من الكوميديا العنصرية إلي الدم المسفوح !!

 


 

 

musahak@hotmail.com

(موتنا بالضحك) قد يصبح ذلك مدخلا تراجيديا لتصفح مساهمة الكوميديا ضمن عوامل ثقافية أخري في إذكاء جذوة الصراع وإحتقار الاخر بالسخرية المباشرة كما شهدناه ونشهده في المسرح الشعبي في تعميق الانقسام في مجتمع يتصف بهشاشة التكوين رغم تلك الايحاءات التي ترمي إلي تزييف الواقع والقفز علي معطياته البائنة.
في السنوات الماضية إزدهرت صناعة الضحك (المأساوي) بتلك الكوميديا التي تستخدم عنصر التقاطعات الثقافية في المجتمع السوداني ، وضحك الناس حتي سالت دموعهم من ذاتهم المنقسمة حينما يستهل الكوميديان روايته (كان في غرباوي) (واحد من ناس العوض) (في أدروب) (رباطابي ماشي) وغير ذلك من تلك المداخل التي تؤجج ذلك الصراع المكتوم في طبيعة ذلك التكوين الثقافي
الهش الذي يشكل النسيج المجتمعي السوداني . لا يمكن النظر لتلك المدلولات بعين البراءة وإعفاءها من دورها إلي جانب عوامل أخري في عملية نفي الآخر واستخدام ثقافة التعالي والاحتقار مهما حاولت مراوغة العقل البشري وتمرير مشروعها البائس الذي يراوح بين القصدية واللاقصدية في غالب الأحوال .
يحتشد أدبنا الشفاهي بكم هائل من المفردات التي تدعم ذلك المشروع الكوميدي البئيس، أمشي (يا عربي) (يا حلبي) يا (فلاتي) وغيرها من المفردات التي غالبا ما تلبس لبوس البراءة ولكنها تستند علي قاعدة كاذبة من البراءة والاضحاك ليتم إبتلاعها وهضمها بتوابل تخفي طعمها القاسي سريع الانتشار في الجسد المجتمعي.
إزدهر ذلك المسرح في عقود مشروع الاسلام السياسي الذي شكل أرضية خصبة وأصبح أحد روافده الثقافية التي لا تلقي إحتجاجا ،ولكنها تحظي بالرعاية والقبول الرسمي الذي لا يتعارض مع أهدافه السياسية الاقتصادية في ترسيخ ثقافة نفي الآخر ثقافيا ثم إجتماعيا وإقتصاديا في نهاية المطاف .
علينا أن نسأل أنفسنا لماذا تم ترسيخ إستمارات (القبيلة) في دوائر التوظيف ومراكز الشرطة والكليات العسكرية وحتي المستشفيات ؟ لقد تم ذلك المشروع ببساطة عادية لان منصة التأسيس الثقافي كانت جاهزة.
في أحد المستشفيات الشهيرة بالخرطوم كان تبرير أحد الإداريين مدافعا عن توطين إستمارة المريض التي تحتوي علي سؤال عن القبيلة بأن ذلك ضروري لتشخيص بعض الأمراض المرتبطة بأقاليم معينة .
إذن فإن عامل الجغرافيا المكانية سقط بتلك الفرية التي تستدرج وتستدعي الثقافة القبلية حتي في إهم الدوائر العلمية وتم ذلك بتمهيد ثقافي خبيث ومربك .
الثلاث عقود الماضية شهدت ردة مجتمعية تحت رعاية الدولة ونظم القوانين لإقامة مشروع ثقافي يضج بالعنصرية ويؤسس لدولة تدورخارج كوكب العصر ومحروسة بثقافة قادمة من كهوف التاريخ وذلك من أجل سيادة ذلك المشروع السياسي الذي يتغذي علي تقسيم المجتمع لإنجاز وحراسة إمتيازاته التاريخية .
تعمل قوي الخير لقطع الطريق أمام ذلك المشروع وتفكيكه لبناء دولة المواطنة وعبور ذلك المستنقع الثقافي وبكافة تجلياته علي الدولة المتمدينة التي يدفع شبابنا دماءه مهرا وبصورة يومية وراتبة لإقامتها .
محاولة إعادة عجلة التاريخ للوراء تتجلي واضحة في مقاومة قوي الشر لذلك المشروع ، ونراها تحشد قوتها بصورة بائنة في إنقلاب البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 واستخدامه لجذع القبيلة ،والذي لا يحتاج لكثير عناء لفضحه بدءاً من إعتصام قبائل الموز أمام القصر ،و مجهودات ترك لقطع الطريق القومي ، ومسارات هجو وأردول العنصرية المفضوحة ،ومن ثم حركات دارفور المسلحة التي تفتقر للمشروع السياسي والثقافي والاجتماعي الذي يؤهلها للعمل وفق ماكينة مدنية ودون بندقية ،ثم نبذ نهائي لعامل دغدغة المشاعر القبلية وتأجيج مشاعر البسطاء بشعارات عدوانية تجاه الدولة المدنية التي تستوجب زوال لغة البندقية و إلي الأبد .
في مثل هذا الواقع تعمل المليشيات وبلا كلل لإقامة مشروعها المتوهم (أنحنا برضو عندنا شارع ) وذلك بحشد الإدارات الأهلية وإستقطابها بذلك المشروع الواضح ( تمكين الإدارة الأهلية ) المتمثل في تلك الهبات سيارة لكل عمدة وناظر وشرتاي ومك وسلطان ،يدور كل ذلك في دولة يغذي قادتها مشروع الكراهية ونبذ الآخر وتصفية كل ملمح للدولة المدنية.
ثم تهرع البندقية ذاتها إلي النيل الأزرق لبسط الأمن ووقف نزيف الدماء ! إنه مسرح اللامعقول الذي بدأ بالإضحاك ولينتهي بشلالات الموت وإستدعاء حقب تاريخية أفلت وتحضير أرواح سلطنات و أمجاد غابرة .
هناك الكثير من العمل الذي يلزمنا لهزيمة مشروع القبيلة الذي يرمي لتفتيت الدولة المدنية والنكوص لعهد المشائخ وتقسيم الوطن إلي إمتيازات وحواكير من ذهب وكروم وبلا إنسان .

 

 

آراء