هل أصابتها لعنة النفط؟: كازاخستان تَشْتِعل، ورئيسها يَطْلُب مُساعَدة روسيا وبوتين يلبّي النِداء! 

 


 

 

ماذا حدث في كازخستان، والى أين تتجه التطورات وهل هي لعنة النفط، أي الوجه الآخر لاكتشافه، بأنْ يصبح نقمة بدلاً عن نِعْمَة؟

أسئلة كثيرة بدأت تفرض نفسها بعد اشتعال المشهد الكازخستاني فجأة واندلاع احتجاجات شعبية عارمة الأسبوع الماضي، عبّرت عن نفسها بأعمال عنف وشغب فاطلق عليها النظام "تمرُّد مدعوم خارجياً" مشيراً إلى أنّ وراءه أيادي خارجيّة.

الشاهد أنّه تتوفر إجابات عديدة على الأسئلة، في شكل تقارير راصدة وتحليلات في وسائط الإعلام الأوربيّة التي وجدت نفسها أمام أحداث ساخنة، والصحافة تذهب حيث تندلِع الحرائق وتبتعد عن المناطق الهادئة.

دعونا في البدء نرصد ما حدث، بدون ترهل مع سرد بعض التفاصيل التي تشكل خلفية مطلوبة لجعل الصورة مكتملة، ونختم بالتعريف بالدولة وأوضاعها العامة واقتصادها وأهم أوراقها في العلاقات الدوليّة.

ووفقا لتقرير ضافي كتبه شيربان ميهاييلا للصحيفة الرومانيّة واسعة الانتشار (جورنالول ناتسيونال)، أصبحت كازاخستان، أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، مسرحاً لأعمال عنف غير مسبوقة بين عشية وضحاها، حيث قُتل العشرات وأصيب آلاف آخرون في معارك شوارع أحدثت أضراراً كبيرة في العديد من المباني بالمدن الكبرى في البلاد. وخوفاً من أنْ يفقد السُلطة، استدعى الرئيس الكازاخستاني الذي يصفه المعارضون بالمتسلط، المظليين الروس للمُساعدة في إخماد نار الاحتجاجات.

بدأت الاحتجاجات الاجتماعية في الشوارع ضد ارتفاع أسعار الغاز النفطي المسال (LPG) - الذي يستخدمه الفقراء للسيارات - وحصلت سريعا على وصف "الانتفاضة شعبية" وانتشرت بسرعة في المدن الكبرى، وتحولت إلى حركة كبيرة مُناهِضة للحكومة ومعايير الفقر والبطالة والفساد في الجمهورية السوفيتية السابقة الغنيّة بالنفط.

الشاهد أنّ التظاهرات اندلعت وسط استياء بعد ثلاثة عقود من الديكتاتورية بقيادة الزعيم السابق نور سلطان نزارباييف ثم واصل خليفته الرئيس الحالي قاسم جومارت توكاييف نفس الخط بل أنّ كافة التقارير تفيد باستمرار الرئيس السابق في السيطرة على الأوضاع عن طريق مَن وضعهُم ووضعهِنّ في المراكز الحسّاسة والرئيسيّة خاصة في قطاعي الأمن والاقتصاد.


* شريط الأحداث:

اندلعت يوم الأحد 2 يناير الجاري انتفاضة اجتماعية في مدينة جاناوزين غرب البلاد وتوسعت رقعتها سريعاً لتصل أكتاو اكبر المدن الإقليمية على ضفاف بحر قزوين حيث حطَّم عشرات الآلاف من المتظاهرين مؤسسات ومتاجر، وبعد يومين أضرم المتظاهرون النار في كلٍ من المقرِّ الرئاسي في ألما آتا، أكبر مدينة في كازاخستان، وفي مجلس المدينة القريب جداً من القصر. وفي الوقت نفسه، دُمًر مقر مكتب المدعي العام الإقليمي، واحتل المتظاهرون مطار ألما آتا وتم تعليق جميع الرحلات الجوية. وتعرّض عدد من المباني الإداريّة للهِجوم في ثلاث مُدن رئيسيّة أخرى في البلاد.

وأظهرت مقاطع الفيديو التي بدأ بثّها مُنْذ يوم الخميس الماضي على مواقِع التواصُل الاجتماعي اشْتِعال النيران في متاجر ومبانٍ مسروقة في ألما آتا، وأصوات أسلحة ناريّة آليّة وصراخ السكان. ومع ذلك، كانت الصورة الكاملة للفوضى غير واضحة، بسبب الانقطاعات المتكرِّرة في الاتصالات، بما في ذلك إشارات الهاتِف المحمول، وحظر الرسائل عبر الإنترنت وإغلاق الإنترنت لساعات.

وعلى خلفية أعمال العُنف في الشوارع، انطلقت في ألما آتا عملية لـ "مكافحة الإرهاب" و"استعادة النظام العام". وقال الرئيس توكاييف إن "الإرهابيين الذين تلقّوا تدريباً في الخارج" يهدِّدون "سلامة الدولة" وأن المواطنين طلبوا "مساعدة عاجلة".

في اليوم الثالث على التوالي من الاحتجاجات، وبعد 24 ساعة من دعوة الرئيس لتدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي - وهو تحالف عسكري تقوده روسيا يضم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان - ظهرت في الشوارع العديد من القوات والمدرعات وتم احتجاز المركبات في الساحة المركزيّة في ألما آتا. ووصلت قوات المظليين الروس إلى كازاخستان يوم الخميس 6 يناير الجاري. ومن جهتها، أشارت موسكو إلى أن الاحتجاجات الدموية في كازاخستان من عمل أجهزة المخابرات الأجنبية. وواصل جِسْر جوي من 20 طائرة نقل عسكريّة يوم السبت الماضي نقل القوات الروسيّة لكازخستان، وجرى اتصال هاتفي بين الرئيس بوتين ونظيره توكاييف.

وبحسب التلفزيون الرسمي، نقلاً عن وكالة فرانس برس، قُتل أكثر من 13 عنصراً من قوات الأمن حتى يوم الخميس الماضي، في أعمال عنف في الشوارع، وعثر على جثتين مقطوعتي الرأس.

وفي ذات الوقت، أفادت وسائل إعلام محلية، نقلا عن مصادر بالشرطة، بأنّ "العديد من المحتجين قتلوا ليل الأربعاء إلى الخميس، أثناء استعمالهم القوة في محاولتهم اقتحام مبان إدارية في ألما آتا".

بدورها، أعلنت وزارة الصحة، إصابة أكثر من 1000 شخص في الاشتباكات وأعمال العنف والشغب، وأكدت أنّ أكثر من 400 بحاجة للعلاج في المستشفيات. ولاحِقاً أعلنت وزارة الداخلية الكازاخستانية مقتل 26 متظاهراً، وصفتهم بـ "المجرمين المسلحين" واعتقال أكثر من 3000 من قبل السلطات. وقالت الوزارة إن نحو 18 عنصراً من قوات الأمن قُتِلوا وأصيب 748 آخرون في أعمال العنف.


* استياء متصاعد:

ويُذكر أنّ المظاهرات انطلقت في منطقة مانجيستاو الغربية الغنيّة بالنفط بعد أنْ رفعت الحكومة السيطرة على أسعار الغاز النفطي المسال في وقت سابق من هذا العام، وكان العديد من الكازاخستانيين قد حوّلوا سياراتهم لاستخدام هذا النوع من المحروقات بسبب تكلفته المنخفِضة.

الجدير بالذكر أنّ كازاخستان، من أكبر منتجي النفط في العالم وتاسع أكبر دولة من حيث المساحة، كانت قد جذبت مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبيّة وحافظت على اقتصاد قوي منذ حصولها على الاستقلال قبل 30 عاماً عندما تفتت اتحاد الجمهوريات السوفيتية السابق.

ومع ذلك، أشارت رويترز مؤخراً إلى أن دعم الغاز الطبيعي المسال أدى إلى خلق وضع تواجه فيه البلاد بانتظام نقصاً في النفط وموارد الخزينة. وبالتالي، كان إلغاء الحدود القصوى للأسعار وسيلة سعت الحكومة من خلالها إلى تخفيف العجز المالي وضمان وصول الشُحنات إلى الأسواق المحلية.

بيد أنّ الخطة انقلبت على الحكومة، فبعد إزالة السقف الأعلى للسعر، تجاوزت أسعار الغاز المسال ضعف ما كانت عليه، وسرعان ما تفجّرت الاحتِجاجات في جميع أنحاء البلاد.

ولا ننسى انه كان هناك أيضاً في كازاخستان استياء متصاعد ضد الحكومة المركزيّة، بما في ذلك الغضب من الفساد الحكومي المُسْتشري، وعدم المساواة في الدخل، والصعوبات الاقتصاديّة، وتفاقمت تلك الأوضاع جراء جائحة كوفيد 19.

وفي حين أن الموارد الطبيعيّة التي توفّرت في البلاد قد أنتجت نُخْبة صغيرة غنيّة للغاية، يشعر العديد من الكازاخستانيين العاديين بأن السلطات قد تخلّت عنهم. وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، أصبحت الاحتجاجات "نتيجة مباشرة للقمع الواسع النطاق لحقوق الإنسان الأساسية من قبل السلطات لسنوات عديدة".


* إعفاء نزارباييف:

مع طلب المساعدة من التحالف العسكري الذي تقوده روسيا، أعلنت السلطات حالة الطوارئ على المستوى الوطني، مع فرض قيود على حركة المرور حتى 19 يناير الجاري. وبالإضافة إلى ذلك، وفي محاولة للحد من الكارثة، أمر توكاييف الحكومة بخفض سعر الغاز الطبيعي المُسال.

وعلى ذات الصعيد قال إنه تمّ تنفيذ سلسِلة من الإجراءات التي تهدف إلى "استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي"، بما في ذلك سيطرة الحكومة على أسعار المحروقات لمدة 180 يوما، ووقف رفع تعريفة المرافق للمواطنين لنفس الفترة الزمنيّة، وكذلك النظر في إعانات الإيجار "للشرائح الضعيفة من السكان".

لا شك انّ تكلفة استعادة الاستقرار ستكون عالية ومُكلِّفة، وقد صرح الرئيس توكاييف بأنه "أمر بإطلاق النار دون إنزار"، واردف "إنّ الحوار مع مرتكبي العنف والشغب ضرباً من الغباء".

وإلى ذلك، استقال رئيس الوزراء عسكر مامين وحكومته، وتولى الرئيس توكاييف السيطرة على مجلس الأمن في البلاد مُطيحاً بالزعيم السابق نور سلطان نزارباييف الذي عين الرئيس الحالي للبلاد في المنصب. في الواقع، بدا أنّ الكثير من غضب الحشود المُحْتَجَّة كان موجّهاً إلى نزارباييف، حيث نُشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر هدم تمثالاً للرئيس السابق، وبدأت بالفعل تصفية رجال نزارباييف وابعادهم من مناصبهم.

ويعتبر نزارباييف (81 عاما) أقوى سياسي في "نور سلطان" العاصمة التي بُنيت خصيصاً له وسُميت باسمه. علاوة على ذلك، يَعْتَقِد الرأي العام الكازاخستاني أنّ عائلته لا تزال تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد.

الثابت أنّ نزارباييف، ومن قبل استقلال البلاد عام 1991، هيمن على المشهد السياسي الكازاخستاني. وهو رئيس قديم ومسؤول سابق في الحزب الشيوعي، وحكم البلاد لما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن يتقاعد عام 2019.

ولا ريب أنّ أساليبه الشموليّة أثارت قلقًا دوليّاً وسمحت للسلطات بقمع الاحتجاجات وسجن المنتقدين وخنق حُريّة الصحافة. علاوة على ذلك، اتُهم نزارباييف بتعيين أفراد من عائلته وحلفاء في مناصب حكومية رئيسيّة.

اشتهر نزارباييف في الغرب بتخليه عن الأسلحة النووية ونقل العاصمة إلى مدينة أستانا المستقبلية - والتي أعيدت تسميتها لاحقاً باسم نور سلطان.

ووفقاً للمراقبين الدوليين، لم تكن الانتخابات الرئاسية في كازاخستان أبداً حُرّة ونزيهة. ففي عام 2015، حصل نزارباييف على 98% من الأصوات. وعندما استقال، نقل السلطة إلى توكاييف، لكنه ظل شخصية مؤثرة ومثيرة للجدل بالطبع.

ومع ذلك، ساعدت سُمعة كازاخستان في الاستقرار تحت قيادة نزارباييف في جذب مئات المليارات من الدولارات من الاستثمار الأجنبي في صناعة النفط والمعادن.


* كازاخستان أمس واليوم:

تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة فرنسا وعدد سكانها 19 مليون نسمة فقط، وتُعد كازاخستان أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، وتحِدها روسيا من الشمال والصين من الشرق، وتحافظ قيادتها على علاقات وثيقة مع روسيا، علما بأنّ كازاخستان موطناً لأقلية عرقية روسية كبيرة، تمثل حوالي 20% من السكان. وتعتمد موسكو أيضاً على قاعدة بايكونور الفضائية في جنوب كازاخستان كمنصة إطلاق لجميع مهام الفضاء التي عليها رجال فضاء وخبراء من روسيا.

وتُعرف كازاخستان كأكبر مورِّد لليورانيوم في العالم، وقد ارتفعت أسعار المعادن المُشِعة بشكل حاد بينما تواجه البلاد احتجاجات حاشِدة.

تُعد كازاخستان أيضاً مصدراً للطاقة للصين والدول الغربية، نظراً للطلب المتزايد على النفط والغاز راهِناً وفي المستقبل القريب. ولأهمية احتياطياتها من النفط والفحم واليورانيوم، تلعب الدولة دوراً مُهِمّاً في أسواق هذه المواد الخام، ممّا يجْذِب اهتمام روسيا والصين والولايات المتحدة على حدٍ سواء.

وفي الاجتماع الثنائي الأخير بين رئيس وزراء كازاخستان ونظيره الروسي، أبرم البلدان مذكرة تفاهم لمواصلة بناء ممرّات للطاقة إلى الصين وأوروبا وإنشاء بنية تحتيّة لتسهيل بيع الغاز الطبيعي المضغوط.

كما يتطلع البلدان أيضاً إلى بناء طُرق سريعة لجلب الابتكار التكنولوجي والتنمية الاقتصاديّة إلى المناطق التي تربط أوروبا بالصين. ووفقاً للمحللين، فإن ممر النقل بين أوروبا وغرب الصين وروسيا وكازاخستان سيسهِل زيادة تدفُقات الصادرات.

ومُنْذ حصولها على الاستقلال عام 1991، ارتبطت تنمية كازاخستان بشكل مباشر بقدرتها على جذب المستثمرين الأجانب، وخاصة الأمريكيين، لاستغلال حقول النفط. ويحظى قطاع النفط والغاز بأهميّة استراتيجيّة للاقتصاد الكازاخستاني.

كازاخستان هي ثاني أكبر منتج للنفط في رابطة الدول المستقلة بعد روسيا، ويتم تصدير إنتاجها بشكل رئيسي من خلال CPC (اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين). يمر جزء كبير من صادرات البلاد عبر إيطاليا وهولندا، مِمّا يجعل من الصعب تحديد أين يذهب نفط البلاد، علماً بأنّ نسبة صغيرة من الصادرات تذهب إلى الصين ونصف استثمارات الصين في البلاد في النفط والغاز، وهناك أيضاً خط أنابيب مخصص لتصدير النفط الكازاخستاني إلى الصين.

بفضل استثمارات شركتي شيفرون واكستون موبيل، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في كازاخستان. لكن الأمريكيين مهتمون أيضاً بقطاعات أخرى، مثل النقل والبناء والزراعة. في سبتمبر 2020، أطلقت غرفة التجارة الأمريكية مجلس الأعمال الأمريكي الكازاخستاني لتعزيز العلاقات الاقتصادية.

من إجمالي إنتاج الكهرباء، تمثل الصادرات حوالي 5.7%، معظمها إلى روسيا وأوزبكستان، علماً بأنّ كازاخستان لم تَعُد نشطة في توليد الطاقة النووية. ومع ذلك، في عام 2014، أنشأت الحكومة محطات الطاقة النووية JSC، والتي بالتعاون مع (كازاتومبروم)، تُعِد دراسة جدوى لبناء محطتين للطاقة النووية. وتم توقيع اتفاقية مبدئية مع شركة (روساتوم) الروسية.

وفيما يتعلق بالفحم، تقع كازاخستان بين العشرة الأوائل في العالم من حيث الاحتياطيات والإنتاج والصادرات، ويتم تصدير حوالي ربع الإنتاج، معظمه إلى روسيا.


isammahgoub@gmail.com

 

آراء