“ميديوم”: رمضان أمريكا: الحرب ضد شهوة الطعام

 


 

 

واشنطن: محمد علي صالح
فى الأسبوع الأول من صيام شهر رمضان المبارك، وانا اتوقع تخفيض وزنى خمسة ارطال، مثلما فى كل رمضان، نشرت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا طويلا عن شركات الأدوية الغربية التي تتنافس في صنع وبيع أدوية جديدة تخفض شهوة الاكل، وتخفض الوزن.
اولا، فوجئت بالأرباح الخيالية التي ستحققها هذه الشركات. حسب "إيكونوميست": "فى سنة 2030، ربما تصل المبيعات السنوية لأدوية تخفيض الوزن إلى 80 مليار دولارا."
ثانيا، شعرت بالحزن بسبب ارتفاع أسعار تلك الأدوية: "تقريبا 16,000 دولار كل سنة."
وكما قالت "ايكونوميست": "يجب ان تكون سمينا غنيا لتخفيض وزنك."
ثم قرأت تقارير عن أغنياء ومشاهير فقدوا مئات الارطال من اوزانهم بعد استخدامهم هذه الادوية:
-- قال إيلون ماسك، صاحب موقع "اكس" ("تويتر" سابقا)، وواحد من أغنى الرجال في العالم، بأن الدواء ساعده فى تخفيض وزنه.
-- قالت كيم كارداشيان، نجمة التلفزيون الواقعى، أنها خفضت وزنها، وصارت قادرة على ارتداء واحد من فساتين الممثلة الراحلة مارلين مونرو.
-- تمتلئ مواقع مثل "تيك توك" و "انستاغرام" و "فيسبوك" بصور نساء قبل وبعد تناولهن حبوب تخفيض الوزن هذه.
قلت لنفسى: "سأصوم رمضان، اذا ليس لاى سبب اخر، لانى ساوفر المال الذي كنت سأشتري به هذه الادوية الغالية الثمن.
بعد نهاية شهر رمضان الماضي، زرت طبيبتى، وعرفت ان وزني انخفض تلك الارطال الخمسة. وان ضغط الدم، وسكر الدم، انخفضا كثيرا.
الطبيبة كبيرة في السن، ووقورة، لكنها ضحكت، وقالت: "اقترح ان تواصل صوم رمضان."
وعندما سألتها عن دور الدين، تحاشت إجابة مباشرة. وقالت: "الصحة بينك وبينى. لكن الدين بينك وبين ربك."
وكررت جملة بسيطة: "الوزن القليل بالاكل القليل."
اعتقد ان الموضوع ليس تقليل شهوة الاكل، كما تفعل الادوية الجديدة. ولكن، استمرار الشهوة، ومواجهتها بالتصميم، وتحمل الجوع.
استيقظ الساعة الخامسة صباحا. وتناول السحور قبل شروق الشمس بساعتين. وهو وجبة كبيرة، فيها لحم كثير، حتى اضمن ان بطنى ستكون ممتلئة خلال اليوم. وايضا، خضروات، وفاكهة، وفنجان قهوة، وحلوى شوكولاته. ثم الادوية، مع الدعاء لله بالشفاء.
فى واشنطن، في هذا الوقت من السنة، تشرق الشمس تقريبا الساعة 7:15. وتغرب تقريبا الساعة 7:15. ويبدأ الفجر تقريبا الساعة 5:15.
لأن السحور قبل طلوع الشمس بساعتين، أصوم 14 ساعة تقريبا. هذا أفضل من رمضان واشنطن فى منتصف الصيف. عندما تشرق الشمس تقريبا الساعة 6:00، وتغرب تقريبا الساعة 8:30. ومع السحور قبل تقريبا الساعة 4:00، أصوم 17 ساعة تقريبًا.
وقت الافطار، البلح ، وشوربة دجاج صافية، وساخنة. وقبل النوم، وجبة خفيفة، مثل الجبن والفاكهة. احس باستمرار الجوع. لكن، اوعد نفسي بسحور كبير.
أكتب هذا، ولا افتخر. وذلك لأن الهدف من صيام رمضان هو الاحساس بجوع الآخرين. وفى هذه الايام، مع انتشار الحروب في السودان، وغزة، واوكرانيا، وغيرها، يوجد ملايين الجوعى.
منذ سنوات، قرأت، وكتبت، عن "مايندفولنيس" (اليقظة الذهنية)، عن التركيز على ما يفعل الشخص، بدون التفكير فى اشياء اخرى. وان كثيرا من الناس يأكلون، او يقودون سياراتهم، او يرتدون ملابسهم، بدون التركيز على ما يفعلون.
ومنذ سنوات، مثل كثير من الناس، حاولت، وفشلت، فى تحقيق هذه "اليقظة الذهنية". تظل مواضيع الحياة تسيطر على العقل الواعى. لكن، خلال صوم رمضان، احس بما يشبه هذه "اليقظة الذهنية". احس بصفاء عقلى اكثر، واميل الى هدوء اكثر، والى صمت أكثر.
لابد ان من أسباب ذلك قلة الاكل، وقلة الاعداد، والشراء، والتجهيز، والتنظيف.
لكن، احس ان هناك اسباب اخرى، لا اقدر على تفسيرها.
اصلى اكثر فى رمضان. لكن، لا اقدر على ربط ذلك ربطا علميا بتخفيض الوزن. وتخفيض ضغط الدم، وتخفيض سكر الدم.
لا اعتقد ان السبب هو كبح شهوة الأكل. ولكن، مع استمرار الشهوة، تحمل الجوع. وذلك لانى، قبل غروب الشمس بساعة او ساعتين، أقدر على الذهاب الى مطعم "ماكدونالد" القريب، واتناول اثنين او ثلاثة من ساندوتش "بيق ماك" العملاق.
يقودنى هذا الى موضوع الأدوية الجديدة التى تحارب شهوة الأكل بهدف تخفيض الاكل، وتخفيض الوزن. وآلاف الدولارات التى تكلف الشخص الواحد، وبلايين الدولارات التى تربح منها شركات صناعة وتجارة هذه الادوية. كما جاء فى تقرير مجلة "إيكونوميست".
مثل دوائى "ويقوفى" و "اوزيبمك" الذين تنتجهما شركة "نوفا نورديسك" الدنماركية.
حسب موقع الشركة، "يؤثر الدواء على هرمونات شهوة الاكل، ويجعل صاحبها أقل شهوة، واقل اكلا، واقل وزنا."
لكن، اشار الموقع الى آثار جانبية للدواء، منها: "ورم الغدة الدرقية، بما في ذلك السرطان"، و"التهاب البنكرياس"، و"مشاكل في المرارة"، و"مشاكل في الكلى"، و"الاكتئاب، أو ألتفكير فى الانتحار."
ليس هذا الدواء هو الوحيد الذى له مثل هذه الآثار الجانبية. لكن، له آثار سلبية اخرى:
-- يكلف كثيرا. 16,00 دولار كل سنة (50 دولارا كل يوم تقريبا) للشخص الواحد.
-- يحقن تحت الجلد مرة كل أسبوع.
-- اذا توقف الشخص، يعود اليه الوزن الذى فقده. يعنى هذا تناوله مدى الحياة.
لكن، نقلت تقارير امريكية سعادة كثير من الامريكيين الذين يتناولون هذا الدواء، ويخفضون أوزانهم:
-- تقل تلفزيون "أن بى سى" قول امرأة تتناول الدواء: "احس انه يأمرني ان اتوقف عن الاكل. احس ان شخصا فى عقلى يقول لى: "كفى هذا يا سوزان. توقفي عن الاكل."
-- نقلت صحيفة "واشنطن بوست" قول امرأة اخرى: "قلت شهوة الاكل عندى حتى احس اني اكره الاكل كراهية عمياء. اخاف اني اجوع نفسى، واموت جوعا."
فى نفس الوقت، حذر أطباء من دواء يقلل، أو يقتل، شهوة الأكل. وقال واحد منهم لصحيفة "يو إس توداى": "مثل شخص يتسلق جبلا. يفرح بالصعود الى القمة. لكن، ماذا بعد ذلك؟ ليبقى فى القمة، يجب ان يتناول الدواء الى ما لانهاية. والا، كانه سيسقط من الجبل."
ان شاء الله، مع نهاية رمضان، يوم العيد، سأعود الى طبيبتى.
سينخفض الوزن (ربما تلك الارطال الخمسة). . وايضا، ضغط الدم، وسكر الدم.
ومثل كل سنة، ستضحك الطبيية العجوز الوقورة، وتقترح مواصلة الصيام.
وسنتناقش عن تأثير الدين. وستتحاشى هى ذلك.
وستقول، كما تقول كل سنة: "الصحة بينك وبينى، والدين بينك وبين ربك".
هذه المرة، ساقترح عليها ان اصوم سبعة أيام في شهر يناير القادم. صياما غير ديني. وفقط بهدف تخفيض الوزن. (بعد احتفالات الكرسماس، وعيد الشكر، والسنة الجديدة، حيث يكثر الاكل، والشراب).
اعتقد ان ذلك الصيام لن يكن مثل صيام رمضان. وربما لن اقدر عليه. ولن استمتع به. ولن ينخفض كثيرا الوزن، او سكر الدم، أو ضغط الدم، كما يحدث فى رمضان.
لكن، ساتأكد بأن علاج شهوة الأكل هو بتحمل الجوع، لا بتناول دواء.
ومهما ستكون النتيجة، ساوفر دولارات كثيرة كنت ساصرفها على "اوزمبيك" او "ويقوفى"، وغيرهما
========
MohammadAliSalih@gmail.com
MohammadAliSalih.com
Mohammad Ali Salih /Facebook

 

آراء