نظرة أولية على اتفاق جدة.. مطالب مدنية مشروعة

 


 

 

قد لا يحتاج المراقب و القارئ لكثير من الجهد كي يدرك أن إتفاق جدة الموقع بين القوتين المتحاربتين أنه إعلان حسن نوايا Good Intent تجاه رعاة الإتفاق (أمريكا والسعودية) أكثر منه تجاه المعنيين أو المتأثرين بالصراع(جموع المدنيين).
كما أن الواضح أيضا أن طرفي القتال لا يعبآن لحياة المدنيين بما يكفي، حيث أن القتلى والخسائر من المدنيين وصلت لأرقام مفزعة، وللأسف الشديد بينهم أطفال..
إن الإتفاق الذي وقع بجدة للأسف قد بدد كل بارقة أمل كانت تبدو محتملة أن هنالك مفاوضات تقود لصيغة واضحة بإنهاء الحرب، حيث جاء الإتفاق كخطوة لوقف إطلاق النار (هدنة) في ظل تغييب الجانب المدني المتضرر الحقيقي وهذا أمر لا يبعث على كثير من التفاؤل لأنه محض إتفاق بين " مفترسين" لالتهام الضحية... وحتى يكون لذلك الحوار معنىً مباشراً في حياة المدنيين يجب ألا يتركز فقط على فكرة فتح ممرات آمنة، فهذه الأخيرة فوق أنها تعني "هدنة" وتواصل تموقع الأطراف المتحاربة في أماكنهم (داخل المدن) لحين استئناف القتال أو حتى خرق الهدنة التي باتت السمة المميزة لطريقة القتال، فإنها لا تحمل معنىً واضحاً نظراً لتداخل الممرات في المدن، هذا فضلا عن القذائف والطلقات الطائشة التي لا يتحكم فيها أحد وهي التي أوقعت كل ذلك الكم المخيف من القتلى وسط المدنيين بتهاويها على رؤوسهم ورؤوس مساكنهم.
واضحٌ أن الإتفاق قد اعتمد في معظم نصوصه على القانون الدولي الإنساني IHL وهذا أمر مهم ومحمود في ذاته غير أنه اغفل نقطة مهمة وهي واقع الحرب التي تدور داخل المدن لذلك كانت الخسائر في اوساط المدنيين بهذا الكم المهول... عليه وطالما كانت الميزة الأولية لهذا الإتفاق هو فحوى القانون الدولي الإنساني منه انطلق وإليه عاد كان يتوجب ومن منظور القانون الدولي الإنساني نفسه إعلان الخرطوم والأبيض والجنينة وكافة أماكن تواجد المدنيين (مواقع مجردة من وسائل الدفاع Non - defendant locality) بحسب المادة 59 من البروتوكول الإضافي الأول والقاعدة 37 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، حيث تستوفي هذه المواقع أبرز اشتراطات حماية الاعيان والمرافق المدنية وهي بطبيعة الحال لا تمثل بأي صورة من الصور أهدافا عسكرية لأنها لا تساهم في الأعمال العسكرية. كما أنها تحيل لضرورة أن يكون القتال خارج هذه المواقع- الأماكن المدنية - يعني في (النقعة).... ففي واقع الأمر أن المتحاربين ومنذ إندلاع الحرب يجرون كل عملياتهم العسكرية وبكل عنفوان داخل المدن وبكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة وفي هذا تجاوز لكل قوانين الحرب التي خُلق القانون الدولي الإنساني لمراعاتها.
في الختام و بعد كل ما تم حصده من دمار وخسائر بشرية ومادية ونفسية يمكن استخلاص درس أساسي يجب أن يكون ضمن أي إتفاق نهائي لفض هذا النزاع وهو ضرورة أن تكون المدن خاصة الخرطوم خالية من المواقع والمؤسسات العسكرية حتى لا تتكرر هذه المأساة بذات الطريقة.
د. محمد عبد الحميد/ استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية.
///////////////////////

 

آراء