نقمة الاتصالات
11 March, 2010
تخيلوا العالم بدون وسائل الاتصال الحديثة ، انه عالم لا يطاق ، مع الاهمية المتزايدة للاتصالات الا ان الامر لا يخلو من سلبيات و مضار. في هذا المقال سنركز فقط علي بعض جوانب استخدام الموبايل في السودان. يستدعي ذلك من وجهة نظرنا توظيف ما يدره ذلك الاستخدام من اموال للخزينة العامة في التنمية و الخدمات الاجتماعية حتي يصبح من الممكن التعويض عن الخسائر المادية و الاجتماعية الناتجة كآثار جانبية لتطور وسائل الاتصال و انتشار استخدام الموبايل في السودان بشكل " وبائي" . بحساب فوائد الاتصالات يمكن اعتبارها من النعم الكبيرة علي العباد ، لكن معظم الناس و حتي الكثير من الدول لا تهتم كثيرا بسلبياتها نسبة لمنافعها و العائدات الطائلة التي تدرها علي خزينة الدولة. من المعروف استخدام الاتصالات في الانتاج بمختلف انواعه و قطاعاته اضافة لجمع البيانات و استخدامها و التواصل الاجتماعي. ساهمت الاتصالات في ترقية الخدمات و رفع كفاءتها و عملت علي ترقية الخدمات المصرفية و وسائل الدفع وصولا الي الاستثمارات و الخدمات الجوالة. اصبح الهاتف الجوال يستخدم علي نطاق واسع في اجهزة الاعلام فيتم الاتصال بالمشاركين و المراسلين كما يتم من خلاله جمع المعلومات و الدخول الي شبكة الانترنت. ساعد ذلك في سرعة نقل الاخبار بالصوت و الصورة و نقل البيانات و الصور الرقمية و حفظها. لا يمكن إغفال استخدام و سائل الاتصالات و الهاتف الجوال في المعرفة و العلوم و مختلف ضروب الثقافة و الفنون و الرياضة. لا يقل عن ذلك اهمية استخدام الهاتف الجوال للأغراض العسكرية و الأمنية .
كل ما ذكر اعلاه يكشف جانب واحد من وجهي العملة هو نعمة الاتصالات اما الوجه الأخر فهو ما تمثله من كونها نقمة. هناك العديد من السلبيات للاتصالات خاصة استخدام الهاتف الجوال و انعكاس ذلك علي الحياة العامة و الخاصة في السودان. من اهم السلبيات إهدار المال العام الذي اصبح سمة مميزة للأداء الحكومي. يتم شراء الموبايلات من اخر الموديلات و الاجيال المنتجة علي مستويات ادارية و وظيفية تدعو للحيرة . من النادر ان تجد موظف عام علي مستوي وسيط في الخدمة العامة لا يمتلك جهاز اتصال يمتص موارد من المال العام بشكل او باخر او تسدد له الفواتير دون سقوف. هذا غير المسئولين الدستوريين و كبار الموظفين علي مختلف مستويات الحكم من الاتحادي و حتي المحلي ، بل ان الامر يصل الي غاية السكرتارية و سائق السيارات و المقربين.
الجانب الثاني هو التسبب في ارتفاع تكاليف الانتاج في القطاعات المنتجة و الخدمية ، فمثلا جميع مدراء الأقسام فما فوق في الجهاز المصرفي و الشركات الخاصة و المصانع و غيرها يتحدثون علي حساب الجهة المخدمة . كل ذلك يحسب ضمن تكاليف الانتاج التشغيلية و يتم تحويله الي المستهلك الذي يدفع الثمن مرتين ، مرة عندما يدفع للاتصال و مرة عندما يشتري السلعة او يستفيد من الخدمة. الجانب الثالث هو إرهاق الميزانية الأسرية و الدخول في لقمة العيش. اصبحت الموبايلات لدي الكثير من السودانيين سلعة ضرورية ، الان لا تكاد تجد احد بلا موبايل مهما كان نوع عمله او مقدار دخله ، بل حتي العاطلين عن العمل يتحدثون في حالات كثيرة اكثر من الذين يعملون. خلاف ذلك فان اغتناء الهاتف السيار غالي الثمن اصبح من اوجه التباهي الاجتماعي فاصبحت الاسر تتباري في شرائه للابناء و البنات بعد النجاح في امتحان شهادة الاساس او بمناسبة عيد ميلاده العاشر ، هناك عدد متزايد من تلاميذ الاساس الذين يحملون الهاتف الجوال حتي ان لبعضهم جهازين بدلا عن واحد ، الاول زين و الثاني سوداني مثلا او ( MTN) .
معظم الناس في السودان لا يعيرون اهتماما لمضار استخدام الموبايل مثل المخاطر التقنية او الاجتماعية و السلوكية. تنتشر الان الجرائم عبر وسائل الاتصال و الوسائط الرقمية حتي استدعي الامر سن تشريعات موجهة لدرء تلك الجرائم. من الأمثلة نقل المعلومات الكاذبة و النصب و الاحتيال. كذلك تفشي استخدام الصور و الافلام الخليعة و انتشار اساليب البذاءة و نشر الالعاب و المواد الخلاعية التي لا تحصي. من الشائع في السودان استخدام الموبايل خلال قيادة المركبات العامة و الخاصة مما يزيد من احتمالات وقوع حوادث السير. تجد ان سائقي البصات السفرية لا يترددون في استخدام لهاتف النقال في اصعب المنعطفات و مع السرعة العالية ، كما تستخدم الموبايلات في الاجتماعات و الندوات العامة و في المؤتمرات و المستشفيات و حتي خلال أداء الصلاة. كل ذلك يجر وراءه جملة من التكاليف في الانتاج و اقتصاديات الوقت اضافة للإزعاج و جرح الشعور العام.
اذا علمنا ان الضريبة علي القيمة المضافة المفروضة علي الاتصالات هي 25% فمن الواجب المطالبة بتوظيف عائداتها ، التي لا يستهان بها مع ولع السودانيين بالثرثرة ، في ترقية الخدمات العامة و تنميتها خاصة في التعليم ، الصحة ، الرعاية الاجتماعية و من ضمنها الصرف علي الحضانات ، رياض الأطفال و دور الأيتام و تنشئة الأطفال بشكل سليم. لا ادري هل يعلم مستخدمو الهواتف الجوالة أنهم يدفعون مقابل كل مكالمة ربع قيمتها للحكومة كضريبة للقيمة المضافة فقط ، ام يا تري هم لا يعلمون؟ هكذا يجب ان يتم جرد الحساب ، كم هي عائدات الاتصالات في السودان؟ و ما هو مردودها الاقتصادي و الاجتماعي؟ و كيف يتم توظيف عائداتها علي الخزينة العامة؟ اذا تم ذلك يمكن السيطرة علي سلبيات الاتصال و الاستفادة منها كنعمة.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]