من الذي يدفع ثمن الأزمات؟

 


 

د. حسن بشير
26 April, 2013

 




ليس من الصعب استنتاج ان الأشخاص العاديين غير المختصين في جميع إنحاء العالم يعرفون من الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية أو الأزمات الأصغر علي المستوي الإقليمي او المحلي ، الأقل حجما وتأثيرا في هذا البلد او ذاك. إلا انه من الصعب فهم آليات توزيع العبء الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن تلك الأزمات بين الشعوب، الدول والفئات والطبقات الاجتماعية ومن الذي سيدفع الثمن؟ من المعروف ان الأزمة المالية العالمية قد تشكلت وانفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية وقد كانت أزمة الرهن العقاري في العام 2007م شرارتها الأولي. كان لاساطين رأس المال الأقوياء الفضل الأكبر في اشتعال تلك الأزمة والأسباب التي أدت لذلك كثيرة وجميعها أسباب يمتلكها ويحركها الأقوياء ولا علاقة للضعفاء بها إلا اكتوائهم بنارها وتحولهم لضحايا لها.
تم تناول أسباب الأزمة بكثرة من جوانب الاستقرار المالي والنقدي المرتبطة بالإنتاج والتبادل التجاري العالمي بما فيها خدمات التمويل، التأمين والديون او تقلبات أسعار الفائدة وأسعار الصرف والمشاكل المرتبطة بذلك داخل نظم الوساطة المالية. مع ذلك فقد شكلت الأزمة المالية العالمية للعام 2008 والتي تحولت آلي أزمة اقتصادية كونية، بشكلها المختلف نوعيا، شكلت نقلة كبيرة في تاريخ التطور الرأسمالي العالمي في مرحلته الراهنة المتسمة بهيمنة رأس المال المالي وسيادة توريق الأصول والديون. بهذا الشكل تحولت الأزمة من أزمة مالية (اقتصادية) دورية داخل دورات راس المال إلي أزمة للنظام الرأسمالي في مجمله بشكل لم يستثني بلد او قطاع او عنصر للإنتاج.
من الأدلة علي عمق الأزمة وشموليتها ان التوسع في منح الائتمان والتدفقات الحرة لرؤوس الأموال بالتزامن مع عمليات الخصخصة، التحرير الاقتصادي وفتح الأسواق أمام التبادل الحر المتعولم، قد تحولت خلال فترة قليلة نسبيا من الزمن (عقد تقريبا)، تحولت من حالة المكاسب ألكبري الي انهيار في الأسواق المالية وحالة من الركود المزمن الذي استمر لمدة خمسه سنوات كاملة دون ان تلوح بارقة أمل في نهاية له. الملفت للنظر ان تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو  بأن سياسات التقشف، التي طبقتها العديد من الحكومات الأوروبية، قد بلغت ذروتها ،في إشارة منه إلى تزايد السخط الشعبي من ارتفاع وتيرة خفض الإنفاق وزيادة الضرائب قد وجدت استنكارا مباشرا من المستشارة الالمانية ميركل المهندسة الرئيسية لتلك السياسات. قال باروزو إن نجاح سياسة ما لا يتم فقط بسبب تصميمها بالشكل الصحيح، ولكن أيضا بالحصول على الحد الأدنى من الدعم السياسي والاجتماعي، هذا الدعم هو الحلقة المفقودة.
كتابة الفواتير وتحويلها لا يختصر علي أوروبا التي تم فيها إفقار شعوب بالكامل في اليونان، اسبانيا، قبرص وغيرها، وإنما امتد تحويل الفواتير وتحميل العبء الي شعوب الأرض قاطبة. هذا التحويل لا يتم فقط عن طريق الفواتير الاقتصادية المتمثلة في رفع معدلات التضخم العالمي، ارتفاع أسعار الغذاء، تقليص مكاسب العمل، إرسال جيوش إلي البطالة وفي نفس الوقت رفع معدلات الضرائب. الجانب الاقتصادي هذا تحول الي قانون تم اعتماده وتطبيقه في كثير من دول العالم، خاصة الأنظمة المتسلطة المتحررة من الرقابة الشعبية، الغارقة في الفساد، فحولت شعوبها إلي عبيد تغتصب حقوقهم وتمارس تقتيلهم بالجوع والأمراض وتمعن في أساليب قمعهم وتدمير عناصر المعرفة لتكتمل عناصر القهر المادي، الروحي والمعرفي.
جانب أخر في تحويل العبء يتم عبر الحروب والتسليح. مع أن هذا الأمر ليس بجديد إلا أن شكل إشعال الأزمات وتوظيفها قد اختلف حسب المستجدات العالمية ومنها للأسف ما جاء به " الربيع العربي". يتضح هنا نهب الثروات العربية وإغراق دول المنطقة في الديون، جانب ثاني هو الإمعان في التدمير واللجوء إلي مؤتمرات إعادة الأعمار التي يتحمل جزء كبير من تكلفته الشعب نفسه خصما من موارده (المكون المحلي) ومن تطوره. الجديد أيضا هو إشعال الفتن بين شعوب المنطقة لتحارب بعضها البعض وتدمر دولها بيدها ثم بيع الأسلحة للجزء الغني منها. الجديد كذلك توظيف أثرياء العرب في تمويل الحروب والفتن وقيادة حملات التدمير ومن ثم تحميل أولئك الأثرياء جزاءا مهما من فواتير الحرب وتثبيت أنظمة تتطلب المرحلة بقاءها في الحكم، مهما كانت درجة تخلفها وفشلها المريع.
في هذا الوقت يتم الاكتفاء بالتدمير ونهب الثروات خاصة البترولية، بالرغم من ان الحالة السورية قد شكلت مثالا فريدا، إذ لم يتم الاكتفاء بالتدمير بل تم نهب المصانع والمعدات وأخيرا تمت قرصنة النفط السوري في شكل جديد للفجور والفساد الدولي. بهذا الشكل فان جزء كبير من تكلفة الدمار الذي لا يقتصر علي الجوانب البشرية والمادية بل  يصل الي تدمير القيم وتعاليم الأديان السماوية وكل ذلك يتم بنموذج الكسب الصافي دون خسارة ( Win – Win Model) .أما عندما يأتي وقت الحصاد وإعادة الأعمار بعد ان تصل الحروب الي نهايتها (غير المنظورة)، فستتولى الشركات الغربية ألكبري تلك المهمة وتلتهم الكعكة كاملة محملة شعوب المنطقة الفواتير كاملة.
لكن حتى الآن الأزمات كبيرة وكثيرة ومترابطة، يمسك بعضها بتلابيب بعض، وبذلك تتضخم الفواتير ويرتفع الثمن.
في كل هذه الفوضى لا دليل علي تغير الأنظمة في دول الربيع العربي إلي الأفضل بل العكس هو الصحيح وبهذا الشكل فستدفع شعوب المنطقة الثمن دون ان تحصل علي السلعة التي تم تسويقها لها بواسطة المنقذين، الممولين وأدعياء الثورية الذين لا يمتون لها بصلة وعن ذلك يتحدث تاريخ حركاتهم وتنظيماتهم منذ نشأتها الأولي والي يوم حكوماتها هذا. النتيجة خسائر كبري بلا نتائج وبلا حقوق او مكتسبات كما أن الأمل في حياة أفضل يتضاءل يوم بعد أخر فيسود الإحباط وهذا بالضبط ما يراد زرعه في المنطقة لإنتاج المناخ الملائم للبؤس والتخلف. كيف لا يحدث ذلك والفواتير التي تنتظر السداد ضخمة جدا؟، إذ يكفي أن نعرف أن الخسائر الأمريكية من حرب العراق فقط، باعتراف الدوائر الأمريكية نفسها قد بلغت ستة ترليونات كاملة من الدولارات، وهذه فاتورة تحتاج لوقت طويل لتسدد.
إدراك هذا الواقع مهم لتغييره بأدوات مختلفة تكون من مهامها استئصال القوي التي تم تنصيبها لخطف ثورات الشعوب وتحويلها إلي وقود لحرق قوي المستقبل المشرق الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة. ما دامت الأزمة الاقتصادية تمسك بتلابيب اقوي اقتصاديات العالم فلن يتم السماح للشعوب لتتحرر من الظلم والطغيان، فهل هناك قوة علي قدر التحدي للتصدي لمهمة التغيير في هذا الواقع الملتبس شديد التعقيد؟ ربما تكمن الإجابة في عناصر جديدة للتغيير، بعد أن انتهي الرهان علي أمريكا والغرب الموالي لها أو كاد، عند تلك القوي وعناصر مهمة من الشباب التي كانت تري في أمريكا نموذج للحرية والانعتاق، إلا أن كثيرين قد ادروا أن لأمريكا عقيدة واحدة هي (المصالح)، وبذلك ، وفي لحظة ما يكون لها الشيطان صديقا والملاك عدوا يستحق السحل والقتل ثم الصلب.  
hassan bashier [drhassan851@hotmail.com]

 

آراء