استفهامات
معلومة بل محفوظة تلك العبارة التي تقول «فاقد الشيء لا يعطيه». وما أظنها تحتاج إلى شرح وإذا دعا الأمر لا يمكن أن تذهب لحنفية الماء تطلب منها لبناً ولا تذهب للجزار وتطلب منه سكراً.
الحديث عن البحث العلمي والقصور فيه صار أشهر داء حاق بكل الميزانيات، وكنا نظن أن مشكلة البحث العلمي تكمن في الميزانيات المرصودة من قبل الدولة والتي هي دائماً أقل من «1%» ولكنني منذ يوم الأربعاء الماضي «يوم انعقاد منتدى التعليم الإلكتروني بمجلس الوزراء» اكتشفت وكل من حضر المنتدى فقر فاهه دهشة ووكيل وزارة البحث العلمي والتعليم العالي «قصدت تقديم البحث على التعليم العالي». تخيلوا المسؤول التنفيذي الأول عن البحث العلمي يعترف أمام جمع من العلماء والمختصين في التعليم ويناقشون في كيفية تقنين وترتيب التعليم الإلكتروني والاستفادة منه معدِّدين عشرات الأسباب لإنزاله إلى أرض الواقع. ويأتي دور وكيل وزارة البحث العلمي ويعترف أمام الجميع أنه لا يملك «لاب توب» وليس مقتنعًا بأي تعليم غير التعليم الذي يتواجه فيه المعلم والمتعلم وجهًا لوجه ويسمع منه. تخيل أي بحث علمي نسأل عنه ووكيل البحث العلمي لا يملك «لاب توب» ويزيد استنكاره وعدم اعترافه بكل جديد. لا أدري كيف قال هذا الرجل ما قال ووزارته تقدم لها عددٌ بلغ «400» ألف طالب من المرحلة الثانوية ووزارته في أحسن الظروف تستوعب منهم 30 ألفاً «أها اوكيل الوزارة الباقي 370 ألفًا يمشوا وين؟؟؟». ماذا تنتظر الجامعات ممَّن هذه عقليته لتتطور وجامعة الخرطوم التي عمرها أكثر من قرن ترتيبها العالمي قبل سنوات بعد «2500» ولم أقف على موقفها في السنتين الأخيرتين. أظنها نتيجة طبيعية مادام وكيل الوزارة بهذا التخلف العلمي المشهود.
كان الوزير بروف خميس أكثر سماحة من وكيله حين ضرب مثلاً بحفيده الذي يجيد استخدام الموبايل أكثر منه واعترف هذا جيل آخر لا تنفع معه إلا التقنيات التي يفهمها.
يبدو أنها أزمة كل السودان في كل مؤسساته يتربع على أعلى السلم متخلف تقنياً «ليس هنا وقف ممنوع قف كما تشاء» من لا يتطور ولا يريد غيره أن يتطور يجب أن يُبعد بأعجل ما يمكن. لا أعني السياسيين فنجاح السياسي وفشله يصعب تقييمه لأن حول كل سياسي مطبلون يمنحونه الدرجة التي يريدها ولكن العلة التي يمكن علاجها ووضع مواصفاتها هي الخدمة المدنية. كيف يكون وكيل وزارة مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بهذه المواصفات؟ من وضع هذا في هذا الموقع وبأي المعايير؟ هل اختيار وكيل الوزارة طالته ترضيات الأحزاب والقبائل ؟ إن كان ذلك كذلك فعلى السودان السلام.
كنت أعتقد اعتقاداً جازماً أن من أكبر علل التعليم في المرحلة الثانوية البون الواسع بين الطالب والمعلم في معرفة تقانات العصر ولكن يبدو أنها خربانة من كبارها.
ما يجري في هذه المؤسسات من الإهمال وعدم الاكتراث بالرجل ذي المواصفات في المكان المناسب فهذه حرب خفية مدمرة، على المدى الطويل ستبين آثارُها. كيف نسأل عن المواصفات في الصلصة والبسكويت ولا نسأل عن مواصفات وكيل وزارة.
أتمنى أن يغادر رجل هذه مواصفاته موقعه فورًا رافعًا يديه عاليتين مستسلماً بأنه عجز عن المواكبة. وإلا فلتُرفع يداه.
ahmedalmustafa ibrahim [istifhamat@yahoo.com]
/////////////