من محطة “دعوني أعيش” لقتل ميادة !!

 


 

 

 

 

في سنين الشباب الطرير تتزاحم الأحلام والرغبات وتغنى وتفتقر بحسب التفاعل مع الواقع ومحاولة بذل الجهد المضاعف لتحقيق تلك الأحلام، بدأ من إكمال الدراسة الجامعية والحصول على وظائف مرموقة، فمن يحلم بأن يصبح جراحا، ومن يحلم بالتحليق بين طيات السحاب حتى يتمكن من السفر الى معظم بلاد الدنيا، وغيرهن من الأحلام الوردية،، فالكلام عن الاحلام المستقبلية لا يكلف سوى إطلاق الخيال الواسع ولن يحاسب أو ينازع أحد في حقه في الحلم ولعل أكثر الشباب نباهة يكتفي "بالتبريز" في الدراسة دون أن يبوح بحلمه! وقد يصبح كتم الحلم مثار تشويق ونقطة استفهام ، حيث إتضح إن الحديث الخارجي عن الحلم قد يؤدي للتنفيس عن البركان الداخلي فيحدث شيء من البرود للدوافع، أما عدم التصريح عن الحلم والمحافظة عليه كهم يومي داخلي وترسيخه داخل النفس يجعله وقودا وزادا يدفع الفرد بشدة نحو تنزيل حلمه على الأرض !!!
يتفاوت كل فرد عن الأخر في تفعيل إمكانياته والاستفادة من الواقع في السير نحو الحلم بخطوات راسخة او مترددة او القبول بموت الحلم، فهناك من تكن غايته الكبرى هي إقتناء المال وهناك من يحلم بإضافة شيء ولو يسير من الخير للرصيد الإنساني.
كذلك تختلف المسارات في حياة كل فرد فهناك من يظل يحفر في الصخر وهناك من يلتف حول الصخر، وقد يصبح الفرد إستغلالي أو إستقلالي في خياراته، وقد يضيق المكان بالفتى فيسوح في أرض الله ناشداً تحقيق طموحه خارج الوطن.
في الغالب نجد إن من يحد طموحه بالمال والسلطة يصبح أكثر شراهة لهما بمرور الأيام فينصب جهده في معرفة دروبهما ودهاليزهم والتعرف على أهلها والتودد اليهم. هذا الشره للمال والسلطة يكتسب الخبرة مع الزمن وينتهز كل الفرص للحصول عليهما معتبرا ذلك حق له، وتجده يصر على أن تبدو عليه علامات الثراء في المسكن والسيارة والملبس. ثم يحيط ذلك "الديكور" بهالة من الوقار أو التدين الشكلي أو الجنون والفنون و المجون بحسب ما يتطلبه وسط أهل السلطة والمناصب في الحكم وشعاره "دعوني أعيش"!!!
ثم تجد مثل هذا الفرد يبتعد عن اصدقاء الطفولة والشباب وجيران الحي القديم، ويستبدلهم بمن هم على شاكلته ولعل ذلك الامر هو واحدة من شروط الانضمام لنادي الاثرياء وأصحاب النفوذ. وغالبا ما ينزعج من كل من يذكره بالماضي والمثاليات، بل يظهر عدوانه لكل من ينتقد أرباب نعمته الجديدة، اي بكل بساطة يختار أن يكون مع السلطة الظالمة ضد الشعب ويمكن تسمية ذلك بالتماهي مع دين الحاكم.
للاسف وبحكم الوضع الوظيفي الجديد ومظاهر الثراء التي تبدو على مستجد النعمة، فإن الكثيرين يتوددون إليه ويستمعون لتوجيهاته مما يؤدي الى أن يتعاظم لديه الشعور بأنه صار من أصحاب الجناب العالي فيمارس نوع من التعالي على الفئات الضعيفة وقد يعطي نفسه حق ممارسة الاستاذية على الأخرين بأعتبار نفسه ضمن الفئة صاحبة السلطة.
عندما يشتد جنون العظمة لدي هذه الفئة تجدهم يربطون نجاحهم بأنه توفيق ومباركة من "الرب" "الزارعنا غير الله اليقلعنا" ،ولعل ذلك من نفس الباب الذي جعل بعض الشعوب تعتقد بأنها شعب الله المختار. وهنا تأتي مرحلة التشدد والإصرار من مثل هذه الفئة على الأحقية في توجيه الشعب بإعتباره ليس سوى رعية و"رعاع"، وأن من لا يستمع لتوجيهاتها فهو مخالف للحكومة ومخالف للإسلام!!! بإعتبار أنها تؤمن بأنها وصية على الدين وأن كل من يخالفها فهو مارق. وعليه "التوبة" والخضوع وإلا فيجب بتره بالفصل التعسفي للصالح "الخاص" للفئة الحاكمة، وأن أصر فبيوت الأشباح والسجون ليست بعيدة، و قد يمتد الاستبداد المسنود بغرور ديني من القتل بواسطة دق مسمار في الرأس كما حدث مع الشهيد د. علي فضل مروراً بالقتل البشع للشهيد الاستاذ أحمد الخير وليس إنتهاء بفتوى قتل ثلث الشعب وقتل "ميادة جون" وربط الثوار بالحجارة الثقيلة وإلقائهم في النيل. هذه الطغمة المستبدة غرتها السلطة وسارت في درب الاستبداد الفكري والسياسي والديني، ولم تتعظ من التجارب الإستبدادية التي سبقتها منذ عهد موسوليني وهتلر مرورا بشاوسيسكو وبوكاسا وموبوتو وكثير من الرؤساء العرب وليس إنتهاء بالمرحوم الرئيس إدريس دبي.
هذا التعنت يجعل هذه الفئة ممقوتة وينتهي الشعب برفض الخنوع لها والتمرد عليها سلميا من خلال شعارات مثل "حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب"،ويحاول الشعب أن يجد طريقه وقادته، عبر تنظيم نفسه في أحزاب وتحالفات ونقابات وغيرها، وهو أمر يحتاج وقت طويل، وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فأنه من الطبيعي أن يحدث تحالف جديد من فئة الانتهازيين و أصحاب المال لأنهم الأوفر حظا في سهولة التنظم ووحدة الهدف اي الوصول الى السلطة واستغلال خيرات البلاد. برغم كل التعثر الذي قد يصيب مسيرة الثورة ، يظل الأمل حي ومرتبط بأبناء الشعب الاصيلين في الداخل والخارج الذين يفلحون الأرض فينتجون قمحا، ويجمعون صمغا، والذين يسخرون خبراتهم و إمكانياتهم وعلاقاتهم التي بنوها في الخارج لتنعكس خيرا وفيرا على السودان في كل المجالات، إنهم أبناء الشعب وسيظلون أوفياء له باذلين كل طاقاتهم في الوقوف معه ومساندته حتى ينبلج الفجر المشرق.

هاهو أحد أبناء الشعب الذين يتقاسمون اللقمة "بيناتهم" و يحسون الامهم بعضهم البعض ويتشاركون الفرح والترح ، نعم هاهو الشاعر خالد عباس يرثى الشهيدة مياده جون- شهيدة ميدان كولمبيا- فينشد

"بتعرفو مياده ؟
مياده ي ساده !!
مياده ست الشاي
مياده ست الكل
رغم العرق والضيق
البسمة زي الفل
***
خريجة الهامش
دبلوم وسيط في الخير
وفي الحوجة والاوجاع
مياده ماجستير!!!!
من جامعة الهامش
جنب جامعة الخرطوم
كلية الكداح
من قسم رزق اليوم
مياده ريحة البن
في سحنة القهوه
القرفة والنعناع
الغفوة والصحوة
تسلم كبابي الشاي
وتسلم النخوة
مياده يا بت جون
ساق التبلديا
يا مخزن الاحزان
يا صافية النية
في دمك المهدور
ما بنقبل الدية
ولو فيكي طفو النور
لسه البلد حية !!"
wadrawda@hotmail.fr

//////////////////////

 

 

آراء