هل الحل في الانتخابات المبكرة والانقلاب على الثورة؟
تابعنا في مقال سابق بعنوان " الصراع والتصدع داخل السلطة" المخطط لقطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها، بالانقلاب عليها أو الانتخابات المبكرة، كما في تصريحات الفريقين العطا والكباشي التي اسفرت عن نوايا المكون العسكري بأنه لن يسلم السلطة للمدنيين ، وجاءت اضافة لها تصريح البرهان بأنهم لن يسلموا السلطة الا ( لأيدى أمينة)، إضافة للصراع داخل المكون العسكري نفسه بين قائد الدعم السريع ( حميدتي) وبقية المكون العسكري ، مما عكس الأزمة والصراع والتباين داخل التحالف الحاكم.
أما داخل قوى التغيير فواصل حزب الأمة تجميد نشاطه داخلها ، فتحدث الصادق المهدي في خطبة العيد عن حماية الفترة الانتقالية ، وفي الوقت نفسه ينادي بانتخابات مبكرة، وينسق مع الاسلامويين كما في مقابلاته مع قادة الوطني والشعبي، والإخوان المسلمين. الخ، مما يتعارض مع "الوثيقة الدستورية" التي وقع عليها ، مما أدي لتخوف الكثيرين بأن الصادق المهدي يسير في تكرار فشل الفترة الانتقالية والديمقراطية الثانية والثالثة.فمخطط حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي أصبح واضحا ، تفكيك قوى الحرية والتغيير والتحالف مع الإسلامويين بمختلف أشكالهم،، والتحضير للانتخابات المبكرة، وحل لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد وإعادة الأراضي والأموال والشركات المصانع الي بقايا فلول النظام البائد.
فكرة الانتخابات المبكرة ليست جديدة ، فبعد مجزرة فض الاعتصام الغي البرهان كل الاتفاقات مع قوى الحرية والتغيير ، ودعا لانتخابات مبكرة، خلال 9 أشهر علي الأكثر ، لكن موكب 30 يونيو 2019 قطع الطريق أمام ذلك المخطط.
كما لوح عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني وحليف حزب الأمة في "نداء السودان" للانتخابات المبكرة ، وصرح " اذا فُرضت علينا انتخابات مبكرة سنخوضها مع الخائضين"، بعد أن أقر بفشل ق.ح.ت في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، وخطأ ما فعله وزير المالية بشأن احتكار شركة الفاخر لتعدين الذهب، مما يستوجب المساءلة ( الراكوبة: 17 /1/ 2020)، جاء ذلك رغم توقيع حزب الدقير علي "الوثيقة الدستورية" ومسؤوليته في الفشل، والتهاون في عدم تنفيذ مهام الفترة الانتقالية التي تمهد الأرض لديمقراطية راسخة ووطيدة بتفكيك التمكين واستعاد الأموال المنهوبة، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، والسيادة الوطنية ،وقيام علاقات خارجية متوازنة، وتحقيق السلام والمؤتمر الدستوري، وعقد المؤتمر الاقتصادي لاصلاح الاقتصاد والأوضاع المعيشية. الخ، فكيف تتم المشاركة في انتخابات مبكرة لم تهئ لها الأرضية المناسبة.!!، وهذا ليس جديدا من المؤتمر السوداني فهو من دعاة " الهبوط الناعم" والمشاركة مع البشير في انتخابات 2020 ( راجع العربي الجديد : 13 يونيو 2018)، والحوار مع نظام البشير علي أساس خريطة الطريق، في حين أعلنت "قوى الاجماع الوطني" وقتها مقاطعة انتخابات 2020 ، والتزام خط اسقاط النظام عن طريق الانتفاضة الشعبية وعدم الدخول في الحوار معه، لكسب الوقت وإطالة عمره.
فكيف تتم انتخابات مبكرة ولم يتم تحقيق أهداف الثورة في محاسبة المجرمين واستعادة الأموال المنهوبة ، وقبل محاسبة الخونة، فالهدف من الانتخابات المبكرة بات واضحا هو الانقلاب علي الثورة والفترة الانتقالية، واغلاق كل ملفات الجرائم ونهب ممتلكات وثروات البلاد.
كل ذلك يقودنا للمزيد من تسليط الضوء علي المخطط للانقلاب علي الفترة الانتقالية الذي نلمسه في التهاون في حفظ الأمن ، ومواجهة النشاط المعادي للثورة من عناصر الوطني المحلول أو الفلول، فنلاحظ استمرار المخطط بالاعتداء والضرب والالفاظ غير اللائقة كما حدث في مستشفي المناقل ، حتى بعد اجازة قانون حماية الكوادر الطبية ، وتخريب المستشفيات ومعداتها.
اضافة لعدم توفير المالية للنقد الأجنبي اللازم للدواء مما أدي لاضراب أصحاب الصيدليات، والزيادات الكبيرة في الأسعار، والنقص في الجازولين الذي أدي لتوقف المصانع منذ رمضان ، كما أشار رئيس الغرفة الغذائية السابق باتحاد الغرف الصناعية عبد الرحمن عباس ، مما أثر علي زيادة الأسعار.
كان من المفترض مع الزيادات في المرتبات ضبط السوق وتركيز الأسعار، ومعالجة أوضاع العاملين في القطاع الخاص ،حتي لا يبتلع السوق الزيادات ويتم إعادة إنتاج الأزمة المعيشية والاقتصادية بشكل أعمق في ظل غياب الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، ورفع الدعم عن السلع الذي أصبح واقعا بعد الزيادات في أسعار المحروقات والخبز. الخ، اضافة لتطبيق توصيات البنك وصندوق النقد الدوليين باستبدال الدعم السلعي بالنقدي ، بدلا من دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والزراعي والخدمي الذي لايجعلنا متسولين للمؤسسات الدولية، فكما يقول المثل الصيني : " بدلا من تعطيني سمك ، علمني صيد السمك"، فلا يفيد إعلان وزارة المالية والتخطيط أن 80% من الأسر السودانية ستتلقي مساعدات مادية بقيمة 500 جنية عن طريق التحويل ،مما يؤكد رفع الدعم.
تهاونت حكومة الثورة منذ البداية في مسألة السيادة الوطنية، واستعادة الأراضي السودانية التي فرّط فيها النظام البائد، واستغلت مصر واثيوبيا ضعفه، فاحتلت مصر حلايب وشلاتين ومعبرأرقين، واحتلت اثيوبيا الفشقة وتوغلت في الأراضي السودانية، علما بأن الفشقة سودانية منذ ترسيم الحدود بين السودان واثيوبيا عام 1902 ، وحلايب وشلاتين وارقين سودانية منذ خريطة السودان 1898م، وكان من المهم منذ البداية التفاوض مع الحكومتين المصرية والاثيوبية لاستعادة تلك الأراضي، حتي لاينفجر التوتر الحالي في الحدود، والذي يجب حله سلميا، ولا زال هذا الواجب قائما، وعدم الدخول في حرب تضر باقتصاد البلاد المنهار اصلا، خاصة بعد الاعتداء الاثيوبي علي منطقة بركة نورين ، مما أدي لقتلي وجرحي ونزوح 2000 مواطن سوداني للقري المجاورة.
* كما ورد في الأنباء أن هناك محاولات جارية لتهريب قيادات الانقاذ من معتقلاتهم ، إلي تركيا ( الراكوبة: 1 يونيو 2020)، مما يتطلب اليقظة والاستعداد لاحباط ذلك..
* كما انتقد بيان شبكة الصحفيين السودانيين الصادر بتاريخ: الخميس 28 مايو 2020، إعلان رئيس الوزراء تنظيم منتدي صحفي دوري يجمعه برؤساء تحرير الصحف وكتاب الأعمدة الذين دعموا نظام البشير حتى آخر لحظة، واعتبرها خطوة مرفوضة ومستهجنة، فرؤساء التحرير كانوا ملتفين حول الرئيس السابق المخلوع ، مما يشير لجهات تريد إنتاج ذات الممارسات القديمة، علما بأنهم ليسوا الأداة المناسبة لعكس ما يدور في الشارع له ، فأغلب رؤساء التحرير لم يكونوا بجانب الثورة.
* من كل ما سبق يتضح لنا الأساس المادي والطبقي لتسارع المخطط للاتقلاب علي الثورة أو الانتخابات المبكرة الذي تلعب فيه الفلول دورا كبيرا كما في الفتنة القبلية في دارفور والشرق وجنوب كردفان، وتخريب الاقتصاد والمستشفيات، وخرق حظر " الكرونا" مما أدي لزيادة الاصابات، ونشر الاشاعات والأكاذيب عن طريق إعلامها الذي ما زال متمكنا من صحف ورقية والكترونية وقنوات مسموعة ومرئية، وحرق محاصيل القمح والقطن، وتهريب السلع ، ورفع الأسعار وقيمة الدولار، وخروج المواكب المسلحة في ظل تهاون السلطات معها في العاصمة والأقاليم، إضافة لدعوات بعض المكون العسكري في مجلس السيادة بعدم تسليم السلطة للمدنيين، وعدم تحويل كل شركات االقوات النظامية الي المالية، وتأهيل وتدريب الجيش لحماية الوطن، وتجميد الأمة لنشاطه في ق.ح.ت والاتجاه للتحالف مع الإسلامويين لعودة عقارب الساعة للوراء وتكرار التجارب السابقة الفاشلة التي أدخلت البلاد في انقلابات عسكرية كانت وبالا ودمارا لها.إضافة لدعوات المؤتمر السوداني بخوض الانتخابات المبكرة اذا فُرضت علينا، بدلا من النضال لتصحيح مسار الثورة، وتحقيق شعارتها ، فالانتخابات المبكرة في ظل عدم تهيئة الأرضية المناسبة من تفكيك التمكين واستعادة الأموال المنهوبة، والغاء القوانين المقيدة للحريات. الخ ، تعيد إنتاج الأزمة، كما حدث بعد ثورة أكتوبر 1964،اضفة لتدهور الأوضاع المعيشية من خلال تزايد الغلاء ورفع الدعم ، وتطبيق توصيات البمك والصندوق الدوليين، وانهاك السودان في صراعات داخلية وخارجية، والسير في منهج السلام القائم علي المحاصصات و المسارات لا القضايا ، وعدم الحل العادل والشامل الذي يعيد إنتاج الأزمة،
لا شك أن كل ذلك يقود للانهيار والانقلاب علي الفترة الانتقالية والانتخابات المبكرة بدون انجاز مهام الفترة الانتقالية الذي سيكون له آثار مدمرة أكثر مما مضي في ظل الاطماع الدولية الاقليمية في موارد السودان الزراعية والحيوانية والمعدنية، مما يتطلب تقوية وتمتين صفوف قوى الثورة ، والتقويم الناقد لتجاربها وتصحيح مسارها، حتى تصل لأهدافها في انجاز مهام الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk