من عجائب الزمان، فى خطاب، ومكائد، ومُكر البرهان !

 


 

 

مدار أوّل:
"إنت بتكيد ... والشعب يفعل ما يُريد ... يحيا الكفاح وينبغي ... وتسقط كتايب الجنجويد" ((أزهري محمد علي))

-1 –

مازال مصير انقلاب الجنرال عبدالفتّاح البرهان، الذي نفّذه - على عجل – يوم 4 يوليو 2022، ينتظر – خارجيّاً – أوامر وتعليمات وتوجيهات، نتائج زيارة ومباحثات الرئيس الأمريكي جو بايدن، لعاصمة السعودية الرياض، يومي 15 و16 يوليو الجاري، مع ولي العهد السعودي، محمّد بن سلمان، فى الجزء المتعلّق بالوضع فى السودان، ضمن أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها الغستراتيجيين، فى الإقليم، لترتيب "أمن" المنطقة العربية، والقرن الأفريقي، وتعقيداتها الواضحة، ودلالاتها فى هذا التوقيت الحرج، بين تجاذبات ثلاثيّة (السياسة والمصالح والنفوذ)، فى المنطقة، بين مُثلّث (إسرائيل – إيران – وروسيا)، فيما يتأكّد يوماً بعد يوم – داخليّأً – فى السودان، أنّ قوى الثورة الجذريّة، قد أكّدت – بل، جدّدت - عزمها فى مواصلة منازلة الإنقلاب، وغربلة وفرز "الكيمان"، فى مواجهة الإنقلابيين، بمواصلة استكمال مشروع ثورة ديسمبر2018 !.

-2-

كانت "مليونية 30 يونيو2022"، خير شاهدٍ ودليل، على أنّ الثورة السودانية، فى نسختها الديسمبرية، لم – ولن - تفقد بوصلتها وأدواتها الناجعة، ولم – ولن – تتبدّل قناعتها الراسخة، فى سلاح "السلمية"، رُغم تزايُد آلة البطش والقمع، ضد الثوار والثائرات، حيث يتجدّد العزم الوفير، والاصرار الكبير، من "الشوارع التي لا تخون"، على كسر شوكة الإنقلاب، ودحره، وهزيمته، بالمزيد من العمل المنظّم، وفتح جبهات جديدة، فى الحراك الثوري المُتّقد، والمستمر، منذ ثمانية أشهرونيف، بلا كلل، ولا ملل، فى سبيل استكمال الثورة الظافرة، وتحقيق شعاراتها الخالدة (حريّة .. سلام ... وعدالة) !.

-3 -

كيف، لا، وقد أفرز الواقع قوي جديدة، منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر 2021، وحدث فى المجتمع السوداني، فرز طبقي واجتماعي وسياسي جدي، تشكّل وتصاعد نموّه، فى ظروف استثنائيّة، وبالغة التعقيد (داخليّاً وخارجيّأً)، جعل قوى الثورة المضادّة، تتربّص وتُخطط – بليل - لتضع العراقيل، أمام استمرار الثورة، واستكمال شعاراتها، ووصولها لنهاياتها المنشودة، وغاياتها السعيدة. وفى مثل هذا الواقع، وبلا أدني شك، فإنّ كل هذه، وتلك، التعقيدات، تفرض على الثورة، وقواها الحيّة، وعلى الثائرين والثائرات، بالذات، ضرورة وأهميّة الإسراع، فى بناء وتوسيع قاعدة القوى المجتمعية والطبقية، ذات المصلحة الحقيقية فى التغيير الجذري، وتجديد الطاقات، وتنويع التاكتيكات، وتجذير التحالفات، نحو هزيمة ودحر الإنقلاب، بالكامل ونهائيّأً، مرّةً أُخري، وإلى الأبد، هذه المرّة، وهذا يستدعي تمتين البنيان الثوري، وتسريع الخطي النضالية، وتحديد الأولويات المرحلية، وتغليب الإستراتيجي، على التكتيكي، وتكثيف الجهود الجماعية، فى مثل هذا البحر التملاطم الأمواج، (خارجيّاً) و(داخليّاً)!. ولكل هذا، وذاك، نري أنّه من المفيد، اعادة قراءة خطاب البرهان، ولا نجد حرجاً، فى إعادة قراءة المشهد السوداني، مرّات ومرّات، والبناء على النجاحات، ومراجعة الاخفاقات، والتعلُّم من التجربة، ومن الجماهير، ولا، ولن نمل القول: "الثورة مستمرّة...والنصر أكيد"!.

-4-

لمن، فاتتهم "حُسن الاستماع" لمجمل الأخبار، دعونا نُعيد (موجزها)، ثمّ، ندلف مباشرةً، إلى التحليل الموضوعي، لنقول: مساء يوم الإثنين (4 يوليو 2022)، وأزمة الحكم والثقة المستفحلة فى السودان، مازالت تراوح مكانها، بل، تكاد تصل عنق زجاجتها الفارغة، خرج إلى الناس، قائد الجيش السوداني الجنرال الإنقلابي – "ناقص" الدسم - عبد الفتاح البرهان، ليلقي خطاباً، قصيراً، من شاشة تلفزيون السودان – "وكان على عجل" – أقلّ ما يوصف به، أنّه كلام "كلام ساكت"، أو كلام "خارم بارم"، وقد نشطت فى نقله، وإعادة "تدويره" وسائل الإعلام التقليدية، وغير التقليدية، وقد شاءت الأقدار أن يتصدّر قائمة الأخبار، بما فى ذلك، أخبار أبرز وكالات الأنباء، والصحافة العالمية، والإقليمية، والمحليّة، ليسري – بعد ذلك – كالنار فى الهشيم – فى وسائط الميديا الإجتماعية، ليزداد، بعد ذلك، المشهد الإعلامي السوداني، العبثي - أصلاً- غموضاً، مُفتعلاً، ساهم فى صناعته، وتكريسه، من يسمّونهم "الخبراء الإستراتيجيين"، وما أدراكما "الإسطراطيجيين"!، ليُغرقوا المشهد الإعلامي، بضبابيّةٍ مُكثّفة، بتعليقاتهم السمجة، وتحليلاتهم الفطيرة، فاقدة المعني والمغزي، وضعيفة المحتوي والمضمون، فى متاهات خطاب دعاية (بروباقاندا) سافر، ومأزوم، وُلد متعثّراً، وسيموت منتحراً !.

-5-

ومع ذلك، تُحاول – وتُصر - آلة الدعابة (البروباقاندا) الغبيّة، أن"تصنع من فسيخ البيان – البرهاني - شربات" !، بمحاولة تجميل وجه الإنقلاب، بوضع بعض الآمال الزائفة، والمساحيق مُنتهية الصلاحية، على وجهه، والسعي لإظهار الجنرال الإنقلابي، بمظهر الحادب على الشعب والوطن، بل، وحتّي (القوّات المسلّحة)، مُعيداً، فرية النأي بها من الصراع السياسي، وهذا – بلا شك – حديث زورٍ، مكرور وممجوج، حفظه الناس فى السودان، عن ظهر قلب، وما عاد يصدّقه أحد، مجنوناً كان، أم عاقل !!، إذ كيف يُلدغ الشعب الصابر والمؤمن – حقّاً- بالثورة، والديمقراطية، والتغيير، والحريّة والعدل والسلام، من الجُحر ثلاث مرّات !.

-6-

البرهان – وهو فى جُب متاهته الأخيرة – فى خطابه، الذي دشّن به مرحلة انقلابه الجديد، والذي يُعتبر – فى حقيقة الأمر - بمثابة الانقلاب الثالث، بعد إنقلابي 11 أبريل 2019، و25 أكتوبر 2021، زعم أنّ العسكر – وبخاصّة الإنقلابيين الجُدد - قد آثروا الخروج من اللعبة السياسية، و"لعبة السياسة"، واستمعوا إلى صوت الشارع المنادي بعودة العسكر للثكنات، كما زعم – زوراً وبهتاناً - أنّ قادة اللجنة الأمنية "الإنقاذيّة"، قد آثروا – السلامة، بعد أن حاكت بهم الندامة – تغليب مصلحة الأغلبية الصامتة فى الجيش، على الأقلية المتآمرة، بالبعد بالمؤسسة العسكرية، من ممارسة الحُكم، وهذا، حديث إفكٍ وضلالٍ وكذبٍ مبين، قاله و"صاغه" البرهان، على طريقته هو – طبعاً - مُدّعياً أنّ "القوات المسلحّة، لن تكون طرفاً، فى ما درجوا على تسميته وتوصيفه، بأنّه (حوار) يقصد "تفاوض"، تقوده أو تُيسّر له (الآلية الثلاثية) بقيادة السيّد فولكر!.

-7-

نعم، زعم الجنرال البرهان، أنّ الهدف من هذه الخطوة (العدمية )، هو"إفساح المجال للقوي السياسية و(الثورية)، والمكوّنات (الوطنية) الأخري، للجلوس، من أجل تشكيل حكومة (كفاءات، وطنية، مستقلة)، لإكمال مطلوبات الفترة الإنتقالية"، ولكنّه، عاد، وقال فيما قال، فى نفس المقام: "إنّ المؤسسة العسكرية، ستُشكّل مع الدعم السريع، ما أطلق عليه (مجلس أعلى للقوات المسلحة)، وضع له مهامه، فى البيان الإنقلابي، ليجعل منه سلطة "فوق السلطات"، حيث أورد – بصريح العبارة – إنّ هذا المجلس المزعوم، سوف "يتولّى القيادة العليا للقوات النظامية"، وسيكون"مسؤولاً" عن مهام (الأمن والدفاع) و"ما يتعلّق" بها من"مسئوليات" تستكمل مهامه، بالاتفاق مع الحكومة" !، وبهذا، يكون الجنرال البرهان قد كشف، وأماط اللثام، عن نواياه الحقيقية، فى السيطرة على مقاليد الحكم فى البلاد، عبر هذا السيناريو سيء الإخراج!. وبلا شك، فإنّ مثل هذا القول الفطير، لا يصدر، ولا ينتج إلّا من عقلٍ انقلابيٍّ مأزوم، وهو – فى كل الأحوال - رهان خاسر!.

-8-

مواصلةً فى طريق السير فى عملية الهروب للأمام، طالب البرهان فى خطابه الملغوم، (القوي المدنية)، "بمفهومه هو"طبعاً"، أن تتحاور فيما بينها، لتاتي بحكومة "كفاءات مدنية"، وقد ظهر – بوضوح - فى هذا الخطاب، بعض المُكر، الذي يضمره قائد إنقلاب 25 أكتوبر 2021، وانقلاب 4 يوليو 2022، للشعب والوطن، والقوي المدنية، وحتّي "الجيش"، ناهيك عن حلفائه القدامي والجدد – من الحركات المسلّحة - الذين اعتصم بهم، أو اعتصموا به – ولو، لبعض الوقت - تحت لافتة ما أسموه (اتفاقية سلام جوبا)، و(جماعة اعتصام القصر)، ورُبّما يكون قد آن أوان التخلًّص منهم، أو من بعضهم على أقلّ تقدير، بعد أن أدّوا دورهم فى دعم انقلاب 25 أكتوبر 2022 المشؤوم !.

-9 -

جاء الخطاب البرهاني، ضعيفاً فى المحتوي، وغيرمتماسك فى البنيان، كما فى البيان، وماسخاً، وفارغاً من المضمون، لكونه، لم ينظر إلى حقيقة (الأزمة)، ولم يبحث فى جذورها، ومآلاتها، كما أنّه لم يتحرّ الأمانة، والنزاهة، والدقّة اللازمة، فى توصيفها، ناهيك عن التفكير السليم فى تغييرها، إذ لم يُبد قائد الانقلاب أيّ مظهرٍ من مظاهر الاستجابة الحقيقية والصادقة، لصوت الشعب، الذي ظلّ "يحفر فى جدار الإنقلاب"، بمعاول الثورة والتغيير، يُقاوم ويتحدّي، نهاراً جهاراً، ويعمل بكل جدٍّ وإخلاص، على تحقيق الخلاص الحقيقي من سلطة الإنقلاب، قاصداً هدفاً واضحاً، يجسّده الشعار الخلّاق : " الثورة ، ثورة شعب ... والسلطة ، سلطة شعب... والعسكر للثكنات، والجنجويد ينحل" !.

-10-

حتماً، سيحيق المُكر السيء بأهله، وسينتصر الشعب لثورته، وسيكتُب التاريخ، بأحرفٍ ناصعةٍ، ومن نور ونار، أنّ خطاب البرهان، ومكيدته الأخيرة، ومكره السيّيء، كانوا – على غير ما أراد - من العوامل التي سرّعت من تقارب قوي الثورة الحقيقية، وتوحيد إرادتها، وفعلها السياسي، نحو تحقيق الهدف المنشود، وهو انجاز مهام رص الصفوف، نحو النصر المؤكّد، والمُستحق لشعبٍ قهر الطغاة. وها نحن، نواصل رهاننا على الشعب صانع النصر والمعجزات، فيا قوى الثورة الحقيقية فى السودان، انتبهي واتّحدي، فالنصر أكيد، رغم أنّهم يرونه بعيد، فإنّه، لا محالة، آت، رغم كيد الكائدين، وتآمر المتآمرين، وتخازل المتخازلين، وغداً، ستنتصر الثورة، وغداً – حتماً - لناظره قريب !.

جرس أخير:

"مساجينك ... مساجينك ... نغرّد فى زنازينك ... عصافيراً، مجرّحة بي سكاكينك... نغنّي، ونحن فى أسرك... وترجف، وإنت فى قصرك ... مساجينك... حقيقة، وليس تتأوّل...حتهرب، من عناوينك... للسودان، عواطفنا ... وبالسودان، مواقفنا ... ولمّا تهب عواصفنا ... ما حيلة قوانينك... مساجينك" ((محجوب شريف))

فيصل الباقر

faisal.elbagir@gmail.com

 

آراء