هل كان الحزب الشيوعي سببا في فشل المرحلة الانتقالية؟

 


 

 

طه جعفر الخليفة
سيكون جديرٌ بالذكر سرد هذه الوقائع التي حدثت و عايشها معي رفاق كثيرون في صفوف الجبهة الديمقراطية و الحزب الشيوعي في جامعة الخرطوم في السنوات من 1990م-1993م حدثت في تلك الفترة أحداث كبيرة منها علي سبيل المثال إنسحاب الجبهة الديمقراطية و بقية أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي من الترشح لأنتخابات الإتحاد و دعم قائمة مرشحي الطلاب المحايدين لينتصر الطلاب علي تنظيم الإتجاه الإسلامي الإرهابي إنتخابيا و يؤدبوه عبر معركة العنف الشاملة التي أتشرف بأن كنت في قيادة الجبهة الديمقراطية حينها مع كوكبة رفيعة المقام رحل منها للبر الآخر الرفاق الأشداء حسن عطية و هشام عبد العزيز و كان حسن عطية من مهدنسي تلك المعارك الجسورة نوع من القادة سيظل مكانه شاغر . دفعت تلك الهزيمة تنظيم الإتجاه الإسلامي المجرم لتغيير اسمه لحركة الإسلاميين الوطنيين لتفادي حالة العزلة الإجتماعية و الهزيمتان الإنتخابية و العنيفة.
كنت ضمن مجموعة تشرف علي أحاديث الزملاء في أركان النقاش و كان من الأمور الملفتة بالنسبة لي حالة عدم التصديق التي يظهرها طلاب الجامعة لرواياتنا حول بيوت الأشباح. راح الطلاب ضحية لأكاذيب الكيزانية لا بل في كثير من الأحيان كان يحاكموننا علي ضمائرنا و هم يفترضون الكفر فينا كما علّمهم الكيزان. إلي أن حدث ذلك الاعتقال و التعذيب الجماعي جراء رفض الطلاب لوجود الزبير محمد صالح كضيف شرف لإحتفالات التخريج. تمّ بالفعل إعتقال المئات و تعذيبهم بالصعق بالكهرباء و الضرب و الإهانات الجنسية. حتث قام بتلك الأعمال المنكرة أمثال دكتور نافع علي نافع ( ابو الحاج اسمه الحركي حينها) و عبد الغفار الشريف و وقتها لم يظهر اسم المجرم صلاح قوش. إحتاج الطلاب للمرور بتجربة الإعتقال و التعذيب لتصديقها!!؟ و با للخيبة
الثورة التي حدثت كبريات مواكبها و أزهر زخمها بالانتصار في ديسمبر 2018م لم تكن مجموعة أحداث معزولة عن سياقها التاريخي ، كانت نتاجاً لنضالات متراكمة و تضحيات مؤلمة قدمها الشيوعيات والشيوعيون والديمقراطيات و الديمقراطيون الأفذاذ و الطليعون جنباً إلي جنب مع رفاقهم من الإتحاديين و حزب الأمة و عناصر الجبهة القومية الأفريقية و البعثيون و الناصريون و لا أذكر حينها حضورا لحزب المؤتمر السوداني في الشارع العريض لكنني أذكر جسارة المهندس محمد فاروق سليمان و رفاقه النجباء في تنظيم مؤتمر الطلاب المستقلين. الغريبة كانت في تلك الأيام من صلواتي التي أقولها و يعرفها عني الزملاء " اللهم لا تدخلنا في تجربة" و تشاء الأقدار أن يتعلم الطلاب بالتجارب و يبتعدون بعقولهم عن شاشات التلفزة و هرجلة يونس محمود و المرحوم خليل أبراهيم حينها.
ما يتم الآن هرجلة شبيهة و لا أعرف تجربة في الأفق يمكنها معالجة عمي البصيرة السياسية التي يتكلم بلسانها البعض و يقولون أن الحزب الشيوعي يقف مع الفلول ضد قوي الثورة و ضد قحت، اللهم إلا حرب ثانية تحرق ما تبقي من وطن. بالنسبة لي لا جديد حيث تعودت في حياتي التنظيمية علي هذا النمط من هرجلة المتعلمين. نحن بنينا قوي الثورة جنباً إلي مع الشرفاء من عناصر القوي الوطنية الديمقراطية. نحن ألهمنا الناس أسم لجان المقاومة و كوّناها و صرنا نسمع سرّاق الشعارات و الكاذبون يحاججونا في ذلك. الدليل عندنا دامغ و هو دورات اللجنة المركزية قبل ثورة سبتمبر 2013م. فأين كان من يقولون مثل هذا الكلام حينها.
ما بين الحزب الشيوعي و قحت خلاف سياسي له جذور أخلاقية و فكرية و منطلقات طبقية. يرفض الحزب لالشيوعي مبدأ الشراكة مع عناصر اللجنة الأمنية التي إنشقت في صراع تناحري حول السلطة و الإنفراد بنهب ثروات البلاد فيما يعرف الآن بحرب 15 ابريل 2023م المستمرة علي أجسادنا كعذاب. يطالب الحزب الشيوعي بتنفيذ شعارات الثورة المحددة الحرية و تعني السلطة المدنية الديمقراطية و تعني إبعاد جميع واجهات الحركة الإسلامية و تدمير تنظيمهم عبر المحاسبة و إسترداد الحقوق و من يتبقون منهم بإمكانهم بناء ما يشآؤون من تنظيمات لا علاقة بإستغلال الدين من أجل المكسب السياسي. العدالة و تعني في أبسط أشكالها إنصاف ضحايا حكم الحركة الإسلامية في جميع أنحاء السودان دون فرز عبر المحاسبة، مع إن العدالة عند الشيوعيين أمر مختلف يعني مجانية العلاج و التعليم و السكن الإنساني و الخدمات لأي مواطن سوداني و شمولية التنمية و توازنها. السلام يعني إنهاء مظاهر عسكرة المجتمع و الإبعاد الكامل للجيش عن السياسة. حل جميع المليشيات و ليكن السلاح عند قوات الشعب المسلحة السودانية التي تخضع لقيادة الدولة المدنية و تمارس العسكرية بمهنية و إحتراف. إنهاء كل أشكال الفوضي الإستثمارية التي يقوم بها الجيش و غيره من شرطة و جنجويد و فاسدي الحركات المسلحة . هذه الشعارات هل يرفعها الفلول؟ أم هل تقدرون علي النضال من أجلها؟ نحن هنا خلف هذه الشعارات و هي كالجمر مجرد الإمساك بها حارق.
من أراد فهم مواقف الحزب الشيوعي عليه دراسة برنامجه، إحسان الإستماع لمتحدثيه عندما يتكلمون و قراءة ما يكتبه الحزب الشيوعي. من يفعل ما سلف ذكره يمكنه أن يدلي برأيه حول خط الحزب الشيوعي السياسي و يقيّمه. أما من لا وقت لهم لفعل ذلك و يشغلون أنفسهم بمتابعة اللايفات و جرعات التضليل الممنهج التي تحتشد بها السوشيال ميديا، ليستعدوا لدفع الثمن كما يتم الآن. عليه إحتمال القتل و التشريد و الإستعداد لكلاحة الواقع الذي ستفرزه التسويات الناقصة مع المجرمين.
كان الحزب الشيوعي خلال الفترة الإنتقالية كما كان دوماً لسان الغلابة و المقهورين و الفقراء و سيظل يحمل قضاياهم محمل الجد و سيذهب بها إلي آفاق التنفيذ مع من أراد من أبناء شعبنا الأماجد. ليس في الأفق غير التسويات الناقصة و الحلول الدولية التي تريد إسكات البنادق دون التفكير فيما يجب أن يعقب ذلك. نكرر الدعة للجميع لبناء تحالهم المدني العريض من أجل وقف الحرب و قول رأيهم بجسارة كما فعلوا أيام ثورة ديسمبر و ليقم سودانيو الشتات بما يليهم من واجبات و لنتحد كقوي مدنية من أجل إنهاء سيطرة الجيش و مليشاته و حلفائه و منافسيه المسلحين. كيف لحزبِ بهذه المواصفات أن يتهم من عميان البصيرة السياسية بأه مع الفلول. جيد ليكم ! و يتهم بأنه خرّب الفترة الإنتقالية التي كانت خربة بالشراكة المستحيلة مع اللجنة الأمنية. و ها هي الأيام تثبت لكم أن الشراكة مع الجانب العسكري للحركة الإسلامية لا تعني غير إسلام البلد للخراب و الموت و الهجرة و اللجوء.

طه جعفر الخليفة
اونتاريو – كندا
18 فبراير2024م

taha.e.taha@gmail.com

 

آراء