نداء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين .. تقرير: أسعد الطيب العباسي

 


 

 



ديباجة

عالم العشَّاق والمحبِّين في السودان، عالم يذخر بالكثير من العجائب، ويرتبط بثقافة أطرافه وعقائدهم، في ظل عاطفة إنسانية سامية، تُكبِّلها أحياناً قيود المجتمع المحافظ، ومنظومة قيمه وأعرافه، أو محاذيره الدينية، فتقعد بها عن
بلوغ مداها، واستشراف آمالها وأمانيها، إلا من خلال أُطرٍ معينة، فبرز من خلال هذه التعقيدات (نداء العاشقين والمحبِّين للأولياء والصالحين)، حتى صار الأمر ثقافة وإرثاً متداولاً، تم التعبير عنه في الشعر الغنائي، خاصة فيما يُعرف بـ(أغاني البنات)، وفي الأدب القومي، وغير ذلك من فنون القول السوداني، وتواتر هذه الظاهرة يشير لِقدمها، وتغلغلها في النفوس، رغم أن البعض يرفضها، غير أن إوارها ما يزال مشتعلاً لإجازة البعض لها، ووقوف آخرين منها موقف الحِياد، وهذا ما جعلنا نسعى لتأصيلها، وإيراد نماذج لها، واستطلاع آراء رموز مجتمعية حولها من خلال هذا التقرير.
تعريف الظاهرة وأصلها
ظاهرة نداء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين، هي التوسُّل أو الاستغاثة بهم في شؤون عشقهم وحبَّهم المختلفة، والتي يتعلَّق بعضها بأسباب الهجر، أو الفراق، أو البُعد، أو إزالة العوائق، وغير ذلك مما هو معروف. وعن أصلها يقول البعض: لمَّا تغيَّرت عقائد الناس ما بعد القرن الخامس الهجري، وانتشرت أخلاط الفلسفة اليونانية مع كثير من ديانات الهندوس، وشيءٍ من النصرانية بفعل الترجمة التي تمَّت في عهد الخليفة المأمون حتى قيل: (كان الشر مأموناً قبل المأمون)، تسرب الكثير منها للناس، في شكل تعظيم لبعض الناس، وإضفاء القداسة عليهم، فعاد ما كان في العصور الأولى، منذ عهد نوح عليه السلام، لمَّا أوحى
الشيطان للناس بخصوص (ود)، و(سواع)، و(يغوث)، و(نسرا)، وكانوا رجالاً صالحين، أن آباءكم كانوا يدعونهم من دون الله تعالى فاستجابوا له، وهذه العودة بتفاصيلها القديمة صبغت عقائد الناس بصبغتها. ولما كان العاشق

يتلظَّى في هجير الحب، لم يأل جهداً في البحث عن ظل يستظل به، فلجأ للصالحين والأولياء، ولكنه كان كما قال الشاعر:

إن المستجير بعمروٍ عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار

والبعض له رأي مخالف حول أصل هذه الظاهرة، إذ يرى أنها أصل من أصول الدين، ولهم أدلة فقهية في ذلك، ويرون أنه لا تثريب على العاشق في توسُّلاته
ونداءاته للأولياء والصالحين، وأن هذا الإرث من صحيح المعتقد.
نماذج للظاهرة في الشعر الغنائي السوداني
ما يلاحظ فيما ورد من أشعار غنائية، تمثُّل ظاهرة نداء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين، أنها أقرب للفلكور منها إلى النظم المسند لشاعر بعينه، ولا شك أنها انصاعت للعقل الجمعي، والذاكرة الشعبية، كما يلاحظ أن الكثير من نماذجها مرتبط بما يسمى بـ(أغاني البنات)، ومعروف أن (أغاني البنات) هي أحد وسائل التعبير المتاحة في مجتمع موسوم بالذكورية والقهر، فعندما تغلب على الفتاة رغبتها في الزواج، ولا تستطيع أن تفصح عن ذلك، تلجأ للأولياء والصالحين كالنموذج الذي ورد فيه اسم الشيخ (أب شرا) والقائل:

جاياك.. جاياك يا اب شرا..
جاياك.. جايا أفِتُّو معاك.. يا اب شرا..
بالضرا.. بالضرا يا اب شرا..
إن شاء الله راجل مرا.. يا اب شرا..!

وقد يكون النداء مرتبطاً بالندم، أو بدعوى تصحيح الخطأ الذي أقصى الحبيب، وأوقع الفراق، كما ورد في النموذج الطريف الآتي:

يا حمد أب عطايا..
يا الفُقرا.. الراية راية..
من جِنِّي وغبايا..
فارقتا حبيب قسايا..!

ونداء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين، قد يجيء في إطار التمنِّي، وتحقيق الوصال، ولدينا نموذج نظمي لذلك، وهو:

يا شيخ البَنِيَّة..
جاياك معاي هدية..
كان في الصين تجيبو ليَّا..
يكون معاي وتِم النيَّة..!

الحب يثقل القلوب، فتنوء بمشاعر يصعب تحملها في بعض الأحيان، وفي ظروف الكبت وعدم القدرة على الافصاح، تبدو للمرئ وكأنها عِلَّة تتطلب العلاج، وهذا ما عبَّر عنه هذا النداء:

يابا الشيخ الطيِّب
أكتب لي حِجيِّب
لقلبي المِغيِّب
أريتو يبقى طيب

وقد وقعنا على نموذج آخر لأوجاع الحب تتم فيها المناداة، وهي مناداة عاشق أضرَّ به الهوى، وقد نُسب هذا النداء للفنان الراحل النعام آدم، يقول:

النعام جِنَّك ده خَلُّو
يا أهل الله البِصلُّو
قيدي مشبوك كيف حلُّو
وجعي ما معروف مَحلُّو..!

وتتعلق غالبية نداءات المُحبِّين للصالحين بالوصال ودنو الحبيب، ولم يسلم الشيخ السُنِّي من هذه النداءات، إذ جاء في نظم غنائي جهير قولهم:

يا بويا يا السُنِّي
السُنِّي طمِنِّي
بجافي ليك أهلي
وبسكن معاك مدني

وعندما تتحقق أسباب الهجر والفراق، يجد العاشق نفسه ما بين العَبْرَةِ والدمعة، فتهاجمه الآلام، وتضعف نفسه، فتهفو لنداء الأولياء والصالحين، وهذا ما وقعنا عليه في أغنية الراحل عبد العزيز محمد داؤود (يا دمعي الاتشتت) وفيها يقول:

يا دمعي الاتشتت
دمعي الغلب اللقاط
يا سيد ريدي.. وسيد روحي
أشكو ليك انتَ جروحي
يا سيد روحي.. ردَّ ليَّا روحي
بس أقول يا بر يا أبو البتول
يا جليس.. يا الساكن السور
يا دمعي السرا بلاني
الحبيب فات وخلاني
خلاني أشكو آلامي
حبيبي يا الفراقك حار
أسير حبك أنا ليل ونهار

نماذج للظاهرة في الأدب القومي السوداني

ظاهرة نداء العاشقين وا‎لمُحبِّين للأولياء والصالحين لا تعتبر في السودان أدباً نسائياً، إن جاز التعبير، وقد رأينا قبل قليل نموذج النعام آدم، على أننا قد وجدنا في الأدب القومي مسرحاً عربدت فيه نداءات الرجال من أهل العشق للأولياء والصالحين، ونموذج الأدب القومي يختلف عن سابقه في أنه لا يُعد فلكلوراً، حتى ولو لم ينجح رواته في نسبته إلى شاعر محدد، ومن النماذج الواضحة التي تتناسب مع طرحنا، بعض الأشعار التي قالها الشاعر القومي أحمد
محمد تيراب في محبسه، فعندما غمرته ذكريات النهيض، واشتدت به الأشواق لمحبوبته، خاطب شيوخه طالباً الخلاص والدنو من ديار المحبوبة بجمله القوي فقال:

إنتو عوووك يا أهل البنايا النَدَّر
تقيفوا على أنا مردوم بالحديد ومجنزر
عقيلة نافع الندوة أم خريفا بَدَّر
ندنو بلودها بالكلس البزوم ومهجَّر

وها هو تيراب العاشق في سجنه أيضاً يعود ويجدد استعطافه وتوسُّله للأولياء، أهل السبحة واللألوبة، لانقاذه من سجنه، وإنهاء أيام فراقه لمحبوبته ذات الشعر الغزير، فيقول:‏

مقطوعة النصيب المِن البنات مسلوبة
هانونا النجوس فرقونا من بكرة جهينة أم روبة
أنُقرُوا البيَّا يا أهل السبحة واللألوبة
وحلحلوا قيدي من سجن التعايسة النوبة

وليس الشاعر ‎عبد الباقي‏ (ود أم‏ سيَّالة)‏ أقل‏ توسُّلا‏ً من‏ شاعرنا‏ تيراب، فقد نادى شيخه الصالح حِجير جبرة من أجل محبوبته الدعجاء ذات الشعر المسدل والخصر المضمَّر فقال: ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

حجير جبرة.. أبوي الليلة أقيف واتشمَّر
لنخل الروبو جرجر شال ثمار واتعمَّر
مكلوف دنقلا.. الخلا القلب يتهمَّر

أخدر لونو أدعج.. ومن فؤادو مضمَّر

وعندما حملت المراكب محبوبته بعيداً، وعادت فارغة، شعر (ود أم سيالة) بأسى عظيم، أسال دماء كبده، فأخذ ينادي شيخه حِجير جبرة، ويشكي له حال عشقه فقال:‏

حِجير جبرة..
أبوي مراكب سبعة شالنُّو وجن كاتات
وجوز الوِز رطن في غُرة الموجات
يا حجير جبرة.. أبوي موز الجناين فات
وجروح الكبدة متباريات ودَمِيها شتات

آراء حول الظاهرة

استطلعنا عدداً من الآراء، حول ظاهرة نداء العاشقين والمحبين للأولياء والصالحين، واخترنا لها بعض رموز المجتمع، للتعبير عن الأفكار المختلفة عنها، تاركين الحكم للقراء الأعزاء.

فضيلة الشيخ عثمان عبد الله الحبوب
أولاً.. أنا سعيد بهذا الطرح الجيد والمفيد، فالصحافة ولجت لكل البيوت، وأثرها لا يخفى على أحد. وأود ثانياً أن يؤخذ رأيي في هذا الأمر على أنه حكم عام، لا يجب تنزيله على أحد، فدعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شِرك، لأن التوسُّل ينقسم لقسمين، توسُّل مشروع، وتوسُّل غير مشروع، والتوسُّل المشروع ينقسم لثلاثة أنواع، أولها التوسُّل بأسماء الله وصفاته، لقول الله تعالى: (ولله الأسماء الحُسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون سيجزون ما كانوا يعملون). وثانيهما هو التوسُّل إلى الله بالعمل الصالح، وأخيراً التوسُّل بدعاء أحد الصالحين، بشرطين هما أن يكون حياً، وأن يكون حاضراً. عدا هذه الأنواع فهو التوسُّل غير المشروع، ومنه ما هو شِرك أكبر، وما هو شِرك أصغر. وأعود لمبتدر حديثي، مكرراً أن هذه أحكام عامة، لا ينبغي تنزيلها على أحد، كرميه بالكفر، إلا إذا تحققت الشروط، وانتفت الموانع. عليه لا أجيز نداء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين.
الأستاذ قُصي مجدي سليم ـ كاتب

التوسُّل بالأولياء والصالحين هو من أصل أصول الدين، إذ يقول سبحانه وتعالى:
(الرحمن فأسل به خبيراً). ولقد كان الصحابة يتوسُّلون برسول الله (ص) ويتبرَّكون به، ولقد ورد في الصحيح عن حديث سهيل بن عمرو، أن الصحابة كانوا يقتتلون في فضلة وضوئه (ص). ولقد ورد أيضا أنهم توسُّلوا بالعباس، كما ورد في حديث سيدنا عمر بن الخطاب الشهير: (اللهم كنَّا نستقي برسول الله، وهذا عم رسول الله). والأدلة في ذلك كثيرة، ولكن يجب الإنطلاق أولاً من مبدأ أن فاعل الأشياء كلها، كبيرها وصغيرها، هو الله، وأن التوسُّل بأوليائه لا يقوم إلا لأنهم أكثر علماً وقُرباً من الله. أما الذين يعارضون التوسُّل بالأولياء والصالحين، فنجدهم لا يستنكفون الذهاب للطبيب، ولو كانت حجَّتهم صحيحة لانتظروا في بيوتهم ليشفِهم الله، ولكنهم يؤمنون بالعلم المادي، ولا يؤمنون
بالعلم الروحي. قال تعالى: (وعد الله لا يُخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون* يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون).
العاشق بطبعه مؤمن، وإلا لما تعلَّق بمعشوقه، فهو لإيمانه بالوصل يقبض على الجمر. عليه أرى أنه لا تثريب على ما ورد في التراث من أشعار، بما فيها من توسُّل العشاق والمُحبِّين بالأولياء والصالحين.

المربي الشيخ مدثر محمد عثمان أبو المقداد

من مقتضيات الإيمان، أن تؤمن بأن الله تعالى يكرم أولياءه بصنوف الكرامات ـ أثبتن للأولياء الكرامة ومن نفاها فأنبذن كلامه ـ قال تعالى: (ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون* لهم
البُشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم). وقال تعالى: (فتقبلها ربها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتاً حسناً وكفَّلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنَّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق بغير حساب). ولكن هذا لا يسوِّغ أبداً دعاءهم من دون الله تعالى، إذ الدعاء عبادة لا يجوز صرفها إلا له سبحانه، قال تعالى: (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). وقال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون). وقد نعى الله على فاعل ذلك، فقال: (قل إدعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر
عنكم ولا تحويلا* أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا). وكل شيء دون الله، ولو كان مَلكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو ولياً صالحاً، وقد قال تعالى في شأن النبي (ص): (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون). عليه، ولِما ذكرنا، فلا يجوز نداء أو توسُّل العاشقين والمُحبِّين
بالأولياء والصالحين.

الأستاذ إسماعيل إبراهيم علي ـ جامعة النيلين ـ باحث يحمل شهادة الماجستير في علوم التصوف

كثير من العلماء جوَّزوا الدعاء والتوسُّل بالأولياء والصالحين، مستندين على أدلة من الكتاب والسُنَّة، كقوله (ص) في الحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري: (من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرا وبطرا أقبل الله عليه بوجهه).
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا إنفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فلينادي: يا عباد الله احبسوا، يا عباد
الله أحبسوا، فإن لله عز وجل في الأرض حاضراً سيحبسه). رواه ابن السني.
وكذلك حديث سيدنا عمر رضي الله عنه المعروف عن التوسُّل بسيدنا العباس عم رسول الله (ص) في الاستستقاء، والمقام هنا ليس مقام تفصيل، وبحث، وإثبات، ولكن للمزيد يمكن للمتلقي الرجوع لبعض المصادر، ككتاب (مفاهيم يجب أن تُصحح) للعلامة المالك العلوي، وكتاب (الحاوي للفتاوي) للإمام جلال الدين السيوطي، وكتاب (التوسُّل) للدكتور حسن الفاتح، وغيرها من المصادر، ومن المهم أن نذكر أن القادر على كل شيء، هو الله سبحانه وتعالى، وأن أولياءه هم أقرب إليه منَّا، وبهم ربما يتم القبول، وليس من الجائز خلع صفات الخالق وقدرته عليهم، ولكن الاستغاثة بهم جائزة ومشروعة، وهو أمر ينطبق على نداء العاشقين
والمُحبِّين للأولياء والصالحين.‎
الأستاذ سعد الدين إبراهيم ـ رئيس تحرير صحيفة (الجريدة)

أولا أقول لك: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، فأنا لا أستطيع أن أفتي لك، إن كان دعاء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين هو أمر جائز شرعاً أم لا، فهذا ميدان له رجاله وعلماءه ،ولكن الأمر المؤكد أن مسألة الدعاء
والإستغاثة بالأولياء والصالحين، كان فينا منذ زمان بعيد، وتجد في كل أرجاء السودان أن الأضرحة والقِباب منتشرة بصورة واسعة، وأن من يسكنها هم من يعتقد الناس في ولايتهم أو صلاحهم، وهم من يخصهم البعض بطلب الاستعانة أو الاستغاثة، ولا شك أن للعاشقين والمُحبِّين في شأن عشقهم أو حبهم نصيب مقدر من تلك المعضلات، خاصة الجانب الأضعف في تلك العلاقة، وهي الأنثى التي لا تستطيع أن تعبِّر بشكل مباشر وقوي عن معاناتها في شؤون الحب في المجتمع السوداني، ولا تستطيع في الغالب أن تبادر به، فأخذت تعبِّر عن ذلك بفنِّها، وأدائها الشعري البسيط والمؤثر، كقولها:

يا يابا سنهوري
أنا عايزاك ضروري

أو قولها:

سألت ليك أب شرا
واهل الحرازة الورا

وغير ذلك من هذا الضرب، وأختم بالقول: إن أمر العاشقات ومعاناتهن قديم في التراث العربي، وقد يكون قول الشاعرة عُلَّية بنت المهدي هو تعبير صادق عن ذلك، فقد قالت:

كتمت اسم الحبيب عن العباد
ورددت الصبابة في فؤادي
فوا شوقي إلى واد خلي
لعل باسم من أهوى أنادي

الأستاذ ناذر محمد الخليفة ـ كاتب صُحفي
لا أود أن أصبغ إجابتي بالأيديولجيات، وإن كنت أرى ثمَّة علاقة بين الفن والصوفية، وكمدخل.. أود أن أعيد للذاكرة القصة المتداولة والشهيرة، والتي كان بطلاها الصوفي والعالم الإسلامي الشيخ قريب الله أبي صالح، والفنان
المعروف كرومة، والذي كان يتغنَّى في حفل لا يبعُد عن دار الشيخ قريب الله في ود نوباوي بأغنيته (يا ليل أبقالي شاهد)، فأرسل في طلبه، وطلب منه عندما أتاه أن يعيد الأغنية على مسامعه، وقيل إن الشيخ قريب الله أغمى عليه عدة مرات تأثراً وهو يستمع إلى الإغنية، وبعد نهاية الأغنية قال الشيخ قريب الله: (يُغني المُغني.. وكل يُناجي ليلاه). وعلى كلٍ لديَّ رأي فيما يتعلق بنداء العاشقين والمُحبِّين للأولياء والصالحين، والذي رسخ إلى حد ما في الفن الغنائي والشعر، وكاد يكون تراثاً تتناقله الأجيال وتضيف إليه، والرأي عندي أن البُعد الإيماني والمعتقدي المحض، خاصة لدى الأجيال الجديدة، غير مقصود
في ذاته، فعندما ينادي شاعر، أو عاشق، أو مغنٍ ولياً، أو صالحاً، أظن في أغلب الأحيان أنه لا ينطلق من أبعاد إيمانية، بل جُلّ ما يتقصده، هو استدعاء شيء وجداني، تربَّى عليه داخل مجتمعه، لبيان عجزه عن تحقيق مقاصده العاطفية، واضعاً مسعاه، ومُسنداً آماله وأمانيه لشخص مقبول، تظن الأطراف به خيراً، ويُعتقد فيه الصلاح، وهناك أمر أود أن أضيفه أخيراً، وهو استنكاف واستقباح ذكر لفظ
الجلالة، سواء في الأغاني، أو العلاقات العاطفية.

الشاعر الياقوت عبد الماجد علي (تميرة)

ختمنا استطلاعنا بالشاعر المصرفي الياقوت عبد الماجد علي (تميرة)، والذي قال إن رأيه هو عدم جواز دعاء العاشقين للأولياء والصالحين، ولكنه في ذات الوقت يكِنُّ احتراماً عميقاً لشيوخ الطرق الصوفية، واقترح أن يشارك بقصيدته الشهيرة (شيخ وحوار)، والتي تعبِّر عن هذا الاحترام، والتي يقول فيها:

يا شيخي المتمدد في مصلاتك
وعاشق ضل القُبة
ومادي كراعك قدر مقامك
تضحك كاشف سر اللعبة
وعارف انو اصحاب الفيل تاني اجتمعوا
قالوا يهدو الكعبة
وما همَّاك لسه دواك
موية الحرجل.. مديدة الحلبة
فات الزمن الفيهو السُنبل بحمل مية حبة
جانا الزمن الأشتر.. خسر حتى ضمير التُربة
ويُوت بترقِّع في جلبابك.. لما اتغيَّر لون الجِبة
إلا الجِبة اليِبْسَت فوقنا.. لا بتتغير لا بتترقع
وكل ما تضيق الحالة البينا
آمالنا بالبركات تتوسع
نقول البركة الفيك اتمحقت
وللا الرحمة البينا اتسرقت
الصبر آ خلِق.. الدنيا ما اتلحقت
قِصرت روحنا الكانت سَلَبَة
ادينا الفاتحة..
يا خلينا نشحد نحاكي الحَلَبَة

اسعد العباسي <asaadaltayib@gmail.com>

 

آراء