نجل شيخ أبو زيد المدان بقتل الدبلوماسي الأمريكي: لم أقتل غرانفيل وليس لدى مشكلة في تقديم اعتذار لأسرته

 


 

 

 

في أول حوار بـ (بدلة) الاعدام الحمراء.. نجل شيخ أبو زيد المدان بقتل الدبلوماسي الأمريكي لـ (الرأي العام):
*ليس لدى مشكلة في تقديم اعتذار لأسرة غرانفيل*
- المصائب التي مررت بها تجعل الإنسان يراجع نفسه ويصلح الأخطاء

*لم أكن متحمساً للهرب ومن كانوا معي هم من رتبوا له منذ بداية الدخول للسجن*

- أسرتي مازالت تدفع في الثمن.. وأهم شىء فقدته في السجن هو الوالد

*الشباب الذين ذهبوا للجهاد في سوريا وليبيا أصبحوا يقتلون بعضهم البعض!*

- المتهم الأول في البلاغ تم قتله من قِبل حركة الشباب ولم يقتله الأمريكان

*صحيح هنالك شباب متحمسون لكن الواقع هناك ليس كما يتخيلون*

- كنت نائماً في المقعد الخلفي ولم أصحو إلا على صوت السلاح

*المتهمان الأول والثاني (محمد مكاوي وعبد الباسط ) أقرا بقتل غرانفيل*

- صحيح هنالك أخطاء حدثت لكن الأصل هو حب الجهاد وليس لمجرد العنف

*حاوره في سجن كوبر: فتح الرحمن شبارقة*

 

 

كان الوصول إلى عبد الرؤوف، نجل شيخ أبو زيد محمد حمزة، الزعيم الراحل لجماعة أنصار السنة بالسودان في سجن كوبر ذائع الصيت، مهمة صحفية شاقة وعسيرة للغاية. فقد استغرق الترتيب للحوار فترة زمنية هي الأطول من نوعها ربما، وتطلب ذلك سلسلة من الاتصالات مع قيادات بالشرطة وإدارة السجون كانت كثيراً ما تنتهي إلى لا شىء. لكن كل ذلك، كان أسهل كثيراً من اقناع رجل محكوم بالاعدام للحديث في شأن يتعلق بالحياة. ولكن لخطر الجماعات الإرهابية المتطرفة التي باتت تتربص بالشباب وتلقي بهم في أتون محرقة عبثية، كان لابد من اجراء اتصالات أخرى مثابرة انطوت على قدر من الخطورة مع عبد الرؤوف نفسه في داخل زنزانته لاخذ موافقته واقناعه بالحوار مع (الرأي العام) بعد ادانته وثلاثة من أصدقائه بمقتل الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل برصاصات قاصدة في ليلة رأس السنة من العام 2008م.
قضية عبد الرؤوف، استحوذت على نصيب وافر من اهتمام وسائل الاعلام العالمية والمحلية وشهدت تطورات دراماتيكية عديدة، كان أبرزها هرب المدانين من داخل السجن الحصين بعد تأييد حكم الاعدام في حقهم، ثم توالي أنباء مقتلهم بعد ذلك واحداً تلو الآخر خارج الحدود، بينما تم القاء القبض على عبد الرؤوف الذي حاورته في الأيام الفائتة بمكتب مدير سجن كوبر اللواء سعيد ضحية وفي حضوره. حيث جاء، أو بالأحرى جيئ به إلى المكتب وهو مصفد بالأغلال ويرتدي (بدلة) الإعدام الحمراء، ومع ذلك كانت تعلو ملامح وجهه ابتسامة ثقة غامضة تعطي تفسيراً مختلفاً لملامحه في كل مرة، فإلى مضابط الحوار:

*السؤال عن الصحة عادة يكون في إطار التحايا إلا أنه في حالتك سؤال للنشر.. كيف هي صحتك؟*
- الأمور طيبة والحمد لله رب العالمين.
*كيف تقضي يومك في السجن؟*
- يومي يبدأ من صلاة الفجر جماعة، وبعد ذلك أقرأ القرآن ثم الورد اليومي من الأذكار، وبعد ذلك نخرج إلى حوش قسم الاعدامات للغسل وتقضية بعض الأغراض. ثم نصلي الضحى ونجلس مع الناس ويمضي اليوم بشكل عادي والحمد لله.
*لاحظت أنك تحمل مسبحة وهذا أمر غريب نوعاً ما بالنظر لخليفتك السلفية التي ترى في ذلك بدعة؟*
- لا ليس فيها شىء، وإنما هي للذكر فقط. وطبعاً الأفضل باليد التسبيح باليد، لكن لضبط الأعداد فالسبحة أفضل، ولا يوجد فيها محظور شرعي.
*كيف تتواصل مع أسرتك الصغيرة والكبيرة؟*
- لدى زيارات، وهنالك زيارتان كل أسبوع يومي الثلاثاء والخميس.
*من هم أكثر الذين يزورنك بانتظام؟*
- الوالدة وأخي عبد الملك.
*من هو، أو ما هو أكثر ما أفتقدته في السجن؟*
- أهم شىء فقدته كان فقدي للوالد. فقد توفي وأنا في السجن وهذا كله قدر والحمد لله رب العالمين.
*ماذا تنتظر الآن.. العفو أم الاعدام ربما، وفي أيهما كنت ترغب؟*
- العفو لو تم طيبّ، ولكن هذه الأمور كلها مقدرة، والموت حتى لو كنت خارج السجن فإنه سيأتي وليس شرطاً أن يكون بالحبل، لكن نأمل في العافية ونسأل الله أن يُقدّر الخير.
*ما الذي تعلمته خلال هذه الفترة التي مكثتها داخل السجن؟*
- تعلمت الكثير، ولا شك أن الشخص يتأثر بالسجن ولو بقي فيه يوماً واحداً، ويتم النظر في التصرفات والمعاملات وفي مجمل الخبرة في الحياة والتعامل مع الناس من زاوية أخرى حتى للسجن وللناس الموجودين فيه وللحكومة.
*لماذا حاولت الهرب مع رفاقك المدانين بقتل غرانفيل من السجن ذات مرة؟*
- القضية كما تعرف فيها أربعة أشخاص، وأنا المتهم الرابع والأخير في البلاغ، ومن كانوا معي هم من رتبوا الهرب منذ بداية الدخول إلى السجن ولكنهم لم يتحمسوا للتنفيذ إلا بعد الحكم بالاعدام وتأييد المحكمة العليا.
*فيم كنت تفكر بعد الهرب..هل كنت ترغب في الالتحاق بالشباب الصومالي أو داعش ربما؟*
- أنا أصلاً لم أكن متحمساً للهرب، بل كنت مختلفاً معهم، وأنا كنت في غرفة منفرداً ولم أكن معهم، وقبل الهرب بفترة قليلة تحدثوا معي عن ضرورة أن نخرج وكان أشخاص خارج السجن جاؤوني زيارة لكي يقنعوني، فوافقت على الخروج ولكن كانت نيتي أن أفارقهم بعد ذلك.
*من أين تسلل العنف إلى تفكيرك يا عبد الرؤوف وانت ابن شيخ متسامح ودائماً ينتقد العنف؟*
- أنا أتحفظ على مصطلح العنف هذا، صحيح هنالك أخطاء حدثت، لكن الأصل هو حب الجهاد وليس لمجرد العنف. وأنا كنت في السعودية في الجامعة الاسلامية بالمدينة والحمد لله التقيت بشباب هناك وهذا هو التاريخ الذي يمكن أن يكون قد التحقت فيه بهذا الاتجاه.
*ماذا درست في الجامعة الاسلامية على وجه التحديد؟*
- درست أصول الدين في كلية الدعوة الاسلامية ولكن لم أكملها تبقى لي فصل دراسي واحد على اكمال الدراسة في الكلية.
*ألم تفكر في مواصلة الدراسة، خاصة وأن بعض زملائك قد تمكنوا من نيل درجة الدكتوراه من داخل السجن وفيهم محكمون بالاعدام كعبد العزيز عشر؟*
- أكملت حفظ القرآن في السجن، وأول ما جئت كنت أحفظ عشرة أجزاء فقط ولكن الآن أكملت حفظ القرآن بفضل الله، وأقرأ غير ذلك ما تيسّر لي.
*والدك شيخ أبو زيد زارك في السجن أكثر من مرة.. ماذا كان يقول لك؟*
- كان يوصني بالصبر ويقول لي بأن هذا قدر مكتوب وأني لابد أن أسأل ربنا الفرج والخلاص وكذا..
*هل تشاهد التلفزيون أو تطالع الصحف في السجن؟*
- نعم، لدى تلفزيون وأقرأ الجرائد وكل شيء..
*هل يسمح بدخول الجرائد في السجن؟*
- نعم، مسموح بذلك، وأنت لو دخلت إلى داخل السجن ستستغرب.
*هل عكفت على مراجعة ما فعلته وقادك إلى ما انت فيه الآن؟*
- يا أستاذ أي شخص في هذه الدنيا لديه أخطاء، ومخطئ من يقول إنه لا يخطئ، ولا يوجد انسان كامل في هذه الدنيا، والانسان يمر في حياته بمصائب ومشاكل كبيرة مثل التي أمر بها أنا الآن بالذات الأشياء التي من قبيل وفاة الوالد وأخواني، وزوجتي وهذه كلها أشياء تجعل الإنسان يراجع نفسه في كثير من الأشياء ويحاول إصلاح ما يمكن من أخطاء.
*على ذكر الزوجة، أين أبناؤك وأسرتك الصغيرة الآن؟*
- لدى ابنة (لينا) وابن (جهاد)، وزوجتي (تطلقت) الآن.
*هل انت في السجن الآن ضحية لفكر خاطيء أو لحكم خاطيء؟*
- أنا ضحية من الاتجاهين، وأنا لا أُنكر أن هنالك أخطاء كبيرة حدثت، ومن ناحية الحكم أنا لا أقول إن هنالك أخطاء ولكن أنا المتهم الرابع، والمتهم الأول محمد مكاوي وبعده عبد الباسط وهما الاثنان أقرا بأنهما هما اللذان قتلا وقاما بتمثيل الجريمة، ومهند كان يقود العربة، وفي اعترافاتهم قالوا إن عبد الرؤوف كان نائماً ولم يقتل، وفي الاعترافات القضائية أمام القاضي قلت أمام القاضي إنني كنت نائماً في المقعد الخلفي ولم أصحو إلا على صوت ضرب السلاح.
*إلا تعتقد أنه آن الأوان لتصحيح المسار؟*
- أنا أكثر شخص يريد النصيحة، وإذا أخطأت فليس لدى مشكلة في أن أتراجع، وهذا أمر دين وأنا أريد رضاء ربنا في النهاية ولا يهمني رضاء الناس. وأنا لا أخفيك كما قلت لك وهناك أشياء كثيرة حدثت.
*إذن ليس لديك مشكلك في تصحيح الخطأ كما يفهم من حديثك.. فهل أنت مستعد لتقديم اعتذار علني وصريح لأسرة غرانفيل أو أسرة سائقه السوداني عبد الرحمن؟*
- موضوع الاعتذار هذا عرضه الأمريكان في البداية حسبما سمعت، لكن في الأول أنا لم أكن الطرف الوحيد في القضية بل كنت آخر شخص متهم والقاتلان الأساسيان كانا وقتها موجودين و (كانت الكلمة كلمتهم) وهما رفضا الاعتذار لأنهما كانا مجهزين خطة للهرب، وأنا كنت أرى أن تحل الأمور بالتي هي أحسن ولا تتعقد إلى هذه الدرجة.
*هذا ما كنت تراه وتجاوزه الزمن، لكن هل لديك الآن استعداد لتقديم اعتذار جهير لأسرة غرانفيل؟*
- إذا كان اعتذارا فيه حل وتصحيح لهذا الوضع فليس لدى مشكلة لأنني لم أقتل أصلاً.
*وأسرتك الكبيرة التي دفعت ثمن كذلك.. ألا ترى انها تستحق أن تعتذر لها كذلك بسبب الحكم عليك في هذه القضية؟*
- نعم، وهي مازالت تدفع الثمن.
*لماذا برأيك يلجأ بعض الشباب المتدين إلى القتل والتفجير والعنف؟*
- بصورة عامة المشاكل التي تحدث في العالم من حولنا، كالذي يحدث في الصومال واليمن وأفغانستان حيث كانت الطائرات الأمريكية تقصف في المسلمين وكذا، وأنا نفسي تأثرت بذلك وكانت سبباً في دخولي لهذا الطريق، وطبعاً في ذلك الوقت لم يكن هناك قصف في سوريا، وفيما بعد أثرت في أخواني الصغار حيث تدخل ناس وأدخلوهم ومضوا في ذات الاتجاه، وهذا هو السبب الرئيسي. ولكن بعد ذلك دخل أناس أفسدوا فساداً شديداً واستغلوا النية الطيبة للشباب وحركوهم..
*من هم الذين أفسدوا واستغلوا الشباب تحديداً؟*
- والله جهات موجودة، وانظر الآن لما تفعله داعش في ليبيا وفي سوريا. ففي سوريا الآن السوداني يقتل السوداني وهم شباب سافروا من هنا وقالوا إنهم يريدون انقاذ الشعب السوري فأصبحوا يقتلون بعضهم البعض، وكذلك السعودي يقتل السعودي واليمني يقتل اليمني، فهذا في القاعدة وهذا في تنظيم الدولة وكل شخص يقتل الآخر! وانحرفوا من الشيء الأساسي الذي قالوا انهم جاؤوا من أجله وأصبح هناك قتال وفتنة فيما بينهم.
*وماهو دليلك على ذلك؟*
- أكبر دليل على ذلك الشخص الذي كان متهماً أول معي في البلاغ (محمد مكاوي) تم قتله من قِبل حركة الشباب ولم يقتله الأمريكان أو الحكومة الصومالية. وهو ذهب من هنا واستجار بهم ليحموه فقتلوه في النهاية وقالوا: (لانه ماشي يبايع الدولة) ولذلك قتلوه. فكيف يمكن أن تبرر أمام ربنا قتلك لمسلم في أمر كهذا.. وهل إن كان يريد أن يبايع الدولة هذا مبرر شرعي لقتل مسلم؟!
*الآن هنالك شباب لا يزالوا مقتنعين بالفكر التكفيري المتطرف ويفكرون في الذهاب للانضمام لهذه الحركات في سوريا أو ليبيا فماذا تقول لهم؟*
- صحيح هنالك شباب متحمسون، لكن الواقع هناك غير الواقع الذي يتخيلونه.
*ماهو وجه الاختلاف؟*
- مثلاً هم يذهبون من هنا وفي نيتهم مقاتلة العدو ونصر المسلمين وكذا، لكن عندما يذهبون إلى هناك فإن الوضع يختلف جداً. وأنظر الآن للوضع في سوريا، وفي الصومال كذلك داعش لديها مشكلة مع الشباب والشباب لديهم مشكلة مع داعش، وفي اليمن نفس الشىء وكل واحد لو وجد أخاه يقتله، وفي ليبيا والعراق الوضع أشد، وحتى في أفغانستان طالبان وداعش يقاتلان الآن بعضهما وتركا قتال العدو الذي قالوا انهم ذهبوا لقتاله.

*نواصل..*
///////////////

 

آراء