من وراء صراع الجيش والدعم السريع

 


 

 

أن تخلف حضور رئيس مجلس السيادة و القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن حضور الجلسة الختامية لورشة ( إصلاح الأجهزة الأمنية) و بقية مناديب القوات المسلحة إلي جانب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو تطرح أسئلة عديدة حول مستقبل المشروع السياسي المتعلق ب ( الاتفاق الإطاري) خاصة أن القوات المسلحة لم تعلق على الأسباب التي منعت ممثليها حضور الجلسة الختامية للورشة، و كذلك لم تعلق قوات الدعم السريع على الأسباب التي منعت حضور قائد قوات الدعم السريع للورشة. الأمر الذي يؤكد أن المشروع يواجه تحديات عديدة، إذا كانت هذه التحديات بسبب خلافات الرؤى حول المشروع، أو الحساسية التي ظهرت بين الجيش و الدعم السريع. أن التصريحات المضادة بين القائد العام للجيش و بين قائد قوات الدعم السريع، و التي كانت قد بدأت منذ توقيع الاتفاق الإطاري، تؤكد أن الدعم السريع رغم أن قيادته قد أعلنت أنها مع عملية إدماج قداتها في الجيش، لكنها تريد هذا الدمج و الفترة التي يتطلبها تكون حسب رؤيتها. فهي لا تريد أن تكون هناك مؤسسة هي الأصل و لها رؤيتها في عملية الدمج حسب قوانينها. و الأخرى مؤسسة تكونت لظرف أمني خاص حسب تقديرات النظام السابق و يجب أن تحل بإنتهاء هذا الظرف، خاصة أن القوات أصبحت لها مصالح اقتصادية مرتبطة بدورها في السلطة.
و إذا رجعنا إلي عدد من التصريحات التي كانت قد أثارت غبارا كثيفا في وقتها، و ربطنا هذه التصريحات مع بعضها البعض. نجد أن الخلافات التي بدأت تظهر بين الجيش و الدعم السريع ليست خلافات تحدث بسبب خلاف الرؤية حول قضية بعينها، و لكن خلاف مرتب له سياسيا، و مصنوع لكي يحدث هذا الخلاف. إذا ما هي التصريحات التي أثارت غبارا كثيفا لها علاقة بالخلاف الذي حدث بين البرهان و حميدتي؟
أن تصريح ياسر عرمان في ندوة ( الحرية المركزي) الذي قال فيه: أن إصلاح المؤسسات العسكرية يجب أن يؤسس على أن تكون قوات الدعم السريع هي نواة للقوات المسلحة في المستقبل، أي أن يحل الجيش و تبدأ عملية التأسيس أعتمادا على قوات الدعم السريع، باعتبار أن الجيش تسيطر عليه قيادات تابعة للنظام السابق، و تأتمر بعقيدة للجماعة الإسلامية التي كانت حاكمة. و في منبر أخر في شرق النيل: قال محمد حمدان قائد قوات الدعم السريع أن أحد قيادات الحرية و التغيير قال له أن الفترة الانتقالية يجب أن تستمر عشر سنوات، رغم أن حميدتي قالها نقدا للذين قالوها، لكن حميدتي نفسه خزنها في ذاكرته لأنها تعبر عن مصالح و رغبات مضمرة، و الآن الدعم السريع يراهن على العشر سنوات.
الغريب في الأمر أن مقولة ياسر عرمان كانت على منبر ندوة نظمتها (الحرية المركزي) و كان عليها أن توضح إذا كان حديث ياسر عرمان يعبر عنها أم هي رؤية شخصية، و هي غير مسؤولة عنها، و لكن الحرية المركزي تجاهلت ذلك مما يؤكد أن مقولة عرمان يعبر عن رؤية تؤمن بها القوى في ( الحرية المركزي) و عندما تم التوقيع على الاتفاق الإطاري و بدأ الحديث حول عملية الدمج و مواقيت لهذا الدمج، انتقلت القضية من الحديث العام إلي الحديث الجاد حول عملية الدمج. و خاصة أن القائد العام للجيش الفريق أول البرهان قال يجب أن تكون هناك مواقيت محددة و معروفة لعملية الدمج. ثم جاء بيان الفريق أول حميدتي الذي كان قد تلاه في رئاسة قوات الدعم السريع قال فيه " أن الاتفاق الاطاري الذي وقعته قوى سياسية مع العسكريين في ديسمبر الماضي وضع جداول زمنية، و نحن ملتزمون بالاندماج في الجيش وفقا لهذه الجداول. و لن نسمح لعناصر النظام البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة و الدعم السريع، و أقول لهم أنكم لن تستطيعوا بلوغ ذلك أبدا. و قال أن الاتفاق الإطاري هو المخرج الوحيد. لكن يصبح السؤال هل حميدتي و كل قيادات الدعم السريع لا يعلمون أن الإدماج يجب أن يكون في فترة السنتين أي نهاية الفترة الانتقالية التي سوف تعقبها الانتخابات؟ و حسب ما كانت تكرر جميع قيادات ( الحرية المركزي) يجب أن تتم الانتخابات بعد إكمال جميع عمليات دمج القوات العسكرية في الجيش، و أن يكون هناك جيشا واحدا حتى لا تتأثر الانتخابات بعمليات إجبار الناخبين من قبل القوات العسكرية للحركات و الدعم السريع. إذا لماذا تقبل الآن أن يستمر الدعم السريع حتى بعد الفترة الانتقالية؟ أم أن الدعوة أن الحرية المركزي سوف يدخل الانتخابات بقائمة واحدة يحتاج لقوى عسكرية ترتب نجاح هذه القائمة؟
لكن في ورشة الإصلاح بدأت تظهر مقولة ياسر عرمان الدعم السريع نواة لجيش المستقبل، و مطلب أحد قيادات الحرية المركزي أن تستمر الفترة الانتقالية عشر سنوات. و هذا قد ظهر من تصريحات قيادات الدعم السريع، أن عملية الدمج ربما تستمر عشر سنوات. ثم جاء تصريح فوكلر في الورشة بالقول أن عملية دمج الدعم السريع في الجيش ربما تأخذ خمس سنوات. و هذا تأكيد إلي إطالة الفترة الانتقالية. حتى إذا كان منصوص عليها في وثيقة الدستور 24 شهرا، أن القوى السياسية لن تلتزم بها، كما فعلت في الثلاث سنوات السابقة حيث تجاوزت كل ما كان منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، لم تكون المجلس التشريعي و لا المؤسسات المنصوص عليها في الوثيقة. و دلالة على أنها تريد إطالة الفترة الانتقالية، الخلاف الذي ظهر في ورشة الإصلاح العسكري، و الإصرار على أن لا تكون هناك مواقيت محددة و معلومة لعملية الدمج.
أن التحالف الذي بدأ يتكشف الآن بين الحرية المركزي و الدعم السريع الذي استوعبت قياداته رسالة ياسر عرمان أخيرا، و هم بالفعل في حاجة لاستمرار الدعم السريع للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية التي هي خارج رقابة الدولة، و مواقعهم الوظيفية. لذلك هل موافقين أن يكونوا اليد الباطشة لحكومة الفترة الانتقالية ضد كل المعارضين لها في حال ابتعد العسكر عن الساحة السياسية؟ أن الصراع السياسي الدائر الآن قبل تشكيل الحكومة سوف يكون له انعكاسات على العملية السياسية حتى إذا استطاعت الحرية المركزي أن تكمل العملية حسب المواقيت التي حددت لها. و تؤثر سلبا على عملية التحول الديمقراطي، خاصة أن الحرية المركزي ليس لها قاعدة اجتماعية عريضة و فقدت مناصرة الشارع، و هي في حاجة لقوة تستطيع أن تتكيء عليها لذلك كان رهان ياسر عرمان على قوات الدعم السريع، أن تكون هي الضامن لبقاء السلطة. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء