومة حمدوك عاشت أفضل حالاتها حينما اعترفت بعجزها طوال الشهور الثلاثة الأول من عمرها لافتقادها برنامج عمل كما أعلن رئيسها وقتذاك. مشروع برنامج العمل يشكل المحور الأساس لاستكمال مشروع الثورة . لابد من رسم برنامج نضالي موحد ممرحل متكامل الرؤى لإدارة شؤون المرحلة على كل الصعد ؛السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية .أي برنامج لا تتحقق جدواه ما لم يتم التقيد بتنفيذ بنوده وفق الأولويات المحددة في التواقيت المعينة. الأوليات ترتبها احتياجات المواطن ومقتضيات التنمية. فلا شيء يعلو لدى المواطن فوق فك الضائقة الحياتية واستعادة ضبط الأمن . برنامج العمل ليس فقط خطة استراتيجية إنمائية بل كذلك دليل لكيفية إدارة الحوار داخل معسكر الثورة وإدارة الصراع مع أعدائها .كما يشتمل الجانب السياسي من البرنامج على تبيان أدوات وأساليب استنفار اوسع قطاع من الشعب -ان لم يكن كله- بغية تنفيذ أهداف البرنامج وغايات الثورة بأسرها.
******

استقطاب الجماهير وتكريس جهودها من أجل تحقيق انتصارات ناجزة تتصل بخطة العمل الاستراتيجي لا يتم بالزعيق السياسي والشعارات التجريدية مهما كانت جاذبيتها. تلك مهمة وطنية تضع أثقالها على الواقع عبر بناء جبهة وطنية موحدة في سبيل إنجاز برنامج العمل واستكمال مشروع الثورة . هذه الجبهة هي بالضرورة تحالف عريض. هو تنظيم متعدد المنابت لكنه متجانس الرؤى. مثل هذا التجانس ربما لا يتوفر شرطاً قبلياً لكن يمكن بلوغه في سياق جدل عمل نضالي صبور يستهدف تعميق مضامين الثورة ومهامها إلى جانب الارتقاء بأداء مؤسسات الثورة . في غياب حرية الرأي والتعبير لأيمكن تأمين الأجواء الملائمة لتحقيق كل هذه الفروض . أليس هذا هو عمود خيمة الديمقراطية؟
******

بالطبع مؤسسات الثورة لا تولد بالضرورة متكاملة لكن من المفترض فيها الصعود التدريجي لجهة الاكتمال النموذجي.جدولة غايات الثورة لا تعني المساومة عليها، التلكؤ تجاهها أو انتقائيتها. التجربة الانقلابية اثبتت هشاشة تحالف قوى الثورة . معضلة تحالف الحرية والتغيير لم يكمن في هشاشته بقدر ما هي في تناحره من الداخل. تلك معضلة تستوجب على كل حزب معالجتها بصفاء موضوعي. هذا التحالف مطالب أكثر من أي وقت مضى بقيادة العمل الوطني كقوة سياسية واحدة موحدة ملاطها الندية .فليس من حزب يملك حق الوصاية من منطلق تاريخي أو ايديولوجي. كعوب الأحزاب تعلو جماهيريا وتاريخيا بقدر انجازاتها تجاه الشعب والدولة في الوقت نفسه وليس وفق الادعاءات أو الوعود
******

إنجازات الأحزاب لا تتحقق بما تشغل من مناصب وزارية أو داخل مؤسسات الدولة . الوعي بهذه الحقيقة يجنبنا الرسوف في بركة المحاصصة. تلك إحدى أكبر منزلقات الإخفاق -ان لم تكن أكبرها -في الفترة السابقة. تجاوز هذا المنزلق لا يعني البتة تبني خيار توزير اصحاب الكفاءات مالم نجمع على تأطير تعريف معنى (الكفاءات).فالشهادات الأكاديمية لاتصلح بالضرورة سندات تأهيل لشغل المناصب الوزارية .تلك المواقع تتطلب في شاغليها. قدرات سياسية، ادارية، استقامة اخلاقية وطنية .

aloomar@gmail.com

 

آراء