من نكد الدنيا على ثورة ديسمبر أن يتسلط على أفقها الشيوعيون

 


 

طاهر عمر
26 May, 2022

 

واقع المجتمع المتغير على صلة وثيقة بفلسفة التاريخ الى أي الأفكار أقرب؟ قطعا لم يك الأقرب الى الايدولوجيات المتحجرة كما يتوهم الشيوعيون السودانيون و لا في اللجؤ الى الغيب في خطاب الاتجاه الاسلامي في السودان و لكنها أقرب الى فكرة الاقتصاد و المجتمع في فكر ماكس فيبر و المعنى التراجيدي في فكر ريموند آرون و نهاية التاريخ لفوكوياما.
و هنا يحضر في البال اكتشاف الطاهر لبيب لغرامشي أو قل اعادة اكتشاف غرامشي من جديد في فكر الطاهر لبيب. عند الطاهر لبيب من نكد الدنيا على غرامشي أن يكون المثقف العضوي في السودان هو المثقف التقليدي و قد أصبح المثقف التقليدي أكثر عضوية من الحداثيين في ظل سيطرة الخطاب الاسلامي في السودان و هذا يرجع الى الفهم الخاطي لمفهوم المثقف العضوي في فكر غرامشي.
و لكن هنا يجب أن أضيف وفقا لعلماء الاجتماع أن الشيوعية السودانية بنسختها المتحجرة كما النازية و الفاشية و الحركات الاسلامية فأنها تعتبر ضد الحداثة و المضحك في السودان يعتقد كثر بأن الشيوعيين السودانيون حداثيين و هذا قطعا بسبب غياب علماء اجتماع و مؤرخيين في السودان على معرفة بما حدث من تقدم فكري في بقية العالم الذي قد أصبح السودان كما الجزيرة المعزولة في تحصنه بجهل نخبه من تقدم العلوم في بقية أنحاء العالم.
و كما يقول الطاهر لبيب نجد أن الشيوعيين هم الأكثر من بين الأخرين في ادخال الخلط على فكرة المثقف العضوي في فكر غرامشي حينما ذهبوا باتجاه الايدولوجية المتحجرة للشيوعية و كان من ضحايا الفهم الخاطئ لفكرة المثقف العضوي في فكر غرامشي كل من مهدي عامل و حسين مروة.
فأخذ الشيوعيون العرب فكرة المثقف العضوي الخاطئة وذهابهم بها الى الأحزاب الشيوعية قد كشف ضعفهم في المجال الثقافي بعد سقوط المنظومة الاشتراكية و هنا يمكنك أيها القارئ أن تضيف بأن عبد الخالق محجوب في مقتله على يد نميري قد كان ضحية فهمه الخاطئ لمفهوم المثقف العضوي و لا يختلف عن مهدي عامل و حسين مروة كضحايا للفهم الخاطئ لفهم فكرة المثقف العضوي كما يقول الطاهر لبيب كعالم اجتماع.
و ما نريد التنبيه له في هذا الوقت هو أن الشيوعيين السودانيون اليوم يعتقدون أنهم سوف يقودون الحراك ضد إنقلاب البرهان الفاشل و يتخفون وراء قناع لجان المقاومة و ها هم يحاولون لبس قناع الحلو عبد الواحد ظنا منهم بان الأمر سيؤول لهم بعد سقوط الانقلاب و هذه واحدة من أوهامهم كما وهم فكرة المثقف العضوي الخاطئة التي اوردتهم موارد الهلاك و كان ضحيتها عبد الخالق محجوب نفسه و هنا نكتب لننبه الشيوعيين السودانيين بأنهم في هذه المرحلة التي يمر بها الشعب السوداني في مقاومته لانقلاب البرهان الفاشل أنهم أي الشيوعين السودانيين أنهم أبعد الناس عن فهم ما ينبغي أن يكون عليه حال الفكر في السودان لأنهم ما زالوا متحصنين في أيديولوجية متحجرة و قد فارقها العالم منذ ثلاثينيات القرن المنصرم فالشيوعيين السودانيين أكثر النخب ضحايا لأيدولوجيتهم المتحجرة و من أكثر السودانيين بعد عن فهم ما ينبغي أن يكون عليه حال الفكر في السودان اليوم و هو الفكر الليبرالي الذي تحتاجه ثورة ديسمبر و شعارها حرية سلام و عدالة.
و معلوم ان شباب ثورة ديسمبر قد قال حرية و ليس شمولية كما تنطوي عليها نسخة الشيوعية السودانية و عليه نقول للشيوعيين السودانيين بأنكم ليس من بينكم رجال مرحلة و لا قامة شخصية تاريخية تفرزها النخب لحظات الازمات التي تواجه الشعوب ككينز مثلا كمفكر اقتصادي حاول الاجابة مفسرا سبب الكساد الاقتصادي العظيم و لم يكن من بينكم من يقود سياسيا كما قاد روزفلت الشعب الامريكي و قد عبر به أحلك أيام الكساد الاقتصادي العظيم.
فانتم أيها الشيوعيون السودانيين ضحايا أيديولوجية متحجرة فلا تجعلوا من الشعب السوداني رهينة و تطالبونه بالفدية حتى يتخلص من جهالاتكم و هي وهمكم في أيديولوجية متحجرة و هأنتم تتخفون تحت لافتة الحزب خجلا لانكم لا تستطيعون تقديم من يكون في مستوى الشخصية التاريخية التي تقود الشعوب في وقت الأزمات كما الحال الآن في السودان مثل ما كان عبد الخالق ضحية لفهمه الخاطي لفكرة المثقف العضوي تريدون ان تتسلطوا على أفق ثورة ديسمبر بمفهوم خاطئ لأنكم ضحايا فكركم المتحجر.
و يواصل الطاهر لبيب قائلا قد كشف سقوط المنظومة الاشتراكية أن المثقف في العالم العربي مازال يتقمص صورة الأديب و راجل الدين و الكاتب و هي صورة قديمة مازالت مؤثرة في عدم مجابهة المثقف للماضي السحيق و لا يستطيع الخروج من سلطة الماضي في هروبه اليه و لجؤه الى الغيب. و لهذا السبب قد تأثرت فكرة القطيعة مع الماضي و مازال الدفاع في العالم العربي عن الوسطية و الصحوة الاسلامية و المؤالفة بين الأصالة و الحداثة وكل هذه التوازنات كما فكرة الاصلاح الذي يفرغ مفهوم الثورة في فكر الطاهر لبيب.
اذا أمعنت النظر في قول الطاهر لبيب ألم تلمح في قول المؤالفة ما بين الأصالة و الحداثة و الدفاع عن الوسطية محاولات عبد الخالق محجوب في بحثه لدور للدين في السياسة و كما سار على دربه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و قد أوصله الى علمانية محابية للاديان في تماهي مع خطاب الاسلام السياسي؟ ألم تلمح مؤالفة النور حمد بين العلمانية و الدين؟ ألم تلمح مساومة الشفيع خضر بين يسار سوداني رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني؟ ألم تلمح دعوة الحاج وراق لمهادنة الطائفية و النسخة المتخشبة السودانية؟ ألم تلمح فيها طرح حيدر ابراهيم علي لفكرة لاهوت التحرير كتقليد أعمى؟ بالمناسبة لو استمرت النخب السودانية في تأخرها عن مواكب الفكر في العالم فليستعد المجتمع السوداني الى الذهاب الى حالة المجتمعات التي تتأهب للخروج من التاريخ.
و نفس الشئ في دفاعهم عن الوسطية و المؤالفة بين الأصالة و الحداثة و فكرة صحيح الدين تجد المؤرخين السودانيين في تماهي مع الخطاب الدين و قد تصب جهودهم في صالح الخطاب الديني و قد رأينا جهود يوسف فضل و تلاميذه و كتابات محمد ابراهيم ابوسليم و هي تسير في صالح الخطاب الديني و كذلك كتابات علي صالح كرار فكلها تصب في صالح الخطاب الديني بسبب غياب تفكير نقدي يفحص الخطاء في توجهات يوسف فضل و تلاميذه و علي صالح كرار و كتابات ابوسليم المحابية للخطاب الديني.
و عليه ننبه النخب السودانية الى ان فكرهم و جهودهم كلها لا تخرج عن جهود قد فارقتها البشرية و هي تودع فلسفة التاريخ التقليدية و قد جاء الوقت ان يواجه فيه فكر المؤرخيين القابعين تحت نير المنهجية التاريخية و لذلك ما زالت ساحة الفكر في السودان مليئة بكتابات دلوماسين و رجال دين و عساكر و كله بسبب غياب الفكر النقدي.
الطاهر لبيب لم يستطيع اعادة اكتشاف غرامشي لولا ارتكازه على سوسيولوجيا الثقافة لذلك نجد أن الاحزاب الشيوعية في الغرب كانت على صلة بفكر غرامشي لأنه قد كان على قطيعة مع أفكار ستالين و هذه القطيعة مع فكرة البنى التحتية و اعتماده على البنى الفوقية هي نتاج تأثره بفكر ماكس فيبر لذلك نجد أن الأحزاب الشيوعية في الغرب تقدم فكرة الاشتراكية الديمقراطية لأن فكرة انتهاء الصراع الطبقي لا يمكن أن تعمل في المجتمعات الغربية.
لذلك يرى الطاهر لبيب أن فكر غرامشي قد مسخ من قبل الشيوعيين في العالم العربي و قد اصبحوا أول الضحايا لهذا المسخ الشيوعيين أنفسهم و عندنا هنا أول الضحايا هو عبد الخالق محجوب نفسه نتيجة فهمه الخاطئ لفكرة المثقف العضوي و عليه نقول للشيوعيين السودانيين و هم يتسلطون على أفق الثورة التي تريد إسقاط إنقلاب البرهان الفاشل ليس لديكم من الفكر ما يقود ثورة ديسمبر لأن شعارها واضح و هو حرية و ليست شمولية و أقصد شمولية الفكر الشيوعي فانتم بفكركم المتمحور حول شمولية الشيوعية خصم على ثورة ديسمبر لأن شعارها حرية سلام و عدالة و شتان ما بين نظم الحكم التي تنشد الحرية و نظم الحكم الشمولي كما رأينا الشيوعية البغيضة.
و أنتم قد سمعتم شعار الشعب حرية و لم يقول الشعب شمولية فيجب الا يقودكم فهمكم المغلوط كما اوردكم موارد الهلاك لفهم المثقف العضوي أن تعتقدوا أن الشعب بشعاره حرية يقصد الشمولية و هيهات حرية تعني حرية الفكر السياسي و حرية الاقتصاد و ليست شمولية الشيوعية و من هنا يجب ان تبعدوا عن طريق ثورة ديسمبر و قد رأينا فهمكم الخاطي لفكرة المثقف العضوي قد أوردكم موارد الهلاك فلا توردوا الثورة السودانية موارد الهلاك بشيوعية قد عافتها النفس الانسانية و شعار ثورة ديسمبر حرية و ليس شمولية.
هذا المقال فكرته مستمدة من مقال قد كتبته قبل خمسة سنوات و قد أضفت عليه فقط ما يعكس حال واقعنا الآن بسبب نخب عاجزة لم تستطيع تقديم شخصية تاريخية كما تفعل الشعوب فهاهم أتباع أحزاب الطائفية و و أتباع الايديولوجية المتحجرة من نسخة الشيوعية السودانية يتخفون تحت لافتات أحزاب أكل عليها الدهر و شرب و عجزت ان تقدم شخصية تاريخية تجسر ما بيننا و العالم المعاصر كما خرج روزفلت ذات يوم و اخرج الشعب الامريكي من الكساد الاقتصادي العظيم.
في لقاء مع كينز قال عندما قابل روزفلت قد وجده يكاد يكون متشبع بفكر يعرف أن يواجه به الكساد الاقتصادي العظيم فهل عجزت النخب السودانية في أن تقدم شخصية تاريخية تقود مثلما تقدم مانديلا و قاد الى انهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا فغياب شخصية تاريخية من بين النخب السودانية لأنهم إرتضوا أن يكونوا ذات يوم أتباع للامام و المرشد و مولانا و استاذ الحزب الشيوعي السوداني و من يرضى بالامام و المرشد و مولانا و الاستاذ لا يمكن أن تطول قامته و يصبح شخصية تاريخية و لهذا ما زال الشيوعيين يتخذون من لجان المقاومة قناع يتخفون خلفه لأنهم عجزوا ان يقدّموا مفكر يتحدث بلغة عالمنا المعاصر.
الشعب ما زال متقدم على النخب الفاشلة و ما زالت الثورة شعلتها وعي الشباب الذي سينتصر لفكرة الفرد و العقل و الحرية. الغائب هو أن تقدم النخب شخصية تاريخية تقود الشعب السوداني ليلحق بمواكب البشرية و يحقق تقدم و إزدهار مادي و لكن لا يكون ذلك بغير طريق الحرية مجسدة طريق التاريخ الطبيعي للانسان كتجسيد للانسان التاريخي و الانسانية التاريخية. و لا يكون ذلك بغير الانتصار للفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و عبره يمكن تعبيد طريق معادلة الحرية و العدالة في انتصارها للفرد و العقل و الحرية.
و عندما نتحدث عن الحرية قطعا لا نعني شمولية الشيوعية و عندما نتحدث عن العدالة فأنها تبدأ بالضمان الاجتماعي للفرد في حقه الطبيعي لتحقيق حقه في الاستمرارية مع حفظ كرامته كما في فلسفة توماس بين و ليست في ماركسية ماركس التي لا تخدع غير المثقف المنخدع لأن ماركسية ماركس لا تنظر للفرد كغاية وفقا للظواهر الاجتماعية لأنه يطلب قيمة القيم أي الحرية.
و لهذا نقول للشعب السوداني أن أتباع النسخة المتحجرة من الشيوعية السودانية لا علاقة لهم بروح ثورة ديسمبر فانهم عبدة نصوص و يعتقدون في نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي و يمكن استخدام ثورة ديسمبر وسيلة لغاية يتوهمونها و هي نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي لذلك هم خطر على ثورة ديسمبر التي تهتم بالانسان كغاية أما في ماركسية ماركس يمكن اعتبار الانسان وسيلة لذلك كانت الشيوعية نظام شمولي بغيض لا تختلف عن النازية و الفاشية في بشاعتيهما و لم يستوعب الشيوعيون السودانيين بان بدلا من فكرة نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي قد إفترض الفلاسفة و علماء الاجتماع و المؤرخيين أخلاقية و عقلانية الفرد و بالتالي أن مسيرة الانسانية منفتحة على اللا نهاية.

taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////

 

آراء