هل سيفصل الجنوب أم سينفصل؟ (3) …. بقلم: أمين زكريا إسماعيل/ امريكا

 


 

 

amindabo@hotmail.com

 

ثانى عشر:

يصف كثير من الكتاب و المحلليين السياسيين الوضعية السياسية التى افزرتها اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) فى العلاقة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان و المؤتمر الوطنى بوصفات قد تتناسب مع البعد المصلحى السياسى لكل تنظيم او حزب سلبا او ايجابا، فمثلا و صفات الشركين احيانا تصب فى الاتجاه النقدى للطرفين و خاصة فيما يتعلق يتوزيع السلطة، او وصفهما بالمتشاكسين للتقليل من دورهما الاثنين معا، و احيانا اخر للاستنجاد بهما لحل بعض القضايا الوطنية بإعتبارهما واقعا يمثل السلطة الموجودة والى آخره من النعوت. و لكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف ينظر طرفى اتفاق نيفاشا كل من منظوره الى اتفاقية السلام؟ هل انهما متفاقان حول الرؤية التفصيلية للاتفاق و تطبيقاته أم لا؟.

الاجابة على التساؤل من مجريات و اقع الممارسة التطبيقية لبنود و جداول تفاصيل الاتفاق تشير الى ان  السلام كان تكتيك سياسى و لم يكن استراتيجية من قبل كثير من صقور المؤتمر الوطنى، لفك الحصار الذى فرض عليه دوليا و اقليميا و محليا فى مطلع الالفية الثالثة، و كتهدئة عسكرية و سياسية فى جبهات الجنوب و جبال النوبة و النيل الازرق وشرق السودان و امتصاص حالات التوتر السياسى الداخلى فى الخرطوم و اقاليم السودان، و للتفرغ للقضاء على دارفور عسكريا كما كانوا يتصورون، لذلك فان البنود التفصيلية للاتفاق كانت موضع خلاف داخلى بين قيادات المؤتمر الوطنى المتفاوضة بقيادة على عثمان طه و الاخرى الموجودة بالخرطوم بقيادة البشير، و هو ما جعل الرحلات الماكوكية المستمرة لعلى عثمان بين الخرطوم و نيروبى اثناء التفاوض لتحقيق رؤيا وسط تحافظ نسبيا على التماسك الداخلى للمؤتمر الوطنى، و لقد اكدت التحليلات و الافعال السياسية تكتيكية خطط المؤتمر الوطنى فى التعامل مع تطبيق بنود السلام، و هو ما قاد الى خلافات كبيرة مع الحركة الشعبية وصلت زروتها مقاطعة الحركة الشعبية لمجلس الوزراء و البرلمان و الترتيب مع قوى سياسية معارضة (جوبا) بل و المشاركة فى تظاهرات سلمية من اجل تمرير قوانين متفق عليها دستوريا و كجزء من متطلبات اتفاقية السلام و التحول الديمقراطى مما ادى الى اعتقال قيادات سياسية بارزة من كل القوى السياسية بما فيها امين عام الحركة الشعبية و نائبه. اذا تكتيك المؤتمر الوطنى تبنى نهج المماطلة فى تنفيذ الاتفاق و محاولة استقطاب بعض العناصر من الحركة الشعبية بوسائل مختلفة و شقها و شلها و جعلها تتآكل داخليا لاضعافها و الانقضاض عليها و الالتفاف على الاتفاق نفسة.

 فالمؤتمر الوطنى يرى ان تعامل مع السلام كإستراتيجية هذا يعنى حرية التعبير و الصحافة و الندوات و الشفافية و الديمقراطية ...الخ مما سيكون سببا فى ازالته، خاصة بعد الاستقبال المليونى التاريخى للدكتور جون قرنق و تبنى الكثيرين خاصة فى شمال السودان لطرح السودان الجديد، بجانب الاستياء من ممارسات نظام المؤتمر الوطنى، و اصطفاف مئات الالاف من السودانيين فى عام 2005م للتسجيل للعضوية فى مكاتب الحركة الشعبية فى معظم انحاء السودان و بالاخص فى شماله. لذلك يرى كثير من صقور المؤتمر الوطنى ان هذه الوضعية حتما ستقودهم خارج السلطة و المحاسبة اذا تم تطبيق الاتفاق بشفافية، خاصة بعد ظهور محكمة الجنايات الدولية و الضغوطات الدولية بما فيها الامم المتحدة و الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاروبى و قضايا الارهاب و الحريات ..الخ. و كلما برزت أوجه خلاف بين المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية حول التطبيق الامثل لاتفاقية السلام، كلما انفضح تكتيك المؤتمر الوطنى، و دائما ما يلاحظ المراقب للوضع السياسى ان رافضى نيفاشا من صقور المؤتمر يرمون اللوم بصورة مباشرة او غير مباشرة على على عثمان طه، و يدفعون به دائما لتقريب وجهات النظر باعتباره مهندسا و موقعا على اتفاق نيفاشا و فقا لتكتيك المؤتمر الوطنى المتفق عليه، و نائبا لرئيس الجمهورية و مقبولا لحد ما من قيادات الحركة الشعبية بحكم ما يتميز به من  علاقات التفاوض الطويلة، الا ان على عثمان استطاع ان يوظف قدراته القانونية و تجاربه السياسية (بجانب نجاضتة الشايقية) لقراءة مستقبل الواقع السياسى السودانى و المراقبة الدولية لتنفيذ اتفاق السلام، مما اكسبه  قبول دولي الى حد ما، و جنب ورود اسمه ضمن مجرمى الحرب المطلوب القبض عليهم و التناسى المصرى عن موضوع محاولة اغتيال حسنى مبارك التى كان ينسب تدبيرها اليه فى التسعنينيات، مما اعطته مساحة للتحرك دوليا اكثر من الرئيس نفسه.

من جانبها الحركة الشعبية لتحرير السودان كانت تنظر لاتفاق السلام من زاوية استراتيجية لسلام مستدام و بناء السودان على اسس جديدة، مستفيدة من الرؤية الواقعية و المنطقية لفكر قائدها الدكتور جون قرنق حول السودان الجديد المبنية على الوحدة فى التنوع و التى و جدت رواجا و قبولا ربما فاق تصورات الحركة الشعبية مرورا بوفد المقدمة و الاستقبال التاريخى للدكتور قرنق و جولاتها جنوبا و شمالا و شرقا و غربا و وسطا، و لقد ساعد الحركة الشعبية ايضا حالات الاحباط السياسى الذى فرضه المؤتمر الوطنى بقمع الشعب السودانى و حرياته،  و الممارسات الخاطئة الكثيرة منذ العام 1989م، بالاضافة الى ان الاتفاقية كانت متنفس سياسى نسبى لكل الاحزاب السياسية التى صودرت ممتلكاتها و جمدت انشتطها و جزئت و قسمت احزابها و توالى بعض منتفعيها مع النظام، بالاضافة الى الذين احيلو ظلما من الخدمة المدنية و العسكرية عبر ما يسمى بالصالح العام و الضرر الذى لحق باسر شهداء رمضان و التشريد و التهجير ودارفور ..الخ.

 و رغم ان قيام الوحدة على اسس جديدة كان طرحا اسياسيا للحركة الشعبية لتحرير السودان اذا ما تم تطبيق الاتفاقية بصورة صحيحة، الا انه فى المقابل من رؤية المؤتمر الوطنى ان التطبيق الصحيح يعنى زوال السلطة من يده، و خاصة ان معظم القوى السياسية تقف ضده، وحتى يبرر مكامن الخطورة فانه يعزف عل اوتار الدين الحساسة للتمسك بالسلطة حتى لو ادى ذلك لتمزيق السودان او العودة الى مربعات الحروبات طالما هى بعيدة عن مركزه فى الخرطوم و تنفذ بابناء الهامش، و هو ما ينبئ بصوملة و فركشة السودان اذا لم تدار القضايا السياسية بتعقل و رشد فى المرحلة القادمة.

و رغم من الرؤية الوحدوية للحركة الشعبية على اسس جديدة، إلا ان الحركة لديها اوراق ضغط اخرى تمثلت فى حق تقرير المصير و الاستفتاء و المشورة الشعبية كممارسات سياسية اخرى متفق عليها فى اتفاقية السلام الشامل ( سنفرد لها مقالات لاحقا)، رغم محاولة المؤتمر الوطنى للاتفاف حول مفاهيمها و مدلولاتها و جداولها الزمنية، و اذا لم ينفذ ما تبقى من بنود الاتفاق بصورة صحيحة فان المشهد السياسي السودانى سيشهد مزيدا من التوترات و التعقيدات فى الشهور القادمة.

15/6/2010م.

 

آراء