من أجل كل ذلك أؤيد وحدة السودان بقلم: د. عمر بادي
د. عمر بادي
19 July, 2010
19 July, 2010
عمود : محور اللقيا
المشهد السياسي السوداني يمور هذه الأيام من حراك إلكترونات ناشطيه المتضاربة بفعل التوجهات التي نزعوا إليها , كل من وجهة نظره . في الفترات الماضية كانت الساحة متروكة للإنفصاليين من الشماليين و الجنوبيين ليؤلبوا الناس لتأييد الإنفصال كمحصلة لأطروحاتهم التي تنكأ كل جراحات الماضي في إجترار متعمد , حتى وصل بهم منطقهم غير السليم إلى أن الحل يكمن في الإنفصال الذي تؤيده نسبة كبيرة من المواطنين ( كما يقولون ) ! هذه فرية , و لكن المصيبة أن كثرة تكرار الفرية يؤدي إلى تصديقها و إعتبارها حقيقة .
من الجانب الآخر تحزّم الوطنيون من أبناء السودان المخلصين لترابه و الحادبين على وحدته و إستعدوا لدحض إفتراءات الإنفصاليين بالحجة و المنطق و الموعظة الحسنة . الناس يقنعهم المنطق , و الحوارات في الفضاءات المفتوحة هي التي تغير المفاهيم الخاطئة , اللهم إلا إذا كانت وراءها أجندات إستراتيجية تجعل أصحابها متمسكين بآرائهم , و هنا يظل الأمر بيانا للناس ذوي الألباب . إن الظرف الحالي هو ظرف الحوار و المنطق و الحجة التي تدحض الحجة لأن الإكراه و الإقصاء و إلغاء العقول لن تكون مغبته سليمة و سوف يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه .
أنا أؤيد السودان الواحد الموحد , و رغم كتاباتي الكثيرة السابقة عن هذا الأمر فإنني هذه المرة أود أن أركز على أسباب تأييدي للوطن السوداني الواحد الموحد و أجمل هذه الأسباب في الآتي :
أولا – لي أسبابي الخاصة التي أعتز بها و أعترف أنها تتملكني كلما عدت إلى أيام صباي , فقد عشت في جنوب السودان و تفتحت مداركي و أنا في أحضان مدينة واو حيث كان يعمل والدي يرحمه الله رئيسا للحسابات ( مديرا ماليا ) في المديرية لمدة ثمان سنوات و قبلها عمل أربع سنوات في جمبيلا ( كانت تابعة للسودان و الآن تابعة لأثيوبيا ) و في شامبي . في واو يوجد قبر جدي الذي كان قد حضر أليها بعد الحرب العالمية الأولى و هو ضابط في الجيش و توفي فيها بالملاريا . أما والدي فقد كان من المغضوب عليهم من الإنجليز , فقد كان من ضمن طلبة ( الكلية ) الحربية الذين شاركوا في ثورة 1924 و كانت النتيجة أن تم سجنهم ثم تعيينهم بعد ضغط الحكومة المصرية في وظائف مدنية في أقاصي اقاليم السودان بشرط عدم العمل في العاصمة الخرطوم , و بذلك عمل والدي في أقصى شرق السودان ثم في غربه ثم في جنوبه , و لم ينتقل إلى الخرطوم إلا بعد الإستقلال . لقد كتبت سلسلة من المقالات عن تلك الفترة في واو و أنا مع أطفال الدينكا و الكريش و البلندة لا نحس بأي فوارق لونية بيننا , و المقالات كانت بإسم ( إنتحب , أيها الوطن المحبب ) و ( المندوكورو في واو ) و هي موجودة من ضمن كتابي ( شتات يا فردة ) .
ثانيا – السودان الوطن القارة في جغرافيته . أقول وطن قارة لأن في داخل السودان توجد كل المناخات إبتداءا من الصحراء في الشمال إلى السافنا و إلى المناخ الإستوائي بغاباته الكثيفة , و به السهول الحارة و به المرتفعات الباردة و المعتدلة . هذا التنوع المناخي سوف يجعل السودان مكتفيا من كل أنواع المحاصيل و الثمار , و مع وجود الماء الوفير فيه سوف يكون السودان حقا و حقيقة سلة غذاء العالم . وطن كهذا تتوفر فيه كل أنواع الخضروات و الفواكه و المحاصيل بدون عبورها لحدود أو جمارك , هل يستحق أن نفرط فيه و نقسمه إلى قسمين أو أكثر ؟
ثالثا – السودان الوطن القارة في سكانه . هنا أقول أيضا وطن قارة لأن في داخل السودان توجد كل الأعراق و السحنات التي في أفريقيا , ففيه الساميون و الحاميون , و معظم من فيه من الهجين بحكم التمازج و التلاقح بين السكان منذ مئات السنين . السودان هو بوتقة التلاقي و التوادد التي جمعت كل ساكنيه و أوصلتهم إلى لغة مشتركة بينهم و أسلوب حياة مشترك بينهم حتى و إن لم يتم إعلان ذلك بأمر جمهوري . إن ميزة السودان تتمثل في أن يجد الشخص فيه ما يتمناه في شريكة حياته , فإن كان يتمناها بيضاء وجدها و إن أرادها سمراء وجدها و كذا إن أرادها سوداء . كل ذلك موجود في السودان بدون إجتياز للحدود أو زواج من جنسيات أخرى .
رابعا – الوجه العربي الأفريقي للسودان . السودان عضو في جامعة الدول العربية , و عضو في الإتحاد الأفريقي , و في ذلك منفعة للسودان فهو قد صار محميا بقوتين تدافعان عنه ضد الأعداء و المتآمرين و تدفعان عنه الإختلافات الداخلية بالوساطات الأخوية , و تدعمانه ضد الفقر و المرض . منذ ستينات القرن الماضي كان لدولة الكويت مكتب في جوبا يقدم المساعدات و يدعم المشاريع الإقتصادية في الجنوب و كان يديره السيد عبد الله السريع و قد قرأت كتابه عن ذكرياته في جوبا و الكتاب مليء بالحنين و الطرافة , و قد تقلد السيد عبد الله السريع فيما بعد منصب سفير دولة الكويت في السودان و أحب السودان كثيرا , يرحمه الله . بعد إتفاقية السلام توافد الإخوة العرب من السعودية و الأمارات و الكويت و قطر و مصر إلى الجنوب من أجل الإستثمار فيه و مد يد العون للجنوبيين , و أيضا تولت الأمر جامعة الدول العربية . من المعروف أن الإستثمار يحتاج إلى ضمان , و الضمان يحتاج إلى إستقرار , و الإستقرار في الوحدة ! الدول الأفريقية بحكم ميثاق الإتحاد الأفريقي ضد اي إنفصال في أية دولة أفريقية , لأن كل الدول توافقت على الحدود الموجودة التي تركها الإستعمار , و هذا ما تم حسمه سابقا في بيافرا في نيجريا و كاتنقا في الكونغو . إن العالم يتجه نحو الكيانات الكبرى , و افريقيا تتجه نحو الوحدة , لا التشتت .
خامسا – وجود المنافذ البحرية في السودان على البحر الأحمر . إن كل الصادرات و الواردات في السودان ,عدا القليل منها , تنساب عبر ميناءي بورتسودان و سواكن , و كذا أنابيب تصدير البترول و السكك الحديدية و الطرق البرية . إذا ما إنفصل الجنوب سيكون حاله كحال أوغندا أو أثيوبيا بدون منافذ بحرية و سيكون قراره لذلك في يد غيره .
سادسا – الوحدة الإجتماعية و إنتشار الإخوة الجنوبيين في الشمال . في كل مدن السودان الشمالي صار للجنوبيين موطء قدم منذ أيام حرب الجنوب و المجاعات التي إجتاحته , و قد كان ذلك كما يقال ( نعمة متنكرة في ثياب نقمة ) فقد كسر الجنوبيون بذلك حواجز العزلة و ما كان يقال لهم من سؤ تعامل الشماليين لهم , فأتوا و عرفوا الحقيقة بأنفسهم ! الآن يوجد حوالي المليونين جنوبي في الشمال يسكنون و يعملون , و قد إختلطوا مع الشماليين و تزاوجوا , فكيف يتم التفريق بينهم بتقسيمهم إلى دولتين ؟
سابعا – السودان الشمالي به الكثير من الكفاءات و الكوادر الفنية و المهنية الماهرة , في داخله أو في بلاد الإغتراب و المهاجر البعيدة , و أنا كلي يقين أنه في حالة قبول الإخوة الجنوبيين للوحدة , سوف تهب كل تلك الكفاءات الفنية و تذهب إلى الجنوب طائعة مختارة لمساعدة إخوتهم الجنوبيين في التنمية و التأهيل .
من أجل كل ذلك أؤيد وحدة السودان .
omar baday [ombaday@yahoo.com]