كيف لا
يُعد النقاش المستفيض الذي قام به شباب الصحفيين في المنتدى الدوري الأول للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات بمثابة إلقاء حجر في بركة المياه الساكنة . والسكون ليس من طبع الصحفيين ولكن طالما حيّر إقدامهم على نزع حقوق الغير والدفاع عنها ، وإحجامهم في المقابل عن المطالبة بحقوقهم ، الناس وساهم في خلق بيئة عمل يتجاسر فيها استغلال المؤسسات الصحفية للصحفييين ، وفهلوة الناشرين في كسب أكبر عدد من المتدربين لتمشية أمور صحفهم ثم الرمي بهم خارج تلك الدور بشكل دوري وبطريقة تضمن عدم السؤال عن الحقوق والمكتسبات.
هان الصحفيون على أنفسهم فحقّ هوانهم على الناشرين ، فحتى لو أحجم مجلس الصحافة عن التدخل في العلاقة بين الصحفي والناشر كما ذكر البروفيسور علي شمو في المنتدى ، فينبغي على الصحفي أن يكون أكثر وعياً بحقوقه وأن تؤطر هذه العلاقة وفقاً لحقوق يكفلها القانون ويحميها.
ليس في إمكان مجلس الصحافة أو اتحاد الصحفيين تقديم روشتات لإصلاح بيئة العمل المتردية التي عمّت الوسط الصحفي ولكن يمكنهما إعلاء سقف الحريات ، لأن العمل في بيئة تكفل حرية التعبير كبند أول وأساسي ، لا تربي الخوف وسط منسوبيها، ولا تقتلع منهم الموافقة على سياساتها بترهيبهم .فالخوف والحذر ينشآن واقع السُخرة ، فكلما نبتت كلمة لتغيير الواقع إلى أفضل وجدت في طريقها ألف عائق. إذن تطابق القول والفعل في المطالبة بالإصلاح الجذري لهذا الواقع كانت وما زالت محط الأنظار ، ولكن يُنتظر منها أن تعتمد آليات التطبيق بمساعدة مجلس الصحافة كجهاز فاعل في المجتمع يبحث وينقب عن الثغرات ويقيل أصحاب العثرات من منسوبيه.
مجرد اعتماد مثل هذه المباديء والعمل عليها تعتبر حلولاً لأزمات تمس عمق الإصلاح ، فمطالب الصحفيين لا يُختلف عليها وتتمثل في تحديد حد أدنى للأجور وإلزام المؤسسات الصحفية به .كما أن هناك قائمة من الحقوق فشل الصحفيون في تلاوتها كما ينبغي وهي مدى إلزامية العقود الموقعة بين الصحفي ومؤسسته التي يجب أن تتمتع بهيكل وظيفي وارتبي واضح . ولا ننسى أن هناك جملة مطلوبات كذلك من المؤسسات الصحفية في اختيار صحفييها بشروط الكفاءة والمقدرة .هذان الشرطان يحققان نوعاً من الكرامة ، فالصحفي الكفء المقتدر لا يعمل تحت أي ظروف وبأي راتب ولا يتنازل عن حقوقه كانت صغيرة أم كبيرة.
مستقبل الصحافة في السودان يعتمد على شراكة أساسية كما جاء عنوان المنتدى (حقوق الصحفيين وشركاء العملية الصحفية ) . تكون هذه الشراكة بين المجلس والاتحاد والصحفيين في تحمل المسئولية والإبحار بسفينة الإصلاح إلى بر الأمان.ولن يكون كل هؤلاء في مواجهة الناشرين ما لم يخلع الناشرون طاقية الإخفاء ويعلنون عن أسمائهم وأدوارهم ومسئولياتهم تجاه الصحفيين.
داخل السياق:
أما وفي نفس محطة المنتدى التي نقلتها لنا التقارير الصحفية ، فقد وصف أحد الصحفيين حال الصحفيين ب "نحن بنغالة" ، فما كنت لأتمنى سماع هذا التوصيف المسيء أو قراءته بأي حال من الأحوال . أي أنه مهما ضعف حال الإنسان صحفياً كان أو غيره ومهما هان أمره ، فالضعف والتعرض للظلم لا يبرّر المس بقومية أخرى مهما ضعفت ، ولا يبرر كذلك الافتراء على خلق الله.ففضائل البشر تظهر للعيان رغم المسكنة ، والصحفيون الفُضلاء لا يضعون منطق التغيير على أساس التمثل بالغير ، بل إنه يكون تغييراً نابعاً من دواخلهم ومن احتياجاتهم وواقعهم الصحفي في السودان وليس في بنغلاديش.فهل إذا تم مضاعفة أجر الصحفي دون تحقيق هذا الأجر لطموحاته وتغطية احتياجاته ، هل يقيم الوضع على أنه تحسن تاريخي في حياته المهنية ؟ بهذا المثال والتشبيه معاً ستكون كارثة لو كان الصحفيون الذين يعدّون أنفسهم "بنغالة" يهتمون بالتحول اللحظي فقط ، لأنه وفقاً لهذا التشبيه لو تمت ترقية هؤلاء الصحفيين إلى "هنود" سيكونون في غاية السعادة والرضا!!
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]