melmekki@aol.com
October 3, 2013
قبل عام او يزيد نشرتُ في سودانايل الغراء مقالا * حللت فيه ظاهرة خروج الثوار صفر اليدين من ثورات الربيع العربي وعدم قدرتهم على المنافسة السياسية في الانتخابات او لجان التسيير التي ظهرت للوجود بفضل تلك الثورات ولكن ريعها ذهب بالكامل الى غرمائهم السياسيين وعزوت ذلك الى عدة عوامل أهمها عدم انتظام الثوارالحقيقيين في تنظيم سياسي جماهيري .وفي النتائج التي عرضتها على القراء الكرام كنت استوحي قراءاتي في التاريخ الحديث وتجربتي الشخصية كشاهد عيان على ثورة اكتوبر1964 إذ أنه ليس معروفا على وجه التمام ما تعرضت له تلك الثورة من اختطاف ونكسة واسعة حولت الثوار الحقيقيين الى ايتام في مأدبة اللئام.
فقد خرج علينا قدامى السياسيين ورجالات الاحزاب التقليدية والمتأسلمون بكامل قضهم وقضيضهم فانكروا علينا كل شيء..ادعوا الثورة لآنفسهم وادعوا ان شهيد الثورة الاول (القرشي) هو احد كوادرهم ونسبوا الى انفسهم كل بطولات الثورةوامجادها ولم يترددوا في طردنا من الشوارع حين جاء انصارهم على ظهور التايوتات وبصقوا على وجوهنا ونسبونا الى الكفر والشيوعية والالحاد.ومن بعد ذلك استفردوا بجسد الثورة
القتيلة وتنازعوا ميراثها الضخم وظلوا في نزاعهم وعبثهم حتى سلط الله عليهم النميري فغنم منهم كل ما استأثروا به من المغانم والاسلاب. وأرى اليوم ان ثورة سبتمبر 2013 معرضة لنفس المصير وانه من السهل اختطافها وطرد شبابها من كل مساحات الفعالية والتأثير.
قدمت في تلك المقالة عددا من البدائل المفتوحة امام الشباب يمكن حصرها على الوجه التالي:
- إنشاء حزب شبابي جديد يجمع اشتات الشباب المناضل ويتحدث باسمهم
- الانتماء للاحزاب الصغيرة حداثية الروح وتطويرها الى احزاب قوية التأثير
- التكتل في احزابهم التقليدية القديمة وتكوين اجنحة تقدمية داخلها تتحدث باسمهم.
لقد اسلفت ان نشر ذلك المقال كان منذ قرابة العام وكنا نظن وقتها ان امامنا فسحة من الوقت لانجاز شيء من تلك
الخيارات ولكن حكومتنا السنية أطلقت الثورة من عقالها بقراراتها الاقتصادية المجحفة فهبت ثورة سبتمبر قبل ان تكتمل الاستعدادات في ذلك المجال وهي استعدادات لا غنى عنها لكل من يرغب في التغيير ورؤية السودان والسودانيين ينطلقون مرة اخرى لاشعال الحقول بالقمح والوعد والتمني.
الوقت امامنا ضيق وقدراتنا الذاتية (وكذلك رغائبنا)لا تسمح بالانتظار.فقد بدأ فعل الثورة المبارك ولاسبيل الى لجمه قبل الفراغ من هذه الموقعة الفاصلة بيننا وبين قوى الظلام.ولكنني أعتقد بامكانية طريق قصير لتحقيق نفس الاهداف وبصورة قانونية لا تنطوي على اي نوع من الاجحاف نحو أي من المشاركين في الثورة.ودون تطويل اقول ان ذلك يكون عن طريق ميثاق عام يكون اساسا لدستور البلاد القادم على ان يكون مصحوبا ببرنامج عمل يفصل خريطة الطريق الذي تنوي الثورة والثوار انتهاجها نحو القضايا السياسية العاجلة التي خلقها واشعل نيرانها الانقلابيون المبادون.
ميثاق وبرنامج يكملان بعضهما بعضا ويحددان الخطوات الاولى للديموقراطية الرابعة…يحتوي الميثاق على المبادئ الدستورية العامة التي ستقود الديموقراطية القادمة كالالتزام بالديموقراطية وإلغاء تراخيص الاحزاب التي تعاديها او تتنكر لها والتحوط ضد اي عودة للدكتاتورية عن طريق اجهزة سرية وعلنية عالية الفعالية لتخليص القوات المسلحة من الجرثومة الانقلابية ومنها ايضا تقوية اجهزة الرقابةالبرلمانية على الحكومة وتخويلها سلطات التدخل والاعتراض والايقاف الفوري لاي تدابير يشتم منها رائحة الفساد.**
ويحتوي البرنامج على الخطوات التمهيدية لحل المشاكل الموروثة من الثور الذي انطلق في مستودع خزفنا طيلة ربع القرن الماضي.والمراد بذلك الشروع المباشر السريع في رفع المظالم الرهيبة التي تعرضت لها شعوبنا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وهي حلول لايمكن ان تتم في عام او عامين وتستلزم خططا طويلة المدى لتعويض الخسائر وتحقيق التنمية والاسراع بخطى التقدم في تلك الاجزاء العزيزة من الوطن.وتضمينها في برنامج الثورة يعني إلزام الحكومات القادمة(كائنة ما كانت) بالعمل على ضوء تلك البرامج وعدم تعديلها الا بموافقة برلمانية مشددة.وبالمثل لابد ان يحتوي البرنامج على اولويات للاصلاح الصحي والتعليمي ومبادرات تنموية بشأن الزراعة ومشروع الجزيرة بالذات لينهض من عثرته ويعود مستودعا مضمونا لغلال البلاد(كونه لا يخضع لتذبذبا ت الامطار).كما انه لاسبيل لتجاهل الاولويات الحياتية الناشبة في بعض اقاليمنا مثل بناء الطرق التي من شأنها ان تربط دارفور بامدرمان مرورا بكردفان وحل قصايا المياه والعمل على انجاح وتوسيع برامج حصدها.
هوامش:
• يوجد المقال المومى اليه على سودانايل تحت بند الأعمدة باسم هذا الكاتب
**-هذه مجرد امثلة وهنالك حتما ما هو يضارعها في الاهمية او يزيد عنها وكذلك الحال مع امثلة بنود البرنامج
- اذا ظفرت هذه الافكار بالاهتمام المطلوب فربما امكن دراستها من قبل لجان قيادية في الخرطوم ولندن وبلدان الخليج والولايات المتحدة.