من يوميات طبيب سودانى ..!!

 


 

 


مناظير
drzoheirali@yahoo.com


* ذات صباح يومٍ صيفى قائظ إستيقظت وأنا أعاند نفسي وأتحايل عليها لعَليِّ أجد لحظات أخرى كشوط إضافي للنوم... فجأة رنّ هاتفي معلناً عدم رضاه عن محاولاتي للعودة للنوم ، فاضطررت للاجابة وأنا ألعن في قرارة نفسي اليوم الذي إمتلكت فيه الجوال وعلقته في رقبتي كجرس البهيمة أينما أذهب يدركني الآخرون...!!

* كان في الطرف الآخر أحد زملائى بالمستشفى الذى اعمل فيه ليخبرني و يبشرني بأنّ الأدوية قاربت على الإنتهاء وعليّ أن أذهب لمقر الإدارة بالخرطوم بحري للبدء في إجراءات الطلبية الجديدة.

* حملت الأوراق المطلوبة و تحركت للإدارة في بحري مستغلاً أسوأ وسائل المواصلات (حافلات عمر المختار) حيث ما أن تقترب من الحافلة حتى تسمع أوركسترا موسيقية مزعجة صادرة من المحرك و تفاجأ بأن ذاك الهيكل الصفيحي الهرم يهتز طربا ً و يرقص على أنغام المحرك ... و يبدع سائق الحافلة و يضفى لمساته المميزة و يشغل المسجل و ينسل صوت أجش لفنان ليته كان أبكماً و أراحنا !!

* بعد أن ركبت الحافلة وجلست على مقعد ظننت في البدء أنه مريح فوجئت بأنني إعتديت دون قصدٍ على المرأة الجالسة أمامي فحاولت أن أغيّر وضعية جلوسي ولكن وجدت نفسي قد تعديت على الفتاة الجالسة بقربي، فتوكلت على ربى وتكومت حتى لم اعد قادرا على التنفس ..!!

* تحركت الحافلة و أنا أحاول قدر الإمكان أن أظل على قيد الحياة ، وبعد قليل شعرت بتيار هوائي حار جدا صادر من الأسفل، إلتفت فوجدت أنّ أرضية الحافلة ما هي إلا خشب (موسانايت) متهالك فانتفضت بحركة عصبية و جرحت ساعدي بالإطار الحديدي للشباك و كتمت غيظي و صبرت.

* توقفت الحافلة عدة مرات ونزل ركاب و صعد آخرون وشاء القدر أن يجلس بجانبي شاب يبدو على محياه الإحترام والتحضر ولكن خذلني في آخر لحظة فقد أخرج كيس التسالي والفول السوداني و صار يبصق فيني بقاياه و أنا أنفضها. وجلس بخلفي آخر، وما أن جلس حتى صدح بصوته ليس مغنيا وإنما متحدثا بالهاتف .

* بعد فترة وجيزة وصلت لمقر الإدارة فحمدت ربي، وبينما أنا أحاول الخروج من الحافلة فإذا بمقعد الوسط يتمسك ببنطالي ويهتكه ويجرج ساقي، وبعد ذلك وبدأت جرد الإصابات و حصرها ، وإتضح أنّ بنطالي ما عاد يصلح إلا لغسل السيارات ..!!

* فكرت قليلاً فوجدت أنه من العار أن أدخل و أقابل زملائي وزميلاتي بهذا المنظر فلن يصدقوا أن ما حدث لي حدث في الحافلة ... فقد كانت ثيابي متربة ومتهتكة وملطخة بالدماء ومرصعة ببقايا التسالي و الفول السوداني ولكم أن تتخيلوا المنظر، لذا عدت إلى منزلي مجرجراً كرامتي وأنا لا أري أمامي فقد إحتقنت غيظا ً و تشبعت غما ،ً وما ان رأتنى والدتى حتى باغتتني يسؤال (الحصل شنو ،سكاك كلب ؟!) إبتسمت وقلت لها :
لا ... بل ركبت مواصلات عمر المختار...!!

د. خالد محمود السيد

الاخبار، 8 يونيو 2011

 

آراء