نساء في مرمي البندقية كتاب يروي ويوثق لنساء طالهن التهميش

 


 

 

حوار مع إحسان عبدالعزيز الجزء الاول (1_2) نقلا عن صحيفة الايام

أجرت الحوار الاستاذة إيمان الحسين:
نساء في مرمي البندقية كتاب يروي ويوثق لنساء طالهن التهميش.. ناضلن وكافحن من اجل قضاياهن ، تناول عبر فصول متعددة تجربة تحكى عن هؤلاء النساء، دارت فصول هذه التجربة فى شرق السودان بالمناطق التى كانت تقع تحت سيطرة التجمع الوطنى الديمقراطى وهى ما عرفت بــ (الاراضى المحررة) فى تلك المرحلة.. أى قبل إتفاقيات السلام وعلى رأسها نيفاشا، احسان عبدالعزيز مؤلفة الكتاب وواحدة من هؤلاء النساء ومن اللائي وضعت بصماتها في العمل النقابي والسياسي بالداخل والخارج، فكان لنا معها هذا الحوار عن تلك الفترة من حياتها، وإلقاء الضوء على فصول الكتاب.

حوار : إيمان الحسين
س/أستاذة إحسان.. ماذا عن تجربتك كممثلة للنقابات بدولة ارتيريا لمدة 13 عام وامين عام للتجمع النسوي الديمقراطي السوداني بالاراضي المحررة شرق السودان واسمرا؟
شكرا لهذا اللقاء واتمني ان تكون حصيلته بقدر اهتمامكم.. فالتحية لك أستاذه إيمان ولصحيفة الايام الغراء.
بالنسبة لتجربتي النقابية.. لم تبدأ بإرتيريا.. ارتيريا قضيت فيها الفترة من 1995م-2007م أى ما يزيد عن الـ 12 عاماً.. ولكن بدأت العمل النقابي منذ الحركة الطلابية فى ثمانينات القرن الماضى، وكنت من المؤسسين لمؤتمر الطلاب المستقلين بالجامعات المصرية حيث درست بجامعة الزقازيق، بعد التخرج تم تعيينى في مارس 1985 بوزارة الزراعة بالدامر، صادف ذلك ارهاصات انتفاضة مارس أبريل وشاركنا فيها، بعد نجاح الانتفاضة مباشرة تم اعادة انتخاب النقابات التى كانت محظورة طوال فترة الحكم العسكرى الشمولى لنميري بعد أن تم حلها، تمت اعادة بناء النقابات للفترة الانتقالية وكنت ضمن قائمة المستقلين فى إنتخابات نقابة المهندسين الزراعيين.. وتم انتخابي السكرتير العام للهيئة النقابية بالولايه الشمالية وفرعية الدامر، وبعد إنتهاء الفترة الانتقالية فى 1986م أعيدت الهيكلة العامة للنقابة وظللت أشغل ذات المصب بجانب عضويتى بالمؤتمر العام للمركزية.. ثم حدث إنقلاب الانقاذ فى يونيو/1989 فكانت من اول قراراته حل جميع النقابات، وبالتالي تم حظرها، ثم قامت نقابات المنشأة الموالية للنظام والتى ما زالت تقبض بخناقها على الحركة النقابية، في هذه الفترة ولعدة مضايقات تمت ممارستها ضد النقابيين غادرت السودان في أغسطس 1995م ولحقت بزوجى والذى كان يعمل فى البحوث الزراعية بدولة إريتريا منذ العام 1984م، غادرت بإجازة دون مرتب لمدة عامين، وفي 1996م تمت إحالتى للصالح العام في كشف تم تسميته بــ ( وظائف خارج الهيكلة ) كمصطلحاً جديداً ابتدعوه بدلاً عن الصالح العام وبدلا عن فائض العمالة التى قوبلت بسخط عام واسع النظاق داخلياً وخارجياً.. كان عدد المحالين قرابة الـ (200) زراعى، شمل الكشف رفاق عملوا قرابة العشرين عاماً.. فكيف قضوا كل هذه السنوات خارج الهيكلة!!! عموماً.. ذهبت الى اسمرا حيث كان يعمل زوجي وهو ايضا كان من بين المحالين ضمن هذه القائمة.. هذا فيما يخص العمل النقابى .
أما تجربة التجمع النسوى.. فأعتبرها تجربة ثرة وغنية، تعرفت عبرها على واقع مختلف لنساء يعشن ظروفاً قاسية فى مجتمع يعانى التهميش والنسيان عبر الانظمة المتتالية التى حكمت السودان وبالتالى تعانى المرأة تهميشاً مركباً فبالاضافة للتهميش العام للمنطقة تعانى التهميش الذى يفرضه عليها المجتمع عبر عادات ضارة وتقاليد قاسية، كانت بداية هذه التجربة.. إذ شاركت فى عمل لجنة تسيير إنعقاد مؤتمر التجمع النسوى في مارس/ 1998م بمبادرة من التحالف النسوى/ قوات التحالف السودانية وعلى رأسه الراحله المقيمة وداد صديق الامين لها الرحمة والمغفرة، و د.ندى مصطفى، وإنعقد المؤتمر التأسيسى فى مايو98م وأنتخبت فيه أمينا عاماً للتجمع النسوى كنقابية وكشخصية مستقلة، شاركت فى المؤتمر بورقة عمل عنـ (الحركة النقابية ودورها فى الحركة الوطنية).. بعدها تم تفويضى لتمثيل النقابات بدولة اريتريا من قبل المجلس العام للنقابات بالخارج وكذلك من المجلس بالداخل.. وبهذا ألتمثيل أتيحت لى الفرصة للمشاركة الرسمي في كل فعاليات التجمع الوطنى باسم النقابات وكذلك فى العمل النسوى، وكما ذكرت إنتخابى كأمين عام للتجمع النسوى سبق تمثيلى للنقابات، التجمع النسوي كان يضم نفس فصائل التجمع الوطني وهى الحركة الشعبية لتحرير السودان، الاتحادى الديمقرطي، حزب الامه، التحالف الوطنى- قوات التحالف السودانية، مؤتمر البجا، التحالف الفيدرالي، الحزب القومى السودانى، الاسود الحرة، القيادة الشرعية، بالاضافة للنقابات.. ثم إنضمت للتجمع الوطنى أخيراً فى 2004م حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور ومنى اركو مناوى قبل إنشقاقهما، جميع هذه الفصائل كانت ممثلة في التجمع النسوي، وكما ذكرت إنعقد المؤتمر الاول للتجمع النسوي في مايو 1998م واول رئيسة له كانت احسان السني ولكن للاسف لمدة شهرين فقط، إذ حدثت خلافات أدت الى إعادة هيكلة التجمع النسوى، الخلافات حدثت بسبب محاولة الحزب الاتحادى الديمقراطي السيطرة على عمل المرأة وتقييدها بفرض سياسات تقلل من دور المرأة وتجعلها تابعة للتجمع الوطنى تبعية عمياء.. فرفضنا ذلك كنساء، وفي اغسطس من نفس العام عندما تعقدت هذه الاشكالية قمنا فى المكتب التنفيذى بتقديم إٍستقالات جماعية لهيئة قيادة التجمع النسوى من قبل جميع الفصائل باستثناء ممثلات الاتحادى الديمقراطى.. رفضت الاستقالات من هيئة القيادة وقامت بحل المكتب التنفيذى وإعادة هيكلته في فبراير 1999م حيث تم انتخاب مكتب جديد برئاسة الاستاذة سعاد الطيب حسن من حزب الامة القومى، وأنتخبت مرةً أخرى أمين عام للتجمع النسوى.. وغاب الاتحادى الديمقراطى عن هذه الانتخابات وتواصل غيابه بعد الانتخابات حتى تم فصل ممثلاته بنص اللائحة من هيئة القيادة، كانت هذه هى بدايات التجمع النسوى.
س/هل كان للخلافات الحزبية اثر في تيسيير العمل بالتجمع النسوي خاصة وقد بدأت منذ نشأته كما تفضلتى؟ وهل أدى ذلك الى عدم استمراريته؟
بالتأكيد الخلافات كان لها أثر سلبى فى البدايات المتعثرة، ولكن سرعان ما أستطاعت النساء تجاوز ذلك خاصة بعد إنتخاب المكتب التنفيذى الثانى كما ذكرت بقيادة المرأة القوية الجسورة الاستاذة سعاد الطيب حسن وخروج الاتحادى الديمقراطى عن هيئة القيادة والمكتب التنفيذى..
بالنسية للشق الثانى من السؤال.. نعم إستمر التجمع النسوى وظل قوياً لاكثر من تسعة أعوام ومثال يحتذى به فى تضامن النساء وتوحدهن لاجل نصرة قضايا المرأة السودانية وحقوقها..
كانت هناك تجارب أخرى لتجمعات نسوية فى مصر وفى لندن ولكنها لم تستمر بسبب الخلافات ومحاولة سيطرة الاحزاب التقليدية عليها.. ولكن تجمع شرق السودان وأسمرا إستطاع أن يصمد ويحقق أهدافه حتى نهاية فترة التجمع الوطنى بالخارج وعودته الى الوطن بعد إتفاقيات السلام كما أسلفت.
فبالاضافة لقضية الخلافات التى تم حسمها من البداية وأجهتنا قضية أخرى ترتبط بعضوية الحزب بأسمرا.. كانت اولها خروج حزب الامة من التجمع الوطنى فى العام 200م، وحزب الامة كما ذكرت كان داعماً قوياً لعمل المرأة وللتجمع النسوى وقدم لنا نساء قويات وفاعلات فى قيادة ذلك العمل، فبالاضافة لسعاد الطيب كانت نادية مصطفى وقد تراست اول فرعية للتجمع النسوى بمعسكر اللاجئين بهيكوتا وكانت من المؤسسات للتجمع النسوى وكذلك ألهام على كانت عضوة بالمكتب التنفيذى، وعملت معنا فى كثير من الفعاليات والنشاطات السيدة حفية المامون زوجة السيد الصادق المهدى وكذلك السيدة فاطمة على زوجة الدكتور عمر نور الدايم له الرحمة.. وعدد من نساء حزب الامة لم تسعفنى الذاكرة الان بهن جميعا.. خروج حزب الامة من التجمع الوطنى سبب تراجعاً فى نشاطات التجمع النسوى بالاضافة لقضية الهجرة وإعادة التوطين باوربا وأمريكا والتى ذهبت على متنها عدد من النساء القياديات من هيئة القيادة ومنهن سلوى جاكوب من الحركة الشعبية ومريم خاطر من التحالف الفدرالى والهام على من حزب الامة والراحلة وداد صديق من قوات التحالف السودانية ودكتورة أميرة هلال زاهر من الحزب الشيوعى.. وأخريات من أميز وأبرز القيادات بالتجمع النسوى.. وبالرغم من ذلك ناضل التجمع النسوى وواصل مسيرته حتى النهاية.
س/ لماذا يرتبط خروج حزب من التجمع الوطني بخروج ممثلاته من التجمع النسوي.؟
أبداً لم يرتبط ولكن.. فى بداية الامر قمنا بعمل اجتماع وقررنا فيه إستمرار عضوية نساء حزب الامة بالتجع النسوى باعتبارنا كيان له خصوصيته، ولكن وّجهنا بالنظام الاساسى والذى ينص على أن عضوية التجمع النسوى للمقيمات باريتريا والاراضى المحررة وبالتالى بعد مغادرة عضوات حزب الامة لاسمرا سقطت عضويتهن بنص اللائحة، ولكن العضوات المتواجدات بالاراضى المحررة ظلت تحتفظ بعضويتها فى التجمع النسوى حتى النهاية.
س/ إذن كيف تواصلت إستمرارية التجمع النسوى وأنت تتحدثين عن خروج معظم القيالدات بخروج حزب الامة وبسبب الهجرة؟
نعم.. تمت بعالجة ذلك بنقل رئاسة التجمع النسوى وهيكله القيادى الى الاراضى المحررة.. فقبل مغادرة الاستاذة سعاد الطيب لاريتريا ناقشنا هذه القضية وتوصلنا الى أهمية نقل قيادة التنظيم الى الاراضى المحررة بدلاً عن أسمرا، وبالفعل في سبتمبر 2002 تم قيام المؤتمر الثاني فى منطقة كرباويب بالاراضي المحررة، وكانت هذه نقلة للعمل الى مكانه الصحيح حيث النساء والقواعد النسائية العريضة لسكان المناطق، تمّ قيام المؤتمر بدعم مالى من الامين العام للتجمع الوطنى الرفيق باقان اموم، المؤتمر كان نقلة حقيقية فى مسيرة التجمع النسوى، كان ناجحاً فوق المتوقع خاصة فيما يخص نسبة حضور العضوية من الاراضى المحررة كمناطق عرفت بعزلها للنساء فى قرى منفصلة عن الرجال.. ومما أسهم فى نجاح المؤتمر أيضاً هى المشاركة الفاعلة للقيادات الميدانية للتجمع الوطنى وهيئة قيادته بالاضافة للادرات المدنية بتلك المناطق.. مثل هيئة قيادة التجمع الوطنى والقيادة العسكرية الميدانية القائد عبد العزيز خالد، ومن المكتب التنفيذى للتجمع الوطنى الاستاذ عبد الله كنه، بالاضافة لممثلين من كل القيادات الميدانية والسياسية لفصائل التجمع الوطنى.. كانت لهذه المشاركة الكبيرة بقيادات الصف الاول للتجمع الوطنى دعماً معنوياً كبيراً خاصة فى ظل الضغوط الذى كان يفرضها الحزب الاتحادى الديمقراطى على التجمع النسوى.
هذا النجاح لم يأتى من فراع.. بل جاء نتيجة جهد كبير قامت به لجنة التسير والاعداد للمؤتمر الثانى، إذ قامت اللجنة والتى كلفت برئاستها بعمل طواف شمل معظم قطاعات وقرى الاراضى المحررة لاقناع الرجال قبل النساء بأهمية المشاركة فى المؤتمر لعلمنا بأن قناعة النساء لا تأتلى إلا عبر قناعة أزواجهن فى مناطق لم تخرج فيها المرأة من قبل خارج أسوار قراها المعزولة.. وبالفعل بدأنا بأعضاء الاداراة المدنية وفى مجملهم ينتمون لمؤتمر البجا، ساعدتنا قيادات بارزة فى ذلك، وبالفعل نجحنا فى إقناعهم وقاموا بدورهم باقناع النساء، وفى زيارات لاحقة خاطبنا النساء مباشرة وكان عملاً موفقاً.
وبالفعل نجح المؤتمر بصورة كبيرة وشاركت النساء فى مناقشة مشكلهن خاصة فيما يخص مشاكل الحمل والولادة ونسبة الوفيات العالية التى تحدث أثناء الوضوع مع عدم توفر المراكز الصحية والعلاجية.. ساعد فى ذلك توفير الترجمة الى لغة (البداويت) التى يتحدث بها الاغلبية، وفى نهاية المؤتمر أنتخبت الاستاذة سميرة إدريس القيادية بمؤتمر البجا والمقيمة بالاراضى المحررة رئيسة للتجمع النسوى، كما جاءت جميع عضوية المكتب التنفيذى من المقيمات بها باستثناء منصب الامين العام الذى أنتخبت له للمرةً الثالثة.. وفى إطار الدعم المستمر للرفيق باقان أموم تفضل بتخصيص مكتب للجمع النسوى بمقر الامانه العامة للتجمع الوطنى.. و تواصل العمل واستطعنا تكوين فرعيات متعددة بالاراضى المحررة وعلى رأسها، كرباويب، شقلوبة، خور ملح، بالاستاف، قرورة، تلكوك وهمشكوريب.. واستمر التجمع قوياً فاعلاً حتى نهاية المرحلة وانتقال التجمع الوطنى الى الداخل.
يتبع فى عدد قادم

 

آراء