من يخبئ المحافير عن حكومة السودان؟

 


 

 

 

جمال عنقرة

 

          يشتهر في السودان مثل شائع يقول نصه (جاءوا يعينونه علي دفن أبيه خبأ المحافير) وهذا المثل الشعبي السوداني يقال في حالة نهوض شخص ما لتقديم مساعدة لآخر فيضع هذا الآخر العراقيل في طريقه. ولم أجد أصدق وصفاً من هذا المثل لعرقلة بعض الحكوميين السودانيين لمؤتمر تفويض دارفور الذي دعت له مؤسسة رجل الأعمال السوداني الأصل البريطاني الجنسية الدكتور محمد فتحي إبراهيم التي تحمل اسم (Mo Ibrahim Foundation  ). ولكن إمعاناً في حسن الظن لم أنسب تخبئة المحافير للحكومة، وقلت إنها خبئت عنها. ذلك أنه لا توجد حكومة راشدة تعمل علي عرقلة أعمال في صالحها، والظن عندي أن حكومتنا السودانية راشدة بلا شك. ويدعم ظني هذا أعمال جليلة أقدمت عليها لا يفعلها إلا الراشدون، أولها توقيعها اتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية وإفساحها المجال للذين كانوا يقاتلونها بالسلاح والكلمة ليشاركونها مقاعد الحكم. ويدعم ظني أيضاً ما تقوم به الآن من خطوات جادة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لتهيئ البلاد للإستفتاء المرتقب في العام 2011م علي الوحدة والانفصال في الجنوب، من أجل إقرار الوحدة الطوعية لغلق ملف الحديث عن انفصال الجنوب عن الشمال إلي الأبد.

 

          وما دامت الحكومة تقوم بكل هذه الأعمال الراشدة العظيمة التي تضعها في خانة الحكومات الراشدة، فلا بد أنه يوجد من بين منسوبيها من يفعل غير ذلك. والمؤتمر الذي تم منع المدعوين له من السودان من مغادرة البلاد كان من الممكن أن يقدم دعماً كبيراً لمساعي الحل السلمي لقضية دارفور والتي تقودها حكومتنا الرشيدة. ومثل السيد (مو) يستحق أن تحتفي به بلده مثلما تفعل كل الدول مع أبنائها النابغين. ولكن الذي يحدث معه يكون دائماً عكس ذلك. ولقد وجدت كثيرين لم يكونوا يعرفون أن الشريك الأجنبي (M.F.I ) في شركة موبتيل قبل بيعها الأخير هو ذاته محمد فتحي إبراهيم السوداني الأصل الذي كان يستحق الإحترام والتقدير من وطنه، ولكن البعض ظل يصر علي تسميته (الشريك الأجنبي) لمجرد حمله جنسية بريطانية مثله مثل بعض الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية الذين فاخر بهم في يوم من الأيام سفير بريطانيا في السودان حين قال أن 25% من الوزراء من منسوبي دولتهم العظمي. وكنت أتمني أن تعامله الحكومة السودانية كما تعامل الحكومة المصرية أبناءها الذين نبغوا وعلا صوتهم وصاروا نجوماً عالميين أمثال فاروق الباز وأحمد زويل ومحمد الفايد ومجدي يعقوب وغيرهم من الذين تصر مصر علي إبراز مصريتهم رغم حملهم لجنسيات دول أخري. مثلهم مثل السيد محمد فتحي إبراهيم

 

          والمؤتمر الذي دعت له مؤسسة مو كان يحاول أن يستنبط الحل المرتقب من القواعد وهذا ما تحتاجه قضية دارفور وننقل هنا بعضاً مما جاء في بيان المؤسسة بشأن المؤتمر (أن مؤتمر تفويض دارفور كان من المقرر له أجتماع ممثلين حقيقيين  من الخلفيات الجغرافية والعرقية الدينية والسياسية   بما فيها القيادات التقليدية الشبابية والمرأة  . ومنذ بدأ هذه العملية سعينا للعمل مع الحكومة السودانية والحركات المسلحة   وقطاعات عريضة من المجتمع المدني والمجتمع الدولي لبناء تحالف غير مسبوق لدعم هذه المبادرة بمن فيهم الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ، ومنظمة الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوروبي ومجموعة كبيرة من الزعماء الافارقة السابقين لايجاد وسيلة للمضي قدما في عملية السلام.)

 

          ووقفتنا مع عرقلة المؤتمر ليست للمؤتمر وحده فحسب ولكنها أيضاً للفت النظر لعرقلة كثير من مساعي الحل السلمي لمشكلة دارفور. وأشير هنا لواقعة واحدة أرجو أن يتذكرها الناس، فعندما ذهب الدكتور نافع علي نافع للحوار مع حركة العدل والمساواة في الدوحة وأوشك أن يصل الحوار إلي مبتغاه، كانت بعض صحف الخرطوم تعارض الحوار وتكتب (نافع ارجع بأمر الشعب) ذلك في الوقت الذي كان يتمني فيه كل الشعب تحقيق السلام. وعندما اتفق الجانبان علي كل شيئ كان العائق هو رفض تبادل الأسري. فمن يعرقل مسير السلام في السودان ويخبئ المحافير عن الحكومة.

 جريدة الأخبار المصرية الثلاثاء 12/5/2009م 

 

آراء