نهاية حقبة النيوليبرالية .. نحو صياغة نظام جديد ما بعد نيوليبرالي!!!

 


 

 

في مقال جديد صدر في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية المهتمة بشؤون المال والاعمال عدد الاثنين العاشر من أكتوبر ٢٠٢٢ تحت عنوان
" The new rules for business in a post neoliberal world”
بقلم رانا فوروبار. وهي كاتبة معروفة ومن الكتاب المعتبرين لدي صحيفة الفاينانشيال تايمز.
في هذه المساحة سأحاول تلخيص اهم ماورد في المقال من افكار مع ترجمة بعض العبارات ، مع اضافة بعض التعليقات أثناء إستعراض المقال أقوم فيها ببعض الشرح والتحليل مع التعليق الشخصي في خاتمة المقال.
الفكرة الأساسية لهذا المقال وفي هذا التوقيت هي ضرورة واهمية الاشارة الي ان العالم الان يشهد تغيرات حقيقية وجذرية معلنة عن انتهاء حقبة من التفكير والفلسفة الاقتصادية التي كانت تستند علي الفكر النيوليبرالي والذي ظل مسيطرا علي الساحة منذ الحقبة التاتشرية/الريجانية (نسبة لمرجربت تاتشر ورونالد ريجان) قبل اكثر من اربعين عاما. وتشير الكاتبة ان تلك الحقبة (الذى أطلق عليها الشعبوية أو الفكر المحافظ الذى يقوده اليمين) ظلت مسيطرة علي الفكر الاقتصادي وعلي السياسات الاقتصادية في معظم دول العالم واتسمت بالتركيز علي خفض الضرائب علي الاغنياء وعلي الاعمال وتحرير قطاع الاعمال وحركة رؤوس الاموال من كل القيود كما شهدت حرب شعواء علي نقابات العمال.
تشير الكاتبة علي ان عقارب الساعة ألان قد تغيرت وتشير الي وجهة مغايرة تماما لاسيما بعد الهجوم الكاسح علي سياسة رئيسة وزراء بريطانيا الاخيرة الهادفة لخفض كبير في الضرائب لصالح طبقة رجال الاعمال والاغنياء وشرحت الكاتبة ان مايسمي ب
“Trussonomic”
نسبة لرئيسة وزراء بريطانية الجديدة ليز ترس. اصبح هذا التيار الجديد أكثر وحشية من النيولبرلية ، وحتي استمرارها في رئاسة الوزارة اصبح مهددا بسبب خطل هذه السياسة.
وتشير الكاتبة ان هذا التوجه الجديد ضد النيوليبرالية ليس محدودا في انجلترا بل امتد اثره حتي في الولايات المتحدة، وان الكاتبة قابلت مسؤولين حكوميين في ادراة الرئيس بايدن يتحدثون عن اتجاهات بعض رجال الاعمال من توقع إشارات من الإدارة الامريكية عن اين يمكن ان تكون استثمارهم في الفترة القادمة ، والي اي الدول يتوجهون؟ فيتنام إم المكسيك ، وعن اي قطاع يمكن لهم ان الاستثمار حسب توجه الدولة ؟.
من الواضح هنا ان الكاتبة تحاول ان تؤكد ان البيت الابيض وكذلك قطاع الاعمال يعدّون الخطط بخطي حثيثة لحقبة ما بعد النيوليبرالية.
كما تشير الكاتبة علي ان ادارة بايدن تعد العدة لصياغة خطة حول الاقتصاد الذي تريده الادارة ويرتكز علي عدة محاور اهمها التركيز علي دعم وتقويه قطاع العمال عن طريق استخدام الميزانية الفيدرالية لتقوية نقابات العمال وكذلك استخدام الكونقرس في اصدار تشريعات تدعم الاسر العاملة خاصة فى قطاعىْ التأمين الصحي ورعاية الأطفال.
ولمعرفة مدي جدية وعمق هذا التوجه الجديد في ادارة بايدن تؤكد الكاتبة انها في مقابلة لها مع وزيرة التجارة الامريكية جينا ريماندو اوضحت لها ان علي الحكومة ان تقوم بدور اكبر من مجرد خفض الضرائب (على محدودي الدخل) واعادة توزيع الدخل بل عليها القيام بدور اكثر ايجابية في توجيه جانب العرض والانتاج للقطاع الخاص.
وتشير الكاتبة ان هذا يؤكد بداية التوجه نحو صياغة متكاملة لما يسمي بالسياسة الصناعية
Industrial policy
وهي عبارة عن حزمة متكاملة من الاجراءات والقوانين تصدرها الدولة لتحقيق اهداف استراتيجية سواء عن طريق حماية صناعة ناشئة او التركيز علي قطاع معين. وعادة مايتم ذلك عن طريق خطط اقتصادية متكاملة طويلة ومتوسطة المدي.
علي الرغم من ان ذلك لم يتبلور بعد ولكن من الواضح ان حقبة اقتصاد "دعه يمر دعه يعمل"
Laissez-faire
قد انتهت.
وتمضي الكاتبة في ذكر أمثلة كثيرة عن التوجه الجديد في الولايات المتحدة في تحويل الإنتاج من الخارج والتركيز علي الإنتاج الداخلي ، خاصة في قطاع التكنلوجيا المعقدة والسيارات الكهربائية والكثير من القطاعات التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بميزات تفضيلية بسبب الدعم الحكومي الموجه او بالتقدم التكنولوجي وذلك بهدف توطين سلاسل الامداد لأسباب استراتيجية.
وتشير الكاتبة الي ان هناك اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي علي اهمية تحقيق الوطنية الاقتصادية
Economic Patriotism
بمعني توطين الصناعات الإستراتيجية ومحاولة التخلص من العجز التجاري المزمن وتشجيع التصدير والمنافسة.
كما اشارت الكاتبة ان هناك توجه يقوده معهد روزفلت في واشنطون يهدف الي مناقشة صياغة سياسة صناعية متكاملة تقود الولايات المتحدة في الفترة القادمة وعلي الرغم ان هذه الأفكار لم تتبلور بعد ولكن قطعا ان توجهاتها علي عكس توجه اقتصاد السوق والفكر النيوليبرالي.
وكذلك أشارت الكاتبة علي هناك توجه أكاديمي ملحوظ تقوده جامعة هارفارد مع بعض مراكز الدراسات والبحوث يدفع في اتجاه اعادة صياغة التفكير الاقتصادي لحقبة ما بعد النيوليبرالية.فبينما كانت جامعة شيكاغو تعتبر مركز الفكر النيوليبرالي تتجه هارفارد لتكون مركز فكر مابعد النيوليبرالية الذي يتبلور. الان بشكل متسارع.
يؤكد هذا المقال والذي يصدر من صحيفة الفاينانشيال تايمز وهي من اميز الصحف التي تدعم اتجاهات المال والاعمال ان العالم الان في مرحلة مابعد النيوليبرالية. هناك توجه علي اعلي المستويات سواء كان ذلك في مراكز البحث العلمي والجامعات او علي مستوي مؤسسات صنع القرار في صياغة البديل الذي يشكل حقبة مابعد النيوليبرالية وان هذا لم يتبلور حتي الان.
اضافة لذلك نجد ان السنوات الاخيرة
قد شهدت انحسار موجة النيوليبرالية في العالم الصناعي وكذلك في دول الجنوب في افريقيا واسيا ودول امريكا اللاتينية والكاريبي وخير شاهد علي ذلك هزيمة الاحزاب اليمينية المتطرفة والتي كانت تتبني برامج نيوليبرالية صارمة انصياعا لروشتة صندوق النقد الدولي التقشفية الانكماشية التي ادت الي ارتفاع معدلات الفقر والعوز والبطالة في هذه الدول وساهم بشكل كبير في عودة احزاب اليسار في كل من شيلي والارجنتين وكولومبيا ومن المتوقع انتصار سيلفا لولا في انتخابات الرئاسة المعادة في البرازيل نهاية شهر اكتوبر
وهنا يجب ان نذكر اهمية التوجه العالمي المحموم والمتسارع في محاولة مكافحة واحتواء ازمة تغيير المناخ والالتزام بشروط تحقيق التنمية المستدامة كما وردت في مواثيق الأمم المتحدة فيما يسمي ب
UN SDGs
United Nation Sustainable Development Goals
يحتم هذا الاتجاه ان تقوم الدولة بدور حاسم ومحوري في صياغة خطط اقتصادية شاملة ومتكاملة يكون دور الدول محوريا في توجيه دفة الاقتصاد علي ان يلتزم القطاع الخاص بشروط تضمين اهداف التنمية المستدامة في كل انشطته مثالا لذلك الحد من الاستثمارات في مجالات الطاقة الكربونية غير النظيفة والتحول التدريجي نحو الاسثمار في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة وهذا يعني بالضرورة نهاية حقبة النيوليبرالية التي ترفض الدور المحوري للدولة والقطاع العام وتؤمن بإطلاق يد القطاع الخاص دون رقيب حتي لو ادي ذلك الي مخاطر زيادة الانبعاثات الغازية الكربونية التي تتسبب في الاحتباس الحراري وتغيير المناخ كما اثبتت الدراسات !!

د. محمد محمود الطيب
اكتوبر 2022

References
https://www.ft.com/content/e04bc664-04b2-4ef6-90f9-64e9c4c126aa

wesamm56@gmail.com
//////////////////////////////

 

آراء