هذه ثورة أكبر من المليشيات ومن التآمر !

 


 

فضيلي جماع
6 April, 2022

 

راهنتُ وأراهِنُ على الشارع. فالشارع كان وما زال نبضَ هذه الثورة. وأقف بقلمي وما أملك مع الشارع ، لإيماني القاطع أنّ الحشودَ التي ظلت تملأ الطرقات والأزقة في مدن السودان وقراها منذ الإنفجار الكبير في 19 ديسمبر عام 2018 م ، والتي لم يفتر لها حيل ولم تلن لها عزيمة منذ ثلاث سنوات ونيف ، لن يخمد لها حراك إن لم تنل مبتغاها. وقد رفعت هذه الحناجر الصادحة بالأناشيد الوطنية صوتها جهوراً ، معلنة منذ أول يوم أنها تسعى لإقامة وطن الحرية والسلام والعدالة.. وما زال هديرها يُسمِعُ من به صمم. لذا قلت بأنِّي راهنتُ وأراهنُ على الشارع، فهو نبض الثورة. وما دام الهتاف في الأزقّةِ والطرقات ما يزال ، وما دامت هذه الشوارع والطرقات ما برحت تكتظ بالحشود رغم المسغبة والضنك، فإنّ لهب الثورة تفوّق دون شك على الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع !
شاهدت أمس الأول تسجيلاً للجنرال البرهان ، وهو يرفع عقيرته بالتهديد. وقد تملكتني الدهشة حين سمعت الرجل يعيد القول بأنهم (أي العسكر) لا يخافون أحداً. والمضحك المبكي أنّ الجنرال لم يوجه نذر التهديد والوعيد إلى عدوٍّ أجنبي يتهدد وحدة التراب السوداني.. فهو وعسكره ومليشياته يعرفون أي قطعة من الوطن تحت الإحتلال، بل يعرفون من هو المحتل. لكنه وجنده ومليشياته ، أجبن من أن يوجّهوا الرصاص للأجنبي المحتل لأرضنا. يعرف الجنرال ورهطه من ضباط جيش قام بتصفيته الأخوان المسلمون بعد انقلابهم المشئوم وإقامة نظامهم الذي نزل على بلادنا بالساحق والماحق لثلاثين سنة عجاف - يعرف الجنرال وزمرته - أن ما يعرف بالقوات المسلحة السودانية اليوم لا قدرة تستعرض بها عضلاتها إلا على شباب ينادون بثورة سلمية أدهشت بسلميتها العالم !
يقول الجنرال بأنهم لا يخافون أحداً. إذن فعلام كل هذه التهديد والوعيد ؟ أهو لمجرد أنّ شعبنا المسالم يعدُّ العدّة لتظاهرة سلمية تذكيراً بالسادس من أبريل - يوم عرس الثورة السودانية التي أدهشت العالم؟ أكرب "قاشك" يا جنرال. هذه الثورة أكبر من مليشياتك ومحاورك التي تعدك بالحماية ... لا ، بل تعدك بإعانتك للقضاء على إسكات صوت شارع دخلت حشوده عامها الرابع ولم يصمت هديرها ولا فترت الزنود المرفوعة لشبابها الذين ما جبنوا من رصاص الموت الذي حصد المئات من زملاء نضالهم طيلة هذه الفترة. هم أولاء ما زالوا يهتفون: (شهدانا ما ماتوا.. عايشين مع الثوار !!). هذه ثورة أكبر من أن يخمد لهيبها رصاص المليشيات أو مخططات التآمر في الداخل والخارج.
إنّ شهوة السلطة والغرور هما داء عسكر ومليشيات السودان الذي ليس له دواء. وكم تذكرت أبياتاً لشاعر السودان الكبير محمد مفتاح الفيتوري، عن الهيبة الجوفاء للطغاة:
أمسِ قد مرَّ طاغيةٌ مِنْ هُنا
نافِخاً بُوقَهُ تحْتَ أقْواسِها
وانتَهَى حَيْثُ مَرْ !
وقبل أن أنهي هذا المقال خطر ببالي حدثان مفرحان رغم أنهما في الظاهر هامشيّان. أولهما: إفطار رمضان الذي أقامته أحياء ام درمان بميدان مدرسة التجارة الثانوية. الإفطار الذي تحوّل إلى تظاهرة ثورية ، ألهب حماس الشباب فيها شاعرنا الشاب شيخون. لقد رفع وتيرة حماس شباب المقاومة وضجت الساحة بالزغاريد وهو يلقي شعره بطريقته المميزة. دخل شيخون وآخرون من شعرائنا الشباب نادي الشعر الذي يقول لا في وجه من قالوا نعم ! لم يتخلف الشعر السوداني منذ بواكير القرن الماضي حتى اليوم عن مواكبة تطلعات الجماهير من أجل إقامة وطن الحرية والمساواة. ولقصيدة العامية في الحقبة الأخيرة قدحها المعلّى في رفع معنويات الشارع الثائر. يسير شيخون وآخرون من الشباب بخطى واثقة في طريق محجوب شريف وعمر الطيب الدوش وحميد والقدال وأزهري محمد علي. لن يهزم شعب تنجب حرائره الشعراء والمبدعين.
أما الحدث الثاني والثانوي في ظاهره لكنه ذو دلالة ومغزى كبيرين في جوهره فهو حذاء الصحافية الشابة صفاء الفحل، وقد قذفت به في وجوه داعمي إنقلاب العسكر من قادة اعتصام الموز . ما قامت به صفاء الفحل يؤكد مرة أخرى أنّ للمرأة السودانية في هذه الثورة نصيب الأسد. لك التحية يا صفاء. لقد نفض حذاؤك غبار العار عن الكثيرين، عساهم يدركوا ما ترمي إليه مقولة أن الحضارة أنثى ! عشت وعاش وطن أنت من حرائره.

فضيلي جمّاع
لندن
05/أبريل/ 2022

fjamma16@yahoo.com

 

آراء