من المحبرة الى المقبرة .. في وداع يحى العوض (1)

 


 

 

siddiqmeheasi20@gemail.com

هذا هو العنوان الذى رثى به الراحل يحى العوض العجب زملاء سبقوه الى دار الخلود بغير اياب, اوراق كثيرة تساقطت من شجر الصحافة الجيل الثانى خلال السنوات القريبة الماضية ,ميرغنى حسن على, ,الفاتح التجانى ,محمد سعيد محمد الحسن, عبد الله عبيد حسن ,عبد الله عبيد احمد ,محمود محمد مدنى , محمد صالح يعقوب ,عيسى الحلو الحلو , احمد على بقادى ,وشريط طويل من الغياب يضيق الحساب عن عده كان اخرهم الصديق الصدوق الزميل يحى العوض الذى عانى طويلا من المرض ,متاعب فى القلب ,وضيق فى التنفس, وورم فى الساقين ووهن فى الجسم ومداومة على العناية المركزة فى مستشفيات ابو ظبى طوال السنوات الماضية حتى غادر الدنيا.
اكتب عن صديقى يحى ليس من باب الأنطباع من بعيد ,ولكن من داخل حجرة نفسه الشفافة,سريرين متقابلين فى الحياة حلوها ومرها ,التصاق فى المحبة والمودة واندماج فى السمع والبصر ,عيون تنظرالى الأشياء كأنها عين واحدة ,واّذان تتسمع الى الأصوات كأنها اذن واحدة .
مسيرة طويله مشاها الراحل من المعهد الفنى "جامعة السودان "حاليا الى الصحافة ,التقىيا هناك هو وصديقه الراحل الفاتح التجانى ,جمع بينهما حب الصحافة فأصدرا صحيفة "اكتوبر" تعبيراعن ثورة اكتوبر الشعبية ,كلفتهما جبهة الهيئات التى كانت تقود الثورة ضد نظام السابع عشر من نوفمبر فخاضا التجربة التى اجرزت نجاحا كبيرا, الا انها لم تصمد طويلا لضيق ذات النشر فافترقا ,الفاتح للراى العالم ,ويحى الى السودان الجديد ,وفى السودان الجديد بقياد فضل بشير,هناك أستوى قلمه ,واتسعت رؤيته فى السياسة فأختار اليسار مدرسة موجهة له على طريق الأشتراكية ,وظل معارضا للانظمة الديكتاتورية حتى اخر لحظة من حياته.
عملنا نحن الخمسة يحي العوض ,ومحمود مدني ,وعمر جعفرالسّوري ,و ميرغنى حسن على , وكمال الجزولى، ما بوسعنا على تحويل السودان الجديد من جريدة محافظة أقرب الي اليمين الي جريدة اقرب الي اليسار تتبني قضايا العدالة الأجتماعية ,وحركات التحرير, وقضايا العمال ,والمزارعين ,والطبقة الوسطي وكانت مكاتب الجريدة تعج بالثوار الإرتريين تنشر بياناتهم ومقالاتهم في وقت كانت فيه كثير من الصحف تخشي من الإغلاق ان هي فعلت ذلك .
لم يكتف يحى فى نشاطه الصحفى داخل السودان الجديد فصار مراسلا لوكالة "تاس" السوفييتية ,وضم اليها وكالة انباء المانيا الشرقيةadn,وصار هو ومحمد سعيد محمد الحسن ,والفاتح التجانى ,وعبد المجيد الصاوى, ومصطفى امين ,والوليد ابراهيم من اصحاب السيارات الخاصة ,او البرجوازية الصحفية كما كنا نطلق عليهم فى ذلك الزمان بينما كنا نحن بروليتاريا الصحفيين نعتمد على ارجلنا فى جلب الأخبار.
كان الراحل متطلع دائما ان يبنى له عملا صحفيا خاصا به ,وحقق حلمه عندما اصدر وكالة الأنباء الوطنية فى مطلع ابريل عام 1969 , التى كانت قريبة من حزب الشعب الديمقراطى, ولكن ما ان اصدرنا العدد الخامس حتى قام انقلاب الخامس والعشرين من مايو فعطل الصحف ووكالات الأنباء المحلية ,وجرى تكميم الصحافة فقرر يحى فى منتصف السبيعات مغادرة البلاد نهائيا الى الخليج حيث عمل فى جريدة الآتحاد الظبيانة فى رفقة الراحل محمد طه الفيل , وحسين شريف فى قسم الترجمة ,وظل فى هذه الصحفية حتى انهى صلته بها فى بداية الثمانينات عائدا نهائيا الى السودان ليواصل نشاطه الخاص هناك ,فأسس دارالقوم للنشر لتصدر منها مجلة "القوم" التى تعنى بالحركات الصوفية كتراث دينى فى السودان وكتيبات عن الشيوخ "الفقراء" وكراماتهم كما كان يعتقد متاثرا بصديقه الراحل الطيب محمد الطيب .
تعثرت مشروعاته حتى قيام انتفاضة ا 1985 ابريل التى اطاحت نظام الرئيس جفعر النميرى فأصدر صحيفة النهار اليومية وفتح لها مكاتب فى الخرطوم "اثنين" ولكن ابى سوء الحظ القديم الا ان يلازمه ,فمثلما ما حدث لوكالة الأنباء الوطينية التى اغلقها نظام الرئيس جعفر النميرى, عطّل انقلاب الجبهة الاسلامية الجديد الصحف وانتهك حرية التعبير, وكانت النهار من بين تلك الصحف المعطلة فراودت يحى الهجرة من جديد ,وكانت وجهته هذ المرة الى الكويت التى وصلها فى بداية التسعينات ليستضيفه نسيبه القانونى عز الدين حمد الذى كان واسرته فى اجازته الصيفية خارج البلاد , وحتى يستمر سوء الحظ الذى لاحقه وهو فى الكويت ,وقبل ان يجرى اتصالاته بالصحف الكويتية ,غزا صدام حسين الكويت مدعيا ملكيته التاريخيه لها فاضطر يحى مغادرتها ضمن عملية الهروب الكبير التى قام بها الاف الأجانب من البلد المحتل .
يتبع

 

آراء