ركـائز
ahmadkaruri@ymail.com
يحكى أن مسئولاً (رئيساً أو ملكاً) كان يحرص دوماً على صلاة الجمعة في الصف الأول وفي يوم تأخر قليلاً فوجد أن الصفوف الأمامية كلها ممتلئة بالمصلين ، وعندما دخل تأخر له الناس وأفسحوا له مكاناً في الصف الأول ، فقال غاضباً صلوا كما كنتم ، فهكذا تصنعون طغاتكم .
الشعوب تتعامل بطيبة أو ببساطة غير محمودة خاصة مع المسئولين ويختلف الناس ما بين بسيط يقدر الشخص المسئول ويكن له الاحترام ومابين متسلق يسعي للتقرب للمسئول والتزلف إليه فيغدق عليه الصفات التي تكاد تخرجه من كونه بشراً يصيب ويخطئ، لمنفعة شخصية، فيصنعون لهذا المسئول صورة تساعد نفسه الأمارة بالتعالي والتكبر على من هو في خدمتهم فيسير على خطى الديكتاتورية حيث لا يُرد له قول أو فعل. كذلك يفعل الإعلام إن لم ينتبه ويتعامل بحكمة متناهية مع المسئولين وواجباتهم .
ونجد في زمن الغرباء إن نصح أحد مسئولاً أو طالب بحقه فإنه متطاول وإما حاقد وإن كان من داخل جماعة المسئول فهو إما حاسد أو خائن. وان كان من جماعة أخرى فهو معارض يسعى لتغويض سلطته وسلبه كرسيه والإدعاء عليه بما ليس فيه، الغرباء في هذا الزمن هم الذين يتصرفون بغرابة فهم من لا يعيرون المسئولين اهتماما كبيراً ويرون أنهم مفتونون ومبتلين بتلك المسئولية ، وهم من يرفض غالبية مجتمعهم تصرفهم بمعايير المستجدات لا بمعايير الدين الحنيف . فالمسئولون موظفون يعملون في الدولة لخدمة المواطن – أي موظفين وعمال لدى ذلك المواطن البسيط الذي بجهل منه جعل منهم طغاة صنعهم ليتحكموا فيه. هؤلاة (العمال الطغاة) هم من يقررون مصائر الشعوب بآراء وأهواء أحيانا لا علاقة لها مع المسئولية التي ألقاها الله على عاتقهم ، فالطغاة هم الذين استعبدوا البلاد والعباد وارتكبوا من أجل بقائهم كل أنواع الظلم والقهر والاستبداد ، فالطاغية لا يرى سوى نفسه ولا يسمع إلا صوته ولا يهتم إلا لمصالحه ، والطغاة مغرورون لا يتعظون من دروس التاريخ ومن قصص نهاياتهم الأليمه والمريرة حيث لم تنفعهم قوتهم وسطوتهم وجبروتهم .
التاريخ مليئ بقصص الطغاة وفي قصصهم عبرة لكل معتبر ، ففرعون - يقال أن اسمه (عون) وقد فرّ من قومه فسمي فرعون ، ولمّا حكم كان يقول أنا ربُّ كُمِّي – أي سلطتي تمتد على ما تحت يدي أو ماحوله – لكن المنافقين وما أكثرهم على مر الأزمان بدأوا يصورون له سلطته تمتد إلى كل ما تقع عليه عيناه من أرض وبشر وحياة واغتر أكثر حتى قال (أنا ربٌّكم الأعلى) ، والنمرود بين كنعان الذي مدحوه من حوله من المنتفعين والمنافقين فادعى قدرته على أنه يحي ويميت . وبامتداد التاريخ نجد أن صور الطغاة تتحور وتتشكل بحسب تغير الشعوب والزمان والمكان ، والآن تفرض الساحة شكلاً جديداً حيث يتعدى الطاغية في شكله إلى مجموعة أو حزب فيحكم دون الأحزاب الأخرى إلا إن كانت شكلاً ديكورياً ، أو رئيساً ببرلمانٍ تابع لا سلطة له ولا حتى شورى .ونرى أيضاً أن الكثير من طغاة اليوم تأتي بهم الصدف أو المحن التي تمر بالشعوب أو تختاره قوى معينه تعلم أنه كالكرسي الذي يجلس عليه لا يحرك ساكناً ولا يُسكِّن متحركا فيكون كما أرادوا أو ينقلب عليهم .
ركيزة أخرى: بعض الطغاة يصنعهم مثقفوا الشعوب أو ما يسمونهم بمثقفي السلطة أو محترفي التطبيل لأنهم يبررون كل فعل وقول من الحاكم للشعب، وكل فعل غضبة للشعب بما يهواه الحاكم ، ويمكن وصفهم أيضاً أنهم منتفعين وصوليين انتهازيين منافقين ، وأكثرهم ضمن حاشية أو بطانة الحاكم الطاغية فيصنعون سور عال لا يمكنون أحد من الاقتراب منه ، وبعد حينٍ يكون الطاغية قد تشبع من المديح وإطلاق الأسماء الكثيرة فهو الزعيم الملهم والمناضل والقائد ركيزة النهضة وعماد البلاد وصاحب الإنجازات التي لم يسبقه إليها أحد ، فهو أذكى الناس وأحكم الناس وهو الأكثر عزماً والذي يتمتع بمواهب ومزايا إلهية، وجميع أفعاله متوافقة والحكمة الفذة والرأي السديد والنظر الثاقب حتى وإن كان ذلك الفعل هو تقتيل شعبه وتشريده ومرمغة كرامته بالوحل.
ركيزة أخيرة : هؤلاء الطغاة هم أكثر الناس خسراناً يوم لا ينفع مال ولابنون ولا مطبلون ، ظلموا أنفسهم وظلموا الخلق فأخذوا معهم ليوم الحساب دعوات المظلومين بلا عدد ، وحقوق الناس التي لايغفرها رب العباد لأحد وسيقتص الله منهم لكل فرد من أفراد شعبه ظلمه أو انتقصه أو حرمه أو انصرف عنه .
آخر الركائز: لتعرف طاغية فقط أُنظر أين يعيش الناس وأين يعيش طغاتهم لتجد الفرق لا علاقة له مع المنطق.