ميداليات البقاء في الخرطوم !!

 


 

عدنان زاهر
22 October, 2022

 

التاريخ يقول ان الحصار على الخرطوم و هى تحت قيادة " غردون " المتمترس بها، و قبل سقوطها فى أيدى القوات المهدوية أستمر 320 يوما. بدأ الحصار فى 13 مارس 1884 من قبل القائد المهدوى العبيد ود بدر من جهة قرية العيلفون، و تم الهجوم على الخرطوم من الناحية الشرقية و الشمالية. ثم توالى الحصار على الخرطوم و الهجوم عليها من كافة الجهات، حتى وصول قوات القادة المهدويون الكبار عبد الرحمن النجومى،حمدان ابوعنجة و محمد عثمان أبوقرجة و احكام قبضة الحصار المميت عليها.

كانت آخر و رقة لدى غردون و بارقة أمل أيام ذلك الحصار، هو ارسال القائد " استيورات " الذى يثق به الى القاهرة محملا برسائل تفصيلية عن الوضع فى الخرطوم، لأقناع رؤسائه بارسال قوات عاجلة لمساعدته، و لكن باخرة " البكباشى " استورات جنحت بين مدينة بربر و أبو حمد، و تم قتله مع جميع جنوده من قبل قبيلة المناصير، و الاستيلاء على الرسائل التى كشفت ووضحت وضع غردون المآساوى و البائس !

أيام تلك الحصار الذى جعل سكان المدينة يأكلون حتى الجيف الميته، حاول الجنرال المتعجرف غردون، و هو متمسك بأمل واهن بامكانية أرسال قوات بريطانية لنجدته، بمحاولات متعددة ومتنوعة لرفع الروح المعنوية المنهارة لدى جنوده، والمواطنين الذين تقطعت بهم السبل داخل مدينة الخرطوم.

تمثلت تلك المحاولات اليائسة على الكذب المتواصل على المواطنين و الجنود، بأن هنالك قوات ضخمة قادمة لانقاذ المدينة ، بالاضافة الى ذلك فقد حث فقهاء السلطان على أصدار الفتاوى الدينية التى تحض على الصمود و الطاعة و مساندة السلطة..... و من ثم قام باصدار ميداليات خاصة تحت أسم ( ميداليات حصار الخرطوم ) تمنح للجنود و المواطنين الذين يبدون شجاعة متميزة !!

تداعت بذهنى وقائع كل تلك الصور التاريخية، وخرطوم اليوم تتشظى بعد عام من انقلاب البرهان كما أصبحت مدينة طاردة، و هو يتشبث بالحكم بناء على " حلم " لوالده و امكانية وجود خروج آمن له فى المستقبل!.....

الظروف الأقتصادية تمسك بخناق كل الوطن من كل جانب،أصبح المواطنون يعيشون على و جبة متواضعة واحدة فى اليوم اذا توفرت لهم، انعدم و عز العلاج و لجأ الناس للمداوة بالطب البلدى غير المكلف، الذى جعل عيادات الأطباء الخاصة خالية من الزوار المرضى........وبعد " موضة " الهوس والهرولة نحو المدارس الخاصة المنتشرة فى كل مكان كصوالين التجميل " الكوافير "، بدأ الناس فى اخراج ابناءهم منها، و ارسالهم للمدارس الحكومية لأنهم لا يستطيعون دفع رسومها المرتفعة.

المواصلات الآن متوفرة بالخرطوم و لكن لا أحد يستطيع ركوبها أو التعامل معها، فهى غالية الثمن و التكلفة......كما أصبح فى الخرطوم خمس جيوش بالاضافة الى القوات الأمنية الأخرى . هنالك جيش " البرهان " قائد الأنقلاب و هو جيش الدولة الرسمى، جيش الفريق حميدتى ، جيش منى أركوى حاكم دارفور ، جيش وزير المالية جبريل و من ثم جيش ( تسعة طويلة ) !!

مع كل تلك الجيوش المتمركزة فى أرجاء العاصمة انعدم الأمن و استحال خروج الناس ليلا الى الشوارع ، و انقطعت الزيارت بين الناس الا للضرورة أو الحاجة الماسة. امام تلك الظروف القاهرة و استحالة العيش، بدأ الكثيرون من الناس فى بيع ما يملكون و مغادرة الخرطوم الى قاهرة المعز.....تم بيع المنازل....الأراضى ....العربات و حتى الأثاث المنزلى فى رحلة فى اتجاه واحد بلا علم ما سوف يحدث مستقبلا فى البلد المهاجر اليه !!

فى اعتقادى أن الأنقلابيين عجزوا عن الحكم و لم يستطيعوا طوال فترة عام من تكوين حكومة، و هم يحلمون كما فعل " غردون " فى ابرام " تسوية "، تعمل على استمرار حكمهم كما تمنع عنهم المساءلة مستقبلا.

فى تقديرى أيضا لم يتبقى أمام البرهان غير صك ميداليات خاصة للمواطنين بأسم ( ميداليات البقاء فى الخرطوم ) !..... كما فعل غردون لخداع الناس و منعهم من الهجرة و الصبر عليه، .......بالطبع ذلك الاجراء قد يعطيه " فرقة " من الوقت، و لكن لا بد من ذهاب نظامه و اندثاره كما حدث لحكم غردون ( باشا ) و بأمر الشعب.... .... .... أحداث التاريخ تؤكد و تقول ان الطغاة دوما الى سقوط و زوال !

عدنان زاهر

elsadati2008@gmail.com

 

آراء