نمور الأمم المتحدة … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
23 July, 2009
قضي الامر و اصدرت لجنة التحكيم في لاهاي قرارها حول ابيي و الذي حسب ردود الفعل الاولية كان مرضيا بنسب جيدة لجميع الاطراف. فرز القرار الاوراق بشكل واضح و اعطي توصيفا جديدا لمنطقة ابيي و حدودها. كان القرار مشتملا علي عدة اوجه منها الجغرافي و التاريخي و العرقي و السياسي. كما اتاح القرار فرصة كبيرة للتعايش السلمي بين سكان الاقليم من مسيرية و دينكا نقوك و اتاح حرية المسارات عبر الحدود. من اهم جوانب القرار التي نزعت فتيل تفجير الازمة هي اخراجه لبعض المناطق التي ادخلها قرار الخبراء ضمن ابيي و هي تلك المشتملة لمنطقة هجليج و معظم مناطق المسيرية . لكن نفس تلك النقطة هي التي حولت ابيي بتوصيفها الجديد بالكامل داخل الجنوب حتي من ناحية الانتماء العرقي ، و هو ما سيكون في مصلحة الانحياز التام لجنوب السودان خاصة فيما يتعلق بالتصويت حول تقرير المصير و اذا ما كانت النتيجة لصالح الانفصال.
بشكل عام قرار لجنة التحكيم ليس بالبساطة التي تمكن من تناوله بشكل متسرع او ادعاء فهم كل جوانبه او تحليل تداعياته المستقبلية. و هو بالتالي سيخضع لدراسة المختصين و سيحتاج للتعامل معه بشكل عملي بطريقة تؤدي الي ترسيم حدود الاقليم وفقا لما خطته لجنة التحكيم من موجهات و اسس اعتبرتها ملزمة لجميع الأطراف ، و يمكن لذلك اذا صدقت النوايا و التزم الطرفان بالقرار ان تؤدي ذلك لترسيخ التعايش السلمي و يزيد من فرص الوحدة.
لكن الملفت في الامر هو تنمر بعثة الامم المتحدة و ادعائها بانها قادرة علي حماية المواطنين بالمنطقة في حالة اندلاع أي حالات من الانفلات او التجاوزات الأمنية بعد صدور القرار. جعلني ذلك الامر اطمئن بان شيئا من ذلك لم يحدث و كنت علي يقين في ما دار من نقاش مع بعض الزملاء و المعارف و الاصدقاء بان القرار سيكون توفيقيا. ذلك بقراءة لمجريات الامور و للحالات الخاصة بالتحكيم الدولي حول النزاعات بين الدول ، مع اختلاف حالة ابيي كونها داخل دولة واحدة ذات سيادة. لا بد ان بعثة الامم المتحدة قد أحيطت علما بالخطوط العريضة للقرار و الا لما كان موقفها بذلك القدر من الحماس و الاستعداد و المة في تحريك الآليات و استعراض القوة. لا يعتبر ذلك تجنيا علي البعثات الأممية فتاريخها يتحدث عن ذلك. لم تفعل القوات الاممية شيئا ايجابيا في مصلحة الشعوب الا في حالة وقوف قوة عظمي من ورائها. حدث ذلك منذ الحرب الكورية و في تاريخ النزاع العربي الاسرائيلي و في افريقيا في حالة اغتيال باتريس لوممبا و في ابيي نفسها ، و في مجازر رواندا و نزاع الكنغو و ليبيريا و العار المحيط بالقضية الصومالية و عشرات المواقف. في حالات مثل تيمور الشرقية كان القول الفصل للقوات الاسترالية و في البوسنة و الهرسك كانت قوات الناتو هي الآمرة الناهية و عندما حدث اجتياح كوسوفو بادر الروس بارسال كتيبة مدججة بالسلاح لتسجيل وجودهم بالقوة هناك و لانقاذ ما يمكن انقاذه. حتي في حالة الفصل بين جورجيا و كل من ابخازيا و اوستيا الجنوبية و مع ان القوات التي ترتدي الخوذات الزرقاء كانت روسية الجنسية لكن لعنة الامم المتحدة اصابتها بالعجز و لم تستطع التصدي للهجوم الجورجي الي ان قام الجيش الروسي مباشرة بحز الرؤوس هناك خلال ثمانية ساعات فقط و فرض شروطه علي الأمم المتحدة.
اذا الكعب الاعلي هو للقوة العظمي و لمن يستطيع الفعل و ليس للامم المتحدة. لا يغيب عن فهمنا ان الامم المتحدة هي منظمة دولية تحتكم فيما تقرره الي ارادة الدول الأعضاء مع دور حاسم لمجلس الامن الذي تسيطر عليه الدول الخمسة المتمتعة بحق النقض " الفيتو " ، لكن غالبا ما تتبع في قراراتها الممولين الأساسين و علي رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوربي. حدث ذلك في العراق رغم مخالفة الغزو للقانون الدولي كذلك الحال في افغانستان. تصبح بذلك الدعوات الي اصلاح الامم المتحدة ضرورية و من اهم جوانب الاصلاح اعطاء الدول النامية في اسيا و افريقيا و امريكا اللاتينية الفرصة العادلة في المشاركة في اتخاذ القرارات الدولية و في تنفيذها حتي يصبح من الممكن ان نأمل بان هناك مصداقية للمنظمة الدولية و لقواتها الواسعة الانتشار في بلادنا. الي ذلك الحين سأكون واحدا من الذين ينظرون بعين الشك و الارتياب الي إجراءات الامم المتحدة و ما ستقوم به من استعراض للقوة , مع ذلك ننتظر ان تكون نمور الأمم المتحدة حقيقية و ليست نمورا من ورق و ستثبت ذلك الأحداث ألكبري في المستقبل .