هجر القرية وسكن في مدينة ريفية في قلب المشروع الشهير

 


 

 

هجر القرية وسكن في مدينة ريفية في قلب المشروع الشهير ، بني نفسه أكاديميا واقتصاديا ، زاول من المهن ابسطها وابركها وتعلم بالإستماع في المسجد وانتهي به المطاف خطيباً مفوها ونال لقب واعظ ومرشد شعبياً وتعليمه لم يتعدي المرحلة الأولية وأولاده تخرجوا في الجامعا
وجد ( ودعباس ) نفسه أن قريته الوديعة البسيطة لا تسع طموحه فهجرها بعين باكية وقلب كسير وألقي بعصي تيساره في مدينة ريفية تقع في قلب المشروع الشهير !!..
استأجر غرفة رقيقة الحال نحيلة القوام لا تقوي علي زوابع الخريف ولكنها ظلت صامدة ومقاومة لزخات المطر والرياح المزمجرة المكشرة عن أنيابها في موسم الخريف وتعامل صاحبها وبما له من خبرة وصبر واناة مع التغيرات المناخية وكان يقوم بالترميم وسد الثغرات أولا بأول ولم تلن له قناة ولم يرفع الراية البيضاء وكان راضياً بالقضاء والقدر !!..
بدأ يتعرف علي عالمه الجديد وكان لا بدّ له من أن ينزل الي ساحة المعركة ليؤمن معاشه ومعاش من ينتظرونه في القرية الذين يؤملون في المصاريف والملابس وغيرها يبعثها لهم مثله مثل أي مغترب في دول الخليج !!.
وجد وبما له من سابق خبرة لا تقدر بثمن ومعترف بها في ربوع الوطن الحبيب أن يرمي بكلياته في مهنة ( تنجيد المراتب ) خاصة وأن المادة الخام لصناعتها ( القطن ) متوفرة وفائضة للتصدير ل ( يوركشير ) ، وصال وجال في هذه الصنعة التي تتطلب الايمان والصبر والبراعة في أعلي مراتبها ، ونال الشهرة التي يريد وسمعت به البوادي والربوع القريبة والبعيدة وجري المال الحلال في يديه الطاهرتين ولا ننسي أنه كان لايفوت فرضا في المسجد !!..
صارت ( حوالاته المالية ) تصل إلى الأهل أمانة يحملها المسافرون إلي القرية بين كل وقت وحين وعلي حسب الطقس والمناخ !!..
برع صاحبنا في صنعة أخري توأم للاولي وهي ( تجليد العناقريب ) وكانت المادة الخام لصناعتها هي الحبال ولم تكن هنالك ما يسمي بحبال البلاستيك وكانت العناقريب بأنواعها المختلفة هي الغالبة والسراير خاصة الحديدية لم تكن شائعة الاستعمال !!..
وازدادت حمي الشغل وكثر عنده الرزق ونال الأهل في القرية من المظاريف المنتفخة الأوراق المالية الكثير وضاعف من ارتباطه بالمسجد وجلس القرفصاء مع العلماء ينهل من علوم الفقه وتفسير القرآن وعلوم الحديث بعقل واعي ورغبة لا تحدها حدود !!..
وتبدل الحال الي الاحسن وودع غرفته الصغيرة التي شاركته ايام الضيق والضنك واستاجر منزلا يليق بوضعه الجديد عند أطراف المدينة حيث الهواء النقي والأرض الممتدة علي مد البصر ويالها من ارض ماتكاد تقع فيها البذرة حتي تشب عن الطوق ولاتحتاج الي أي عون خارجي من مخصبات أو أي نوع من المحسنات البديعية !!..
وجد في نفسه الكفاءة والهمة والنشاط والحزم والعزم في أن يعانق الأرض بالجوار عقب كل صلاة فجر وبساعده المبروك ( يحرث ) و ( يبذر ) و ( يسقي ) ويتعهد النبات وكأنه فلذة كبده !!..
وياتيه المحصول بالخير الوفير ولا ينسي أن يخرج زكاته املا في العفو والرضوان من الله تعالى خالق الكون ولا ينسي الأهل والأصدقاء ويرسل الهدايا والمال وهو في قمة السعادة وراحة البال !!..
حقق ( ودعباس ) معظم مايصبو إليه فقد ركز نفسه اقتصاديا ونهل من العلم والثقافة الكثير وبقي له أن يكمل نصف دينه بغية الاحصان وعسي أن يرزقه الله تعالى الذرية الصالحة .
وقد تحقق الحلم بعد أن جهز عش الزوجية بيتا بناه بنفسه ومن حر ماله واحاطه بالاشجار وبدأ مثل الحديقة الغناء بطيرها الصادح وبلبلها الغريد !!..
ونزل القرية بعد طول غياب وانتقي من حسانها شريكة له تقاسمه الآمال والأحلام !!..
ورزق ( ودعباس ) البنين والبنات وارسلهم للتعليم النظامي وتخرجوا من خيرة الجامعات وتقلدوا أعلي المناصب وتزوجت البنات خيرة الزيجات وسكنوا ( السرايات ) .
ورحل ( ودعباس) الي دنيا البقاء وادعا مطمئنا بعد أن تحول من دنيا الأمية الي جماعة العلماء واعتمد في كل حياته علي نفسه بعون من الله العزيز الحكيم ووفر غذائه وفلح أرضه وعلم نفسه بنفسه ووفر لأبنائه العلم النافع وعزة النفس ولم يمد يده للحكومة أعطته أو منعته .
ياليتنا جميعا نكون ( ودعباس ) وننسي الحكومة ومجلس السيادة والمجتمع الدولي وكل هذه الأصنام !!..

حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء