نقد العقل السوداني !

 


 

 

 

manazzeer@yahoo.com

* لعل المتابع لحالنا يلاحظ ان هناك ازمات كثيرة ظلت تتكرر دون حل، ومرد ذلك اننا نميل الي الشفاهه وتترك التدوين فنكرر نفس الاخطاء القديمة، ليس لاننا لا نعرف الكتابة، ولكن لاننا ما زلنا في طور البدوية الغارقة في الشفاهة، أو لأننا لم نبدأ بعد، حسب الطرفة الشهيرة.

* كل الأمم المتحضرة تعكف على ماضيها وتدونه، يضطلع بذلك اهل المعرفة، ويتم تدوين الاحداث كما هي، ثم ياتي دور اخرين بالوقوف علي الحدث التاريخي ودراسته وتحليله للخروج بالمفيد منه، لان التاريخ ليس مجرد حشد للمعلومات وحسب، بل لاستنباط العبر واستقراء الدوافع ومنع الوقوع في نفس الاخطاء القديمة، ويساعد على ذلك منهج علمي ومعلم حاذق مثقف مدرَّب، وبيئة تساعد علي استيعاب الدروس والعِبر!

* لقد ظل عقلنا التاريخي مشحونا بعلل لم نخرج منها، واهمها داء القبلية والتحزب المضر، حتى في اوساط المؤرخين والمثقفين بل ان بعضهم اكثر تطرفا وتحزبا من الاشخاص العاديين او غير المتعلمين، بينما يحتَّم الواجب المهني والأخلاقي عدم تجيير التاريخ لصالح جماعة أو فكرة ما، بل قراءة الماضي بموضوعية استعدادا للاقلاع للمستقبل الذي نحتاج ان ندخله ونحن مستعدون له!

* مما يؤسف له اننا ظللنا في حالة الانقسام والاقتتال المضر، لم نخرج منها منذ نهاية عصر الفونج الي يومنا هذا، ولم تفلح الحكومات الوطنية في مخاطبة جذور الازمة لخلق حالة التسامح الوطني والتعاون، وما زلنا نجتر احاديث الماضي لندير بها معارك اليوم، وكل ما هو معروف بالضرورة من صراعات وانقسامات وتشرذم ..إلخ.

* خذ على سبيل المثال ادبنا الشعبي الذي يقوم علي قواعد لا تدعم الوحدة الوطنيه فهو يُمجِّد القبيلة والمناطقية، ويفخر بالصراعات التي يقتتل فيها الناس بسبب ( غنمايه) او قطعة ارض مهملة في بلاد كانت مساحتها مليون ميل مربع وظلت تتراجع بسبب النفخ في نار العصبية، ومن المتوقع ان تظل تتناقص بسبب التنازع الجهوي، واذا استمرينا هكذا فلن نجد وطنا نتقاتل فيه، لاننا سنحرقه ونمزقه، وما تجارب العديد من الدول حولنا الا عبرة لمن يعتبر!

كما اننا ما زلنا (نتغالط) حول الهوية، هل نحن عرب ام افارقة، ونحن في الواقع اولاد بلد واحد وثقافة واحدة ومنبع واحد، سمراً كنا ام سوداً، وكلنا سودانيون، اخطأ جَدي ام أصاب جَدك.. لا يمكن ان تقابل فرنسيا مثلا وتساله ( ببلاهة) عن هويته، ولا شك انه سينظر اليك بشفقة ويقول لك انا فرنسي ببساطة!

* لقد ظل سؤال الهويه عندنا لغماً يتفجر في اقل حوار في ( بيت بكا) او نحوه وقد يتطور الى صراع او قتال، واذا لم نُنهِ هذا الجدل سنصبح امة بلا هوية غير الاقتتال، ولكى لا يحدث ذلك لا بد ان نتواضع على هويتنا السودانية قبل ان تزول، وهنا لا بد من الاعتراف باخطاء الماضي وطلب العفو والسماح من بعضنا البعض، ونشر ثقافة التسامح بكل الوسائل والامكانات المتاحة، وهو عمل صعب يحتاج الى صبر ومثابرة، ولكنه ليس مستحيلا!

* وهنالك لغم آخر لا بد لنا من إزالته، وهو فرية المركز والهامش، فكل شبر في هذه البلاد هامش بما فيها العاصمة الخرطوم التي تفتقد الى أبسط مقومات الحياة ويضربها الفقر والجوع والمسغبة والتخلف، ولا ينفي ذلك حدوث اختلال في تداول السلطة تاريخيا، ولكن هل يجب علينا ان نبقى اسرى لأخطاء الماضي؟!

* يجب علينا ان نعتمد وسائل مقبولة للجميع لتداول السلطة لا تقوم علي حلول الترضية، وإنما مستنبطة من الواقع الحقيقيي الذي نعيشه، وهنا يأتي دور اهل المعرفة من كل الجهات لبناء نموذج إجتماعي سياسي ديمقراطي مقبول للجميع وبموافقة الجميع، يؤسس لعقد اجتماعي ودستور دائم يستلهم الماضي ويخاطب الحاضر ويستشرف المستقبل، يمثل كل اهل السودان ويعبر عن تنوعهم وهويتهم السودانية واهدافهم المشتركة، والمعادلة الإجتماعية السياسية التي ارتضوها للعيش في وطن واحد اسمه السودان!

* كان ذلك بعض ما كتبه الأستاذ (البشير أحمد محي الدين)، وهو يصلح لابتدار حوار ديمقراطي يشارك فيه الجميع بكل خلفياتهم وثقافاتهم، هدفه وضع منهج موضوعي لمناقشة كافة القضايا المتعلقة بماضي وحاضر ومستقبل السودان، للوصول الى ما نرجوه من غايات واهداف.

 

 

 

آراء