نظام البلطجة

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

Abdelmoniem2@hotmail.com

على مدي التاريخ وصف المفكرون أنظمة الحكم التي تكوّنت وأطلقوا عليها الأسماء الدّالة على طبيعتها. وقد أضافوا حديثاً في علم السياسة مفهوم دولة حزب العصابات، وهو الحزب الذي يستخدم موارد الدولة ليحافظ على سلطته، ووصفوا بها حزب المؤتمر الوطني. والمعني أنّ مثل هذه الحكومات تقوم على تحالفات مع منظمات مجرمة تتبادل معها المنافع ولا تتورّع عن تصفية منافسيها بكل السبل.

وواقع الأمر أنّ مثل هذا النظام هو السائد في العالم، حتى في الدول التي تدّعي الديموقراطية وتطبقها، وأقرب مثال هي الولايات الأمريكية المتحدة، ولكن الفرق بينها وبين الدول ذات النظام الشمولي هو سيادة القانون، والسريّة والحرفية التي يتم بها تطبيق تبادل المصالح، مع الحفاظ على المؤسسات والمظهر العام الذي تدّعيه الدولة. إذاً الفرق فرق درجة بين النظم لا غير؛ إذ أنّ المصلحة هي التي تحدّد المعاملات والقرارات لا المبادئ وساذج من يظنّ غير ذلك.

ولكن إذا تأمّلنا في طبيعة نظام الحكم الحالي في السودان فسنجده نسيج وحده لا تنطبق عليه أيٍّ من أسماء علم السياسة، فهو لا يقوم على شرعية ويدّعيها في نفس الوقت بقانون وضع اليد والأمر الواقع، وفيه رئيس مجلس سيادي من المفترض أن يكون منصبه تشريفي، ولكنّه يمثّل رأس الدولة التنفيذي فيعيّن ويفصل ويصدر من القرارات ما يشاء بغير دستور حاكم، أو رئيس للقضاء أو نائب عام حتى وقت قريب. وهناك مجلس وزراء بدون رئيس وزراء، ونظام الحكم غير واضح هل هو برلماني أم رئاسي، ولا يوجد برلمان، بل كانت هناك فترة حُلَّت فيها الحكومة وواصل بعض الوزراء أعمالهم كأنَّ شيئاً لم يحدث.
وتري جيوشاً تحتلّ السودان تتنافس المناصب، وتروّع الناس، وتقتل الشباب والشيب لأتفه الأسباب أو لغير سبب كأنّها تتسلّي بالصيد، ولا محاسبة ولا اعتراض من المجلس السيادي.

ومع ذلك ينشط التهريب والعلاقات المشبوهة، ويزداد التدهور في القيم والمعايش.
إنّها حالة من العبث لم يسبق لها مثيل من فبل في التاريخ حتى في أسوأ تجلياته كأنّه كابوس طويل لا نهاية له. إنّ أنسب وصف لمثل هذا النظام هو نظام البلطجة لأنّ الذين يديرون شأنه بلطجية ليس لديهم قيمة للنفس الإنسانية، ولا يعني إزهاقها شيئاً عندهم، حيث الغلبة والغنيمة والنهب والسلب هم المبادئ، فهم بلا مبادئ سامية ولا أخلاق حسنة، يفعلون ما يريدون بلا رقيب أو وازع أو قانون، حيث الغاية تبرّر الوسيلة.
ولكن الأرض لله يورثها لمن يشاء من عباده الصالحين.

فيا أيّها المحايدون والمتفرجون ليس هذا زمان حياد وفرجة، فهذا زمان واجب وجهاد للباطل ونصرة للحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق، والآمر بالباطل شيطان مخزي، والمنفّذ للباطل شيطان ملعون، فتخيّروا مجالسكم من النار.
ودمتم لأبي سلمي

 

آراء