من يخلف رئيس الوزراء؟

 


 

 

الدكتور عبد الله ادم حمدوك رئيس وزراء حكومة ثورة ديسمبر الانتقالية، رجل حصد الملايين من الاصوات الشعبية التلقائية قبل الاتفاق السياسي الذي ابرمه مع رئيس المجلس السيادي، بعد الانقلاب الذي قاده الاخير في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، فباتفاق الرجلين انخفض مستوى شعبية رئيس الوزراء المتهم بخزلان الثورة وبيع قضية الثوار والتماهي مع العسكر، وبحسب قراءات العديد من المحللين أن هذا الاتفاق الانفرادي جاء بتدبير وترتيب من منظري المجموعة العسكرية الموالية للنظام البائد، حتى تتمكن من عزله عن محيط التأييد الشعبي الكبير الذي حظي به، ومن ثم تنقض عليه منفرداً دون أن يكون له بواكي من القوى السياسية الحاضنة، لقد نجح العسكريون الى حد ما في الاستفراد برئيس الوزراء ووضعه في موقف لا يحسده عليه الحاسدون، فساحة المعارك السياسية تحتاج الى الحلفاء وليس الى الرجل الخارق، لأن معتركاتها لا تعترف بهذه الرؤية الافلاطونية، وهذه المرحلة المنغلقة الافق التي وصل لها الدكتور حمدوك هي نتاج طبيعي للفشل الذي لازم الطبقة السياسية منذ فجر الاستقلال.
الموظف الاممي الذي جازف بمنصبه الكبير في المنظمة الدولية خدمةً لشعبه الثائر، فتح مغاليق الابواب المالية والبنكية العالمية المغلقة برغم قصر الفترة التي قضاها بالكرسي، ورغم المضايقات والمماطلات والعراقيل المصطنعة من الشريكين المتشاكسين – العسكر والمدنيين - والتي اعترضت طريقه مرات كثيرة ولكنه لم يتعثر، وسوف تكون المقارنة صعبة لو خلفه رجل اقل هامة واضعف قبولاً محلياً ودولياً واقليمياً، فلو لم ينجز رئيس الوزراء المستاء غير رفع اسم البلاد من قوائم الحظر والعقوبات في مدى السنتين لكفاه ما فعل، لأن تلك المهمة كانت دافع لاهدار اموال وطاقات طواقم الحكومة البائدة، وقد رصد النظام المندحر من اجل حلها الجهد الدبلوماسي والمالي والارهابي لكنه عجز، وكانت تلك العقوبات قاصمة الظهر للحكومة الدكتاتورية التي لم تشهد البلاد مثيلاً لها، فتركة هذا الشخص ستكون عظيمة وعصيّة على الذين يستعجلون استلام وتسلم حقيبة هذا الوزير الأول، وسيقع المهللون لسماع خبر استقالته في فخ صعوبة الحصول على شخصية، يرضى عنها الثوار الفائضة امواجهم على جنبات النيلين الابيض والازرق.
الظروف الحالية غير مواتية لقيام انتخابات عامة بالبلاد، لأن الحاجة لوجود حكومة انتقالية تضع اللبنات الأسساية لتكوين المفوضيات التي من شأنها ترتيب البيت السوداني، لخوض غمار معارك انتخاب حر وشفّاف وديمقراطي، حاجة ملحة وعاجلة وضرورية، فعملية اجراء التعداد السكاني ومراجعة قانون الجنسية والاقامة بحاجة لتكوين هذه المفوضيات، هذا فضلاً عن إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو الذي كرّس لدولة الحزب الواحد، فاذا لم يتم التفكيك الكامل لمؤسسات النظام البائد واخضاع امبراطوريات المال الطفيلي، الناشئة في ذلك العهد الغيهب للمراجعة والمحاسبة و توحيد قنوات التحصيل الايرادي، وضبط الميزان التجاري بلجم بؤر فساد الصادر وتحويل تدفقاته النقدية لخزينة البنك المركزي مباشرة، ان لم يحدث كل هذا، لن تكون هنالك انتخابات حرة ونزيهة وشفّافة ومراقبة دولياً، واذا ذهب الظالمون في غيهم وارادوها انتخابات (مكلفتة) فليبشروا بغضب عارم من الحركة الجماهيرية المتأهبة لكل الاحتمالات، وليبحث السياديون عن حل آخر غير هذه المغامرة المعلومة العواقب.
الاستقالة التي ظل يلوح بها رئيس الوزراء بعد اتفاقه مع رئيس المجلس السيادي، ستصل مرحلة التنحي الكامل للسيد عبد الله حمدوك عن مسؤوليته في قيادة حكومة الانتقال، وبذلك يكون قد حفظ ماء وجهه كثاني رئيس حكومة بعد المشير الراحل سوار الذهب يتنازل طواعية واختياراً عن المنصب، رغم حبه الوحشي للوطن، فالبلاد في احلك الظروف واشد الحاجة لرمز وطني وتوافقي يقود سفينة الانتقال بين هذه الامواج العاتية والمتلاطمة، مشكلات البلاد معقّدة ومتداخلة وتكالب الانتهازيين والوصوليين ابرز سمات هذا التعقيد، هنالك سلوك فاسد للحاكم ومفسد للرعية رسّخت له خطط وبرامج الحزب المحلول، بحرف قنوات تدفق المال العام وجعله دولة بين الاغنياء من الحاكمين اصحاب السطوة والنفوذ، الجرم الذي جعل مال الدولة سائب بين خزانات التجنيب المتمردة على سلطة الخزينة المركزية، اضف لذلك صناعة جيوش موازية للمؤسسة العسكرية، لكل هذا وذاك لن يستطيع رئيس الوزراء المهيض الجناح اعادة ضبط مؤسسات الدولة.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء