Alshareefaasmaa224@hotmail.com
فى يوم التاسع عشر من الشهر الحالى تحل علينا الذكرى السادسة لوفاة الراحل المغفور له بإذن الله السفير أحمد عبد الحليم أو عم أحمد كما كان يناديه الجميع فى مصر والسودان من الرئيس والمسئولين إلى عموم الناس ،وقد كان الراحل العظيم بحق أحد أعظم الشخصيات التي أنجبها وادي النيل الذي كان السفير الراحل لا يمل التكرار بأن الله خلقه وادياً واحداً منذ الأزل.
وقد كان الراحل العظيم بحق أمة كما وصفه الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس السودانى... جاء الى مصر في ظروف صعبة وقطيعة.. ولكنه استطاع بإيمانه القوي وعزيمته الصادقة وروحه الوثابة وبعمل لا يكل ولا يمل من أن يغيِّر تلك الاوضاع الاستثنائية.
وفي وقت ملَّ الناس فيه ويئسوا.. ظل عم أحمد يوقد شموعه ويمهِّد الطرق ويبشر بالأمل القادم... قالوا له إنك تحرث في الماء والاذان صماء والقلوب مغلقة هنا وهناك.. فما وهن وما استكان بل قال والله لو أراد المؤمن الثريا وعمل لها لبلغها.
مدَّ عم أحمد جسور الود مع المعارضين السودانيين الموجودين في القاهرة والزائرين لها وفتح أبواب السفارة للجميع، وكان مكتبه في كثير من الأحيان أشبه بالمسيد يجمع كل ألوان الطيف السوداني.
أما المصريون فذهب إليهم يمد لهم أيديه ويفتح لهم أبواب وطنه.. ما ترك باباً إلا طرقه وما وجد سبيلاً إلا سعى إليه سعياً حثيثاً.. كان يؤمن أعمق الإيمان أن الحكومات والحكام زائلون وأن الوطن باق... كان شخصية فريدة من نوعها يحمل الطيبة والذكاء معاً... وكان عالماً حقيقياً ووطنياً غيوراً صادقاً.. وشجاعاً..لا تفارقه روح الدعابة والهدوء ورباطة الجأش.. وكل هذه الخصال جعلت المصريين على اختلاف مجالاتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية يسلمون له طواعية بعمومته.
....ظل يحمل المرض الخبيث فى أحشائه يسير به ثلاث سنوات ونصف السنة، فلم يقعده عن عمل أو يفقده روح الأمل أو يلجئه إلى شكوى، بل كان اذا تحدث عنه كان وكأنه يتحدث عن مريض آخر سواه.
كان دائما شخصية هادئة متفهمة ،لاتفارقه الإبتسامة وروح الدعابة ،ولا أذكر أننى رأيته غاضبا بشدة إلا مرتين ،الأولى حينما قرأ لزميل صحفى مصرى عند بداية توقيع إتفاقية ماشاكوس تحقيقا صحفيا من حدود جنوب السودان مع كينيا أكد فيه الصحفى أن سكان الجنوب يصوتون من الآن بالإجماع لصالح الإنفصال ،فغضب عم أحمد غضبا شديدا وقال لى أن هذا سيثبط همم المصريين والعرب عن العمل من أجل بناء الوحدة فى السودان خلال السنوات الست الإنتقالية التى ينبغى أن نستغلها جميعا لبناء وحدة على أسس سليمة وتعمير الجنوب والتواصل معه وليس التسليم بالإنفصال والهزيمة إبتداء ،والموقف الثانى الذى أغضبه حينما نما إلى علمه أن صحفيا مصريا يتبوأ موقعا مهما قال فى مؤتمر إقتصادى لرجل أعمال مصرى يستثمر فى الزراعة فى السودان:و لماذا لا تزرع فى بلدك مصر ،فجن جنون عم أحمد وقتها من هذا الصحفى ،وقال لى إنه يهدم ما نفعل ،وكان قد تم التوصل لإتفاق الحريات الأربع وقتها والأمل يحدو عم أحمد إلى علاقات راسخة بين البلدين ،وخلاف تلك الغيرة على السودان والعلاقات المشتركة ،لم يكن عم أحمد يتوقف كثيرا أو يلوم أحدا من الصحفيين أو الكتاب على أى نقد للسياسات أو المسئولين .
....سيرة عم أحمد وأمثاله من الافذاذ الذين عملوا بصدق لدعم العلاقات بين مصر والسودان يجب أن تبرز لتكون هادياً للأجيال الحاضرة والمقبلة، فتاريخ بلدينا لم يكن كله عاراً وسلبيات وكبوات.
وكنت قد اقترحت على الاستاذ علي عثمان طه نائب الرئيس وعددا من القيادات السودانية أن تقام جائزة باسم عم احمد تحت شعار" وادى النيل"... الفكرة التى عاش لها عم احمد منذ أن جاء الى مصر طالباً فى جامعاتها وحمل السلاح ليقاوم العدوان الثلاثي عليها، الى أن وافته المنية وهو يكافح من أجل رفع كل العوائق والقيود بين البلدين ومن أجل اقامة شراكة حقيقية بينهما على أسس جديده تتفق مع التحديات الراهنة وتطورات العصر.
وطالبت نائب الرئيس يومها أن تخصص هذه الجائزة لكل عمل مبدع أو فكرة خلاقة أو شخصية فذة قامت بدعم العلاقات المصرية السودانية، وأن يخصص جزء منها لأسرة الراحل العظيم ،ورحب بها السيد النائب يومها ولكن بقيت الفكرة رغم ذلك دون تنفيذ .
والأهم عندى أن يكون إحياؤنا لذكرى وفاة عم أحمد هذا العام هو إحياء لمنهجه فى حل الخلافات وتقريب الفجوات بين أبناء الوطن الواحد وبين أبناء مصر والسودان ،والعمل بذكاء وإخلاص وصبر ومثابرة وأيضا بروح المبادرة لإنجاز القضايا العالقة وإزالة العوائق وتقريب وجهات النظر والوصول إلى حلول توافقية حقيقية تنقذ أوطاننا المعرضة اليوم لأخطار شتى .