مُذَكِّرًات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٣٦) و(٣٧)
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
24 October, 2024
24 October, 2024
"" الغَرِيب عن وطَنه مهما طالْ غيابُه مصيرُه يَرْجع تاني لأهله وصِحابه ينسَى آلامه وشُجُونه ينسَى حِرمانه وعذَابه "". الطيِّب عبد الله
" جيناكُم يا حبايبنا بعد غُربة وشُوق نَغالِب فيه ويغالِبنا
ونكتُم آهة تظهَر آهة تتعِبنا
حَنين لشُوفة الغاليين مُدوِّبنا"
" حلاوةَ العَودة غنّيناها في مَوَّال يحكي عن الوِلف وأصلُه الوِلف كتَّال " الحَلَنقي
وها نحنُ نرجعُ إلى الأهلِ والأحباب وإلى الدِّيار التي نشأنا وترَعرَعْنا في باحاتِها الفسِيحةِ وملأنا رئتَينا برائحةِ الطِّين في خرِيفِها ورائحةِ سنابلِ القمحِ الخَضراءَ وهي نَدِّيةٌ مُترَعةْ بالماءِ تَحمِلها لنا نسائمُ اللَّيل ورائحةِ الليَمونِ والجُوَّافة تهُبَّ مِن جُنينةِ عمّي حمد وعبقِ أشجارِ السَّرايا القريبةِ من دارِنا وقد اختَلطَتْ روائحُها برائحةِ زهورِ أشجارِ البَان من الغابةِ التي ترقدُ عند فَم التُّرعة الرَّئيسية. والقريةُ التي صارتْ مدينةً تتوسطُ كلَّ هذا الجَمالِ الذي يُحيطُ بها كما السِّوارُ بالمِعصَم .
بعد أُسبوعَين أو أكثرَ مع الأهلِ والأحبابِ ورفاقِ الصِّبا ، سافرنا إلى الخُرطوم للبَحثِ عن مأوى نقيمُ فيه ومدارسَ نُلحِق بها الأبناءَ وتعودُ الزوجةُ إلى وظِيفتِها في وزارةِ التربيةِ والتعليم . أما أنا فقد آثرتُ التَّريثَ حتى أستلمَ السَّيارة التي تركناها للجَمارِك في ميناءِ بورتسودان . وبعد جولاتٍ على الأحياءِ السَّكنيةِ في شرقِ النِّيل - وهي الأقربُ للوزارة وعامرةٌ بالمَدارِس - وقعَ اختيارُنا على " حي النَّصر " مُربع ١ الذي يقعُ جنوبَ الطَّريق الدَّائري وجنوبَ شرق كُبري المَنشِيّة . ولم يكنْ البيتُ الذي استأجَرناه بعيداً عن الطَّريق الرَّئيسي الذي يربطُ شرقَ النِّيل بِسُوبا شرق والعَيلفُون وود مدني .
التَحقً الأبناءُ بِمدرسةٍ خاصًّة بالصَّف الثَّامن أساس معاً وكانَ ذلك في مصلحةِ أحمد الذي لحقَ بِعُمر ووفَّر عاماً كاملاً . باشَرتْ الأُستاذَة عملَها في الوزارة. لم أوَفقْ في الحُصولِ على إعفاءٍ جُمرُكي للسّيارة بالرغمِ مِن أنَّ لدي " خروج نهائي " ولدي رُزمةً من إيصالاتِ الضَّرائب والزّكاةِ ودمغةِ الجَريح وتُرعة كِنانة والرَّهد وغيرِها ، وكلُّها مُسدَّدة سنوياً و " على داير المَليم " كما يُقال وعلى مدى يزيدُ عن العشرينَ عاماً . ولم أتركْ جهةً مسئولةً إلا وطرقتُ بابَها بدءاً من المالية والجمارك وشئون المُغتربين والتِّجارة وغيرها . كان ذلك في ٢٠٠٧م . وسبحانَ الله لم أكنْ مُنضوِيا تحت أيٍ من الأحزاب إلا أنَّ سياسةَ التَّمكِين آنذاك لا تعرفُ غيرَ مَنْ والاها ! ولو أهرقَ دمَه مَن أجلِ الوَطن دعْكَ مِن مالِه " هذا زمانُكِ يا مهازلُ فامرَحي " . أبلغَني " المُخلِّص " الجُمرُكي الذي أوكلتُ له أمرَ السيارة أن جمارِكها بلغتْ ٥٤ ألفاً من الجُنيهات ! تخيّل في ٢٠٠٧ !!! أخبرتُه أنْ يُدخلَها " الدِّلالة " للبيعِ على أنْ أكونَ حاضراً وأنا الأوْلَى ، أو كما قالَ السِّيد الصَّادق المهدي - رحمه الله - " جُحا أولَى بِلحم تُوره" .
لمّا طالَ انتظاري لاستلامِ السيارة ومللتُ الفراغ ، تقدمتُ إلى إدارةِ المجلسِ الأفريقي للتَّعليمِ الخاص فتمَّ تعييني مُدرِّساً للغة الانجليزية في إحدى مدارسِ البنات الثَّانوية . وباشرتُ عملي على الفَور .
حلَّ موعدُ الدلالة بعد فترةٍ وجيزةٍ وقد أبلغني المُخلِّص باليوم المُحدَّد . فحزَمتُ أمري واستعَنتُ على السَّفر بالبصَّات من الخرطوم إلى بورتسودان باستصحابِ أخي ابن خالتي وصِهري الصَّادِق أحمد يس . دخلنا الدِّلالة في اليوم التالي لوُصولِنا وعرَفنا مِن المُخلّص أن السيارة مُستهدَفة من بعضِ مُوظفي الجمارك . إلا أنَّنا صَمدنا للدلالة ورمَينا بأسْهُمنا بِقُوة حتى كانَ الشِّراءُ مِن نصيبِنا ولم يتعدَ سعرُها في الدلالة ٣٢ ألفا من الجنيهات السودانية آنذاك وقد اشتريتُها من رياض الخير بسبعين ألفا من الريالات . دفعنا المبلغ وأُضيفَ إليها خمسةُ آلافٍ عبارة عن رسوم تخليص فصارتْ ٣٧ ألف جنيه . ثمَّ استلمناها وتَوكَّلنا على الله و" ركبنا الظلط " راجعين " في المِغيرب" إلى العاصِمة .
مذكرات مغترب في دول الخليج العربي (٣٧)
عملتُ بالمجلس الأفريقي للتعليم الخاص لمدة عامين . كان العامُ الثاني بمدرسة بن الهيثم الثانوية بنين بحي الصَّافية بالخُرطوم بحري . كنتُ قَبلَها قد بعتُ السيارة اللاندكروز من أجلِ تسديدِ المبالغ التي استلفناها لتخليص قيمة السيارة من الدِّلالة . كانتْ مشاويرُ المدرسة جيئةً وذهاباً مُرهقةً وتقتضي ركوبَ الحافلات في ثلاثةِ مشاوير من شرق النيل حي النصر وحتى الصافية بحري ومثلُها في العَودة ، ولا يوجد ترحيل لعدم وجود طُلاب مَن منطقة إقامتنا . لم أصَدِّق انقضاءَ العام الدراسي ومعه انتهاء العقد بيني وبين المجلس الأفريقي للتعليم الخاص الذي امتدَّ عملي معه منذ ١٢/ ٦ / ٢٠١١ وحتى ٣١ / ٣ / ٢٠١٣ م .
دخلتُ كذلك في مشروعٍ تجاري في بلدتنا بالجزيرة . كانَ لدي ٢ دكان ناصية في البيتِ الذي شَيَّدتُه لأسرتي الصغيرة هناك ، جعلتُ أحدَهما بقالةً والثاني لبيعِ موادِ البِناء " مَغلَق " . عملتُ فيهما بنفسي ومعي أولادي لبعضِ الوقت قبلَ أنْ نرحلَ للإقامة في شرق النيل . لم تستمرْ تجارتُنا لأننا لم نُواصِل فيها بأنفُسِنا وأوكلنا بها آخرين فكانَ مَردُودنا خُسارةً ، وقد قيلَ في الأثر " ما حكَّ جلدَك مثلُ ظُفرِك " ، وقالوا أيضاً " الأفندية لا يُجيدون التِّجارة ".
يبدو أنَّ جُرثومةَ الاغتراب قد تمَكَّنتْ منَّا ولم ننجُ من سًطوَتِها . فما إنْ حلَّتْ لجنةُ تعاقدٍ من الكُويت بفندقِ الهيلتون تبتغي مُعلِّمين لمدارسَ أهليةٍ لمُختَلفِ التَّخصُّصات حتى شاعَ خبرُها وهُرِعنا إليها . وكانَ اختِيارُنا سهلاً وسريعاً وذلك لخِبرتِنا الطَّويلة في السعودية . وعلى الرَّغم مِن أنَّ شُرُوطَ التَّعاقُد معهم لم تكنْ مُغريةً إلا أنَّ ضُغوطَ الحياةِ آنذاك وأزماتِ المعيشة المُتعدِّدة رفعتْ عنِّي الحرجَ أو التَّردُد فَقبِلتُ العرضَ على أنْ أبحثَ عن بديلٍ لهذا المأزقِ بعد الخُروجِ إلى الكويت خلال عامٍ أو أكثر .
تَمَّ التَّعاقُد مع ثمانيةَ عشَر مُعلماً ومُعلمة بمُختلف التَّخصُّصات : أحدَ عَشر رجلاً وسبعَ نِسوة . وكانَ سفرُنا على رِحلتين . وصلنا الكويت في مطلعِ سبتمبر وكانَ نُزُلنا استراحةً كبيرةً ملحقةً بمدارسِ " حَوَلِّي " المتوسطة والثانوية قضينا فيها نحنُ الرِّجال بضعةَ أيامٍ قبل بدءِ الدِّراسة وقبل الحُصولِ على شقةٍ قريبةِ من المدرسة ، وكان للمُعلماتِ نُزُلٌ كذلك ملحقٌ بإحدى مدارس البنات . بدأنا العملَ في ١٠ / ٩ / ٢٠١٣م بمدرسة النَّجاة المتوسطة بِحَوَّلِي وكُنّا خمسةً هنا وتمَّ توزيعُ السِّتةِ الباقين على مدينتين أُخريين .كانتْ المدرسة تتألفُ من ثلاثةِ طوابق وتستوعبُ ألفاً وثلاثمائة طالباً . كان مديرُ المدرسةِ ووكيلُها هما الكُويتِيَين الوحِيدَين وبقيةُ هيئةِ التدريسِ كلُّها مِن الجِنسية المَصرية عدا نحنُ - ثلاثةُ مُدرسي اللغة الإنجليزية وواحد رياضيات والخامس لغة عربية - الجُدُد من السودان . وهنالك قلةٌ مِن الطلاب الوافدين وقليلٌ من الكويتيين والأغلبيةُ السَّاحِقة طلاب مصريون . وبالمناسبة الجِهة المالِكة والتي تديرُ مجموعةً من هذه المدارسِ الأهليةِ في مدنِ الكويت المُختلفة تُسمَّى " جمعيةُ النَّجاة الخَيرِيَّة " .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
" جيناكُم يا حبايبنا بعد غُربة وشُوق نَغالِب فيه ويغالِبنا
ونكتُم آهة تظهَر آهة تتعِبنا
حَنين لشُوفة الغاليين مُدوِّبنا"
" حلاوةَ العَودة غنّيناها في مَوَّال يحكي عن الوِلف وأصلُه الوِلف كتَّال " الحَلَنقي
وها نحنُ نرجعُ إلى الأهلِ والأحباب وإلى الدِّيار التي نشأنا وترَعرَعْنا في باحاتِها الفسِيحةِ وملأنا رئتَينا برائحةِ الطِّين في خرِيفِها ورائحةِ سنابلِ القمحِ الخَضراءَ وهي نَدِّيةٌ مُترَعةْ بالماءِ تَحمِلها لنا نسائمُ اللَّيل ورائحةِ الليَمونِ والجُوَّافة تهُبَّ مِن جُنينةِ عمّي حمد وعبقِ أشجارِ السَّرايا القريبةِ من دارِنا وقد اختَلطَتْ روائحُها برائحةِ زهورِ أشجارِ البَان من الغابةِ التي ترقدُ عند فَم التُّرعة الرَّئيسية. والقريةُ التي صارتْ مدينةً تتوسطُ كلَّ هذا الجَمالِ الذي يُحيطُ بها كما السِّوارُ بالمِعصَم .
بعد أُسبوعَين أو أكثرَ مع الأهلِ والأحبابِ ورفاقِ الصِّبا ، سافرنا إلى الخُرطوم للبَحثِ عن مأوى نقيمُ فيه ومدارسَ نُلحِق بها الأبناءَ وتعودُ الزوجةُ إلى وظِيفتِها في وزارةِ التربيةِ والتعليم . أما أنا فقد آثرتُ التَّريثَ حتى أستلمَ السَّيارة التي تركناها للجَمارِك في ميناءِ بورتسودان . وبعد جولاتٍ على الأحياءِ السَّكنيةِ في شرقِ النِّيل - وهي الأقربُ للوزارة وعامرةٌ بالمَدارِس - وقعَ اختيارُنا على " حي النَّصر " مُربع ١ الذي يقعُ جنوبَ الطَّريق الدَّائري وجنوبَ شرق كُبري المَنشِيّة . ولم يكنْ البيتُ الذي استأجَرناه بعيداً عن الطَّريق الرَّئيسي الذي يربطُ شرقَ النِّيل بِسُوبا شرق والعَيلفُون وود مدني .
التَحقً الأبناءُ بِمدرسةٍ خاصًّة بالصَّف الثَّامن أساس معاً وكانَ ذلك في مصلحةِ أحمد الذي لحقَ بِعُمر ووفَّر عاماً كاملاً . باشَرتْ الأُستاذَة عملَها في الوزارة. لم أوَفقْ في الحُصولِ على إعفاءٍ جُمرُكي للسّيارة بالرغمِ مِن أنَّ لدي " خروج نهائي " ولدي رُزمةً من إيصالاتِ الضَّرائب والزّكاةِ ودمغةِ الجَريح وتُرعة كِنانة والرَّهد وغيرِها ، وكلُّها مُسدَّدة سنوياً و " على داير المَليم " كما يُقال وعلى مدى يزيدُ عن العشرينَ عاماً . ولم أتركْ جهةً مسئولةً إلا وطرقتُ بابَها بدءاً من المالية والجمارك وشئون المُغتربين والتِّجارة وغيرها . كان ذلك في ٢٠٠٧م . وسبحانَ الله لم أكنْ مُنضوِيا تحت أيٍ من الأحزاب إلا أنَّ سياسةَ التَّمكِين آنذاك لا تعرفُ غيرَ مَنْ والاها ! ولو أهرقَ دمَه مَن أجلِ الوَطن دعْكَ مِن مالِه " هذا زمانُكِ يا مهازلُ فامرَحي " . أبلغَني " المُخلِّص " الجُمرُكي الذي أوكلتُ له أمرَ السيارة أن جمارِكها بلغتْ ٥٤ ألفاً من الجُنيهات ! تخيّل في ٢٠٠٧ !!! أخبرتُه أنْ يُدخلَها " الدِّلالة " للبيعِ على أنْ أكونَ حاضراً وأنا الأوْلَى ، أو كما قالَ السِّيد الصَّادق المهدي - رحمه الله - " جُحا أولَى بِلحم تُوره" .
لمّا طالَ انتظاري لاستلامِ السيارة ومللتُ الفراغ ، تقدمتُ إلى إدارةِ المجلسِ الأفريقي للتَّعليمِ الخاص فتمَّ تعييني مُدرِّساً للغة الانجليزية في إحدى مدارسِ البنات الثَّانوية . وباشرتُ عملي على الفَور .
حلَّ موعدُ الدلالة بعد فترةٍ وجيزةٍ وقد أبلغني المُخلِّص باليوم المُحدَّد . فحزَمتُ أمري واستعَنتُ على السَّفر بالبصَّات من الخرطوم إلى بورتسودان باستصحابِ أخي ابن خالتي وصِهري الصَّادِق أحمد يس . دخلنا الدِّلالة في اليوم التالي لوُصولِنا وعرَفنا مِن المُخلّص أن السيارة مُستهدَفة من بعضِ مُوظفي الجمارك . إلا أنَّنا صَمدنا للدلالة ورمَينا بأسْهُمنا بِقُوة حتى كانَ الشِّراءُ مِن نصيبِنا ولم يتعدَ سعرُها في الدلالة ٣٢ ألفا من الجنيهات السودانية آنذاك وقد اشتريتُها من رياض الخير بسبعين ألفا من الريالات . دفعنا المبلغ وأُضيفَ إليها خمسةُ آلافٍ عبارة عن رسوم تخليص فصارتْ ٣٧ ألف جنيه . ثمَّ استلمناها وتَوكَّلنا على الله و" ركبنا الظلط " راجعين " في المِغيرب" إلى العاصِمة .
مذكرات مغترب في دول الخليج العربي (٣٧)
عملتُ بالمجلس الأفريقي للتعليم الخاص لمدة عامين . كان العامُ الثاني بمدرسة بن الهيثم الثانوية بنين بحي الصَّافية بالخُرطوم بحري . كنتُ قَبلَها قد بعتُ السيارة اللاندكروز من أجلِ تسديدِ المبالغ التي استلفناها لتخليص قيمة السيارة من الدِّلالة . كانتْ مشاويرُ المدرسة جيئةً وذهاباً مُرهقةً وتقتضي ركوبَ الحافلات في ثلاثةِ مشاوير من شرق النيل حي النصر وحتى الصافية بحري ومثلُها في العَودة ، ولا يوجد ترحيل لعدم وجود طُلاب مَن منطقة إقامتنا . لم أصَدِّق انقضاءَ العام الدراسي ومعه انتهاء العقد بيني وبين المجلس الأفريقي للتعليم الخاص الذي امتدَّ عملي معه منذ ١٢/ ٦ / ٢٠١١ وحتى ٣١ / ٣ / ٢٠١٣ م .
دخلتُ كذلك في مشروعٍ تجاري في بلدتنا بالجزيرة . كانَ لدي ٢ دكان ناصية في البيتِ الذي شَيَّدتُه لأسرتي الصغيرة هناك ، جعلتُ أحدَهما بقالةً والثاني لبيعِ موادِ البِناء " مَغلَق " . عملتُ فيهما بنفسي ومعي أولادي لبعضِ الوقت قبلَ أنْ نرحلَ للإقامة في شرق النيل . لم تستمرْ تجارتُنا لأننا لم نُواصِل فيها بأنفُسِنا وأوكلنا بها آخرين فكانَ مَردُودنا خُسارةً ، وقد قيلَ في الأثر " ما حكَّ جلدَك مثلُ ظُفرِك " ، وقالوا أيضاً " الأفندية لا يُجيدون التِّجارة ".
يبدو أنَّ جُرثومةَ الاغتراب قد تمَكَّنتْ منَّا ولم ننجُ من سًطوَتِها . فما إنْ حلَّتْ لجنةُ تعاقدٍ من الكُويت بفندقِ الهيلتون تبتغي مُعلِّمين لمدارسَ أهليةٍ لمُختَلفِ التَّخصُّصات حتى شاعَ خبرُها وهُرِعنا إليها . وكانَ اختِيارُنا سهلاً وسريعاً وذلك لخِبرتِنا الطَّويلة في السعودية . وعلى الرَّغم مِن أنَّ شُرُوطَ التَّعاقُد معهم لم تكنْ مُغريةً إلا أنَّ ضُغوطَ الحياةِ آنذاك وأزماتِ المعيشة المُتعدِّدة رفعتْ عنِّي الحرجَ أو التَّردُد فَقبِلتُ العرضَ على أنْ أبحثَ عن بديلٍ لهذا المأزقِ بعد الخُروجِ إلى الكويت خلال عامٍ أو أكثر .
تَمَّ التَّعاقُد مع ثمانيةَ عشَر مُعلماً ومُعلمة بمُختلف التَّخصُّصات : أحدَ عَشر رجلاً وسبعَ نِسوة . وكانَ سفرُنا على رِحلتين . وصلنا الكويت في مطلعِ سبتمبر وكانَ نُزُلنا استراحةً كبيرةً ملحقةً بمدارسِ " حَوَلِّي " المتوسطة والثانوية قضينا فيها نحنُ الرِّجال بضعةَ أيامٍ قبل بدءِ الدِّراسة وقبل الحُصولِ على شقةٍ قريبةِ من المدرسة ، وكان للمُعلماتِ نُزُلٌ كذلك ملحقٌ بإحدى مدارس البنات . بدأنا العملَ في ١٠ / ٩ / ٢٠١٣م بمدرسة النَّجاة المتوسطة بِحَوَّلِي وكُنّا خمسةً هنا وتمَّ توزيعُ السِّتةِ الباقين على مدينتين أُخريين .كانتْ المدرسة تتألفُ من ثلاثةِ طوابق وتستوعبُ ألفاً وثلاثمائة طالباً . كان مديرُ المدرسةِ ووكيلُها هما الكُويتِيَين الوحِيدَين وبقيةُ هيئةِ التدريسِ كلُّها مِن الجِنسية المَصرية عدا نحنُ - ثلاثةُ مُدرسي اللغة الإنجليزية وواحد رياضيات والخامس لغة عربية - الجُدُد من السودان . وهنالك قلةٌ مِن الطلاب الوافدين وقليلٌ من الكويتيين والأغلبيةُ السَّاحِقة طلاب مصريون . وبالمناسبة الجِهة المالِكة والتي تديرُ مجموعةً من هذه المدارسِ الأهليةِ في مدنِ الكويت المُختلفة تُسمَّى " جمعيةُ النَّجاة الخَيرِيَّة " .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com