هل سيفصل الجنوب أم سينفصل؟ (4) … بقلم: أمين زكريا اسماعيل/ أمريكا

 


 

 

amindabo@hotmail.com

ثالث عشر:

 حديث المؤتمر الوطنى عن جاذبية الوحدة بعد الانتخابات جاء متأخرا ومفتعلا، مما يؤكد ما ذهبنا اليه فى مقالنا السابق عن النظرة التكتيكية للمؤتمر الوطنى  حول اتفاقية السلام المبنية على استمراريته فى السلطة بشتى السبل و من ثم التفرغ للقضايا الاخرى بمنظوره و رؤيته. ففى الوقت الذى إحتضن المؤتمر الوطنى حينها المنشقين عن الحركة الشعبية لتحرير السودان فى التسعينيات تحت مسميات و برامج انفصال جنوب السودان التى تم التوقيع على اساسها، بل كان أحد اهم اسباب اختلافهم مع الدكتور جون قرنق و ما تبقى معه من القيادات هو تمسكهم بطرحهم الوحدوى ، بينما نجد ان  المؤتمر الوطنى قام بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل فى عام 2005م  بمعاداة التيار الوحدوى داخل الحركة الشعبية، لانه تأكد ان الوحدة تعنى تغيرا فى مراكز السلطة و صنع القرار و اتساع دائرة الحريات و المشاركة الديمقراطية  و بناء السودان على اسس جديدة تحترم تنوعه المتعدد. فكان الهجوم منصبا اعلاميا على من اسماهم ابناء قرنق و هم الاكثر وحدوية من غيرهم، و امطرهم من النقد و الاساءات و المماطلات فى تنفيذ الاتفاق، الى ان تم تحويل قناعات العديد منهم من وحدويين الى انفصاليين، لانهم وصلوا الى طريق مغلق عبره لا يمكن ان تحقق الوحدة على اسس جديده.

 اذا نقض العهود و تكرار الاخطاء المركزية التاريخية ستكون سببا فى انفصال الجنوب، بل ان استمراريتها يعنى اعادة انتاج الازمة مما ستكون سببا فى انفصال مناطق اخرى من السودان لاحقا.

رابع عشر:

الاطماع الضيقة لاستمرارية المؤتمر الوطنى فى السلطة أعمته عن مخاطر الانفصال على السودان بصفة عامة، فمعاكسات المؤتمر الوطنى الحالية حول الانفصال تركز على الجانب المالى المباشر للبترول الذى سيخسره بانفصال الجنوب، لذلك فان التاخير فى تشكيل مفوضية الاستفتاء هو تكتيكا، كما أن المناطق التى لم يتم اكمال الحدود فيها هى مراكز انتاج البترول، و مواقع التماس و خاصة منطقة أبيي. فالتداخل الرعوى و المصالح المشتركة بين المسيرية و الدينكا لا يمكن النظر اليه بمنظار خلق فتنه داخلية بين المجموعتين الاثنيتين لانهما سيكونان المتضررين واقعيا من ذلك حتى ولو انتصرت مجموعة على الاخرى سياسيا او عسكريا، لذلك على العقلاء من الطرفين الدخول فى حورات من الان لتوقعات نتائج ما بعد الاستفتاء سواء كان لصالح الوحدة ام الانفصال. ففى حالة الانفصال يجب ان يراعى حقوق المسيرية فى الرعى باعتباره نمط و اسلوب  و واقع حياتهم، و ذلك بمنحهم اوراق رسمية و تنظيم مساراتهم و توفير الحماية لهم و لابقارهم، بل و مساعدتهم اذا ما استقر الجنوب فى حالة الانفصال، و يجب ان يتنبه عقلاء المسيرية  الى اهمية و حساسية و ضعية علاقتهم المصلحية مع الدينكا بصورة شعبية، اكثر من الوضع الحكومى المركزى الذى سيسعى الى تعبئتهم و جعلهم و قودا للحرب بالوكالة و ذلك بتقديم اغراءات مالية و وظائفية و عسكرية لبعض ابنائهم المنتفعين من وضعيتهم مركزيا. و ان حدث دخول المسيرية و الدينكا فى حرب  فسوف تشهد المنطقة عدم استقرار لفترة من الزمن و سيتضرر القطاع الرعوى بصورة كبيرة، و اذا ما انفصل الجنوب فان شكل المواجهة لن يكن بالشكل التقليدى القديم، حيث سيكون لدولة الجنوب طيرانها العسكرى و مدراعاتها و بحريتها ...الخ و وسائل الدعم و التحرك و الاتصال المتطورة، و هو ما لا يمكن ان تواجهه مليشيات حتى و لو تم دعمها مركزيا. كما ان النتائج النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية التى تترتب على وضعية الرعاة من المسيرية اذا لم تستطيع ممارسة الرعى بين الجنوب و الشمال بصورة طبيعية و فقدانها لقطعانها و تغير نمط نشاطهم الاقتصادى و الحياتى لا يدرى نتائجة الا من هو مدرك علميا او عبر خبرة ممارسة الرعى نفسه.

الجانب الاخر الذى يجهله او يتاجهلة المؤتمر الوطنى  الذى فرط بممارسته الخاطئة فى جعل الوحدة جاذبة هو المتغيرات الجغرافية و التاريخية و الاقتصادية و السياسية الكبيرة التى سيشهدها السودان، فسوف لن يكون السودان بلد الميلون ميل مربع و لن يكون اكبر دولة فى افريقيا و لن تكون خطوط الطول و العرض هى نفسها و لا التاريخ هو نفس التاريخ، مما يتطلب تغيرا لكل مناهج التاريخ و الجغرافيا و الاجتماع و الاقتصاد و السياسة السودانية ..الخ.

اضف الى ذلك ان السودان سيفقد الميزة الحدودية مع يوغندا و كينيا و الكنغو و اجزاءا كبيرة من افريقيا الوسطى و اثيوبيا مما سيؤثر سلبا على تجارة الحدود و علاقات الجوار و خاصة فى المحافل الاقليمية و الدولية و التبادل الثقافى ..الخ، و الاخطر من ذلك فقدان ثروة بشرية مثمثلة فى شعب جنوب السودان. كما أن المسميات الجغرافية ستكون قابله للتغيير من خلال الواقع الجديد فقد تتحول جنوب كردفان/ جبال النوبة الى جنوب السودان و قد تكون اجزاء من دارفور الجنوب الغربى و هكذا وضعية العديد من الاقاليم، و هو ما يتطلب من المركز عدم تكرار نفس الاخطاء التى ارتكبت مع الجنوب اذا اراد المحافظة على ما تبقى من السودان، و الا و ان النتيجة ستكون مزيدا من الحروبات و الانفصالات اللاحقة. و فى حالة الانفصال السلمى فان الدولة الجديدة فى الجنوب ستكون هى المنفذ الوحيد لاستمراية العلاقات بين السودان القديم و دول الجوار الافريقى.

18/6/2010

 

آراء