من غرائب السياسة.. مغازلة اليمين المتطرف لليسار الراديكالي، لإسقاط الإطاري!

 


 

 

يقال، ما غريب إلاّ الشيطان، بمعنى ما لم يطل علينا شيطان بذيله وقرّنيه، فكل ما دون ذلك عادي في دنيانا العجيبة، سيما وأن عالم السياسية عندنا، لن يتوقف عن انجاب المفاجآت، وقيل أنجبت والمنجبات الغرائب، أي الزواج من الغريبات، يثمر إنجاب الرجال، وكأن اتخاذ ساسة بلادنا المواقف السياسية الغريبة، يضمن لتنظيماتهم البقاء على واجهة الساحة.
في مغازلة سياسية مقززة، قالت القيادية "الإسلامية" عائشة الغبشاوي مؤخرا: "هناك أشياء كثيرة تتناقض ما بين مبادئ الإسلام ومبادئ الشيوعية، وفي تقييمي إذا كان هناك شيوعيون مخلصون في عملهم ومتميزون ويضعون الشيوعية جانباَ والوطن في أمامهم.. وأضافت: ويجب أن نقبل بعضنا البعض (ولكم دينكم ولي دين) حسبما جاء في صحيفة الحراك السياسي الصادرة في 28 ديسمبر."
من غرائب السياسة في السودان أن يتحالف اليمين المتطرف مع اليسار الراديكالي، من أجل إسقاط الاتفاق الإطاري! كنا نظن أن توازي اليمين واليسار، كتوازي خطيّ السكك الحديدية، لا تلتقيان أبدا، لكن فات علينا أنّ كليهما، شمولي النزعة راديكالي النزعة، لا يطيقان الحكم "المدني" الديمقراطي، يهابان صناديق الانتخابات النزيهة، ويفضلان النظام الأحادي الخلّاق. رغم أن الحزب الشيوعي، فضّل الصمت فيما يبدو حيال هذه المغازلة السياسية الإسلاموية، لكن الصمت قد يكون علامة الرضاء أو الاستحسان.
والغرابة هنا تكمن في (ولكم دينكم ولي دين)، فمن المعروف أن الدين السياسي لليمين هو الشعار الذي رفعه عرابهم حسن البنا "الإسلام هو الحل"، بينما يرفع اليسار شعار الدولة "المدنية" العلمانية الاشتراكية! مما يعني، أن المقصود من هذه المغازلة، فلنتحالف لإسقاط الإطاري، ونفترق بإحسان!
وربما قصدت الحركة الإسلامية بهذه "الرمية" جس نبض مبدئية اليسار، كنوع من المكر والكيد السياسي؟ لحرق الخصم اللدود بتلطيخ سمعته وإلى الأبد، آخذين في الاعتبار أنّ الكيزان ليس لديهم ما يخسرونه، فقد أحرقوا مشروعهم "الخديعة" خلال استبداد حكم الإنقاذ، ولم يبقَ لهم وجه سياسي.
الحزب الشيوعي في راديكاليته وجذريته، يريد هزيمة الانقلابين، وإبعاد العسكر عن المشهد السياسي، والقصاص لشهداء الثورة، وترسيخ مبدأ علمانية الدولة السودانية، ووضع أحزاب الهبوط الناعم "قحت ــ المجلس المركزي" في علبهم، وتفكيك التمكين في مفاصل الخدمة المدنية والعسكرية، وحل المليشيات، بينما يسعى الإسلاميين عكس كل هذا تماما، فهم يريدون حماية كوادرهم المؤدلجة في الخدمة المدنية، ويدعمون الانقلابين في قبضهم على مقاليد الأمور، ولا يزال يحدوهم العشم في إنعاش التجارة بالدين، وخديعة البسطاء بالشعارات الإسلامية، ويثيرون النعرات القبلية ويدعمون التحيزات الجهوية.
ترتكز الحركة الإسلامية الكيزانية على الرأسمالية الطفيلية، بينما ينتهج اليسار دولة الرعاية الاجتماعية، يحاربون البرجوازية وكافة أشكال الطبقية الاجتماعية، وإن كان الإسلاميين يعرفون حقا معنى الوطنية، لما باعوا الجنوب في صفقة دولية رخيصة، من أجل التمكين السلطوي الأيدلوجي، وإن كانوا معنيين بالوطن، لما أجازوا فقه التحليل، لقبول الفاسدين والتعايش معهم.
لو كان الاسلاموين الكيزان يدركون ماهية الوطنية، لما سمحوا بتمرير حاويات المخدرات عبر المطارات والموانئ لتدمير الشباب والأسر السودانية! ولو كانوا كذلك لما سمحوا بتهريب موارد البلاد عبر المنافذ الرسمية لتدمير الاقتصاد الوطني! وإلي يوم الناس هذا المخدرات تدخل البلاد، والذهب يهّرب لتعود عائداتها لجيوب جهات تنفيذية! قد لا يتسع المقام لرصد كافة التجاوزات التي تثبت بما لا يدع مجالا للتشكيل في عدم وطنية الإسلامين الكيزان، وعلى د. عائشة الغبشاوي أن تراجع نفسها، قبل أن تطلق تصريحات على عواهنها، أن وجدت الوجه للتجرؤ على الوطنية. هذا إن تراجعت حركة الإخوان المسلمون العالمية عن مفهوم الدولة الرسالية، التي لا تعترف بالحدود، ولا تقر بالولاء للجغرافيا.
نتمنى أن يكون الإسلاميين الكيزان، وضعوا بطاقة المغازلة السياسية في البريد الخاطئ، لأننا رغم اختلافنا مع اليسار، نعتقد أن الحزب الشيوعي حزب دولة، وتعارض الإطاري بفهم، ويواجه خصومه السياسيين بشرف، ويبني تحالفاته السياسية بمبدأ.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء