هل من سبيل لالتقاء دعاة التغيير الجذري ودعاة الاتفاق الإطاري؟ نعم، هنالك ثمة أمل!

 


 

حمد الناير
27 January, 2023

 

alnaierhamad20@gmail.com

لسنا في حوجة للحديث عن دور تجمع المهنيين القائد في إنتفاضة ديسمبر 2018 قبل إنقسامه الكارثي على ايدي السياسيين ، فهذا موثق ومعروف. ورغم اعتقادنا ان ما تبق من جناحيه لا يشكل سوى شبحين بهاتين لا يؤثران في توازن القوى الراهن، إلا إننا نعتقد ان انقاسامه الذي تسبب فيه السياسيين هو السبب الأساسي في الوضع المذري للحركة النقابية السودانية الآن، حيث لم يتكون من النقابات السودانية بعد أربعة أعوام من الانتفاضة سوى اربع نقابات فقط هي بالأسم: نقابة الصحافيين، نقابة التشكليين، نقابة الدراميين ونقابة اساتذة جامعة الخرطوم. الاجسام والتجمعات شبه النقابية والتسيرية لا تستطيع أن تحل محل النقابات المنتخبة ونفوذها القانوني والاخلاقي، نفوذها ليس فقط على العاملين بل على المجتمع بأكمله. لننظر فقط الى المقاومة الباسلة لمعلمي السودان من أجل تحسين شروط الخدمة: رغم نجاح الاضرابات واتساعها الا انه هاهو اتحاد المعلمين المهني صنيعة الانقاذ والمؤتمر الوطني والذي اختفي منذ الثورة يعود قبل ايام بحكم قضائي انقلابي ليصدر المناشير ويبدأ في جمع الاتاوات من اولياء الامور. إذن لابد من نقابة منتخبة.
حتى نقف على ازمة الحركة النقابية ووضعها المثير للقلق، دعونا نطالع آخر تصريح حولها صدر عن تجمع المهنيين (أ)، الجناح الموالي لتيار التغيير الجذري. صرح تجمع المهنيين (أ) في بيان يوم 25 ديسمبر 2022 بأنه "يدرك أن الحركة النقابية في اضعف حالاتها" "ولكن لن نتكىء ونحن نعى حجم المسؤولية." ومضى البيان بعد ذلك، دون تبيان لأسباب الوضع المذري للحركة النقابية، في مديح الشعب ونضاله. اما جناح تجمع المهنيين (ب) الذي يتبع لتيار الاتفاق الاطاري فهاهو يمضى في التحضير وعقد الورش التى تحاول تمهيد الطريق للتوقيع النهائي غير آبها بحاضر الحركة النقابية او مستقبلها، فقد انصرف هذا الجناح كليا الى السياسة وقضايا الحكم. هذا وضع كارثي بالنسبة لكل من جناحي تجمع المهنيين ووضع كارثي لكل من تيار التغيير الجذري وتيار الاتفاق الاطاري فدون حركة نقابية ديمقراطية قوية لا ضمان لتنفيذ الإتفاق الإطاري وإن تم توقيعه، كما انه وفي نفس الوقت لا ضمان لتغيير جذري مع غياب الحركة النقابية.
لا نهدف هنا الى القاء اللوم او ادانة اي جناح من الحركة السياسية السودانية، انما نسعى لتأسيس حقائق مجردة قد يساهم فهمها في التسريع بإعادة بناء الحركة النقابية السودانية وبالتالي استعادة الحركة الديمقراطية السودانية بجناحيها – جناح التغيير الجذري وجناح الاتفاق الاطاري – لاهم أدواتها وعدتها في الدفاع عن الديمقراطية ومدنية نظام الحكم. ونولى انقسام تجمع المهنيين أهمية قصوى بإعتبار ان انقسامه قد كان بداية الطريق لهزيمة انتفاضة ديسمبر 2018 والارتداد عليها. وانه السبب الرئيسي في انقسام الحركة النقابية وتشرزمها الآن وإن انقسامه هو السبب الذي عطل و يعطل حركة المهنيين وغيرهم من العاملين نحو انعقاد جمعياتهم العمومية وانتخاب مكاتبها التنفذية. هذا الانقسام انقسام سياسي في الاساس ولابد من تجاوزه لاستعادة الحركة النقابية. قد يكون قد فات الاوان لإعادة توحيد تجمع المهنيين، لكننا نطمح على الأقل الى إنارة الطريق نحو استكمال مهمته الاساسية التى إنصرف عنها بفعل السياسيين وهي على وجه التحديد إعادة بناء الحركة النقابية السودانية، إذ اننا ننطلق من قناعة راسخة تستند على خبرة تاريخية انه لا سبيل الى تغيير جذري في السودان او الى اجبار قوى الثورة المضادة على تنفيذ إتفاق اطاري في غياب النقابات. مما يشجع على طرح ذلك إننا ندرك أن كل من تيار الاتفاق الاطاري وتيار التغيير الجذري الآن ينادي بتكوين مركز موحد للمعارضة، ولكن كيف السبيل الى ذلك مع هذا الإنقسام؟ يبدو للمرء انه امام صخرة صماء من سؤ الفهم عندما يناقش كل من ممثلى التيارين. طيب! الا توجد ارضية مشتركة يمكن لكل من الطرفين وضع قدمه مع الآخر عليها بكل ثقة ومع ذلك يعمل من أجل انجاز هدفه النهائي؟ أزعم ان هنالك ارضية مشتركة صلدة وهي التصميم والانخراط سويا الآن وعلى الفور في استكمال بناء النقابات، بغض النظر عن الاختلاف السياسي، وبغض النظر عن خطهما السياسي الراهن. هذا الطريق على الأقل لن يعيق اي من رؤيتهما السياسية بل سيعززها. لنختبر جدوى هذه الدعوة من خلال اسئلة نوجهها لكل من دعاة التغيير الجذري ودعاة الاتفاق الاطاري.
لنتوجه بالسؤال اولا لدعاة التغيير الجذري ولنأخذ مأخذ الجد دعوتهم للإضراب السياسي العام والعصيان المدني: كيف ستنجز هذا الإضراب وليس لديك نقابات؟ هل تكف هذه الاجسام شبه النقابية المنقسمة على نفسها لشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد؟ هل يكف تدهور الحياة المعيشية لانخراط المواطنيين في عصيان مدني مع هذا الانقسام السياسي المريع؟ إعادة بناء النقابات أمر لازم قبل الحديث عن اضراب سياسي عام وعصيان مدني. واعادة بناء النقابات الآن من المستحيل مع هذا التشرذم النقابي الذي نتج عن إنقسام سياسي مالم يتم الاتفاق على بناء النقابات كهدف في مصلحة الجميع رغم اختلاف السياسات. لنأخذ على سبيل المثال تجمع المهنيين (أ) المؤيد للتغيير الجذري وتجمع المهنيين (ب) المؤيد للإتفاق الإطاري ولنفترض مجرد افتراض أن كل منهما يحتكم على نقابات كاملة وليست اجساد تسييرية شبه نقابية. كم يملك هذا الجناح من قاعدة الحركة النقابية؟ كم يملك الجناح الآخر؟ هل الاجابة 40% ام 60%؟ مهما كانت النسبة، فإنك لا تحتكم إلا على جزء من مكونات تجمع المهنيين القديم دع عنك الحركة النقابية العريضة وهي اضعاف اضعاف تجمع المهنيين. إذن، الوقت لا يزال مبكرا جدا للحديث عن بناء وحدة الحركة النقابية دع عنك الاضراب السياسي العام. وفي ظل هذا الأنقسام لازما عليك مد الجسور لمن يختلفون معك سياسيا ويتفقون معك في ضرورة النقابة. هذا يصب نحو هدفك النهائي في نهاية الأمر.
ولنتوجه الان لدعاة الاتفاق الاطاري. الا ترون كل تلك المناورات من آلة الانقلاب؟ احكام قضائية لاعادة مراكز سلطة نظام المؤتمر الوطني، حركة تمكين جديدة للانقلاب في البنك المركزي والضرائب وقطاع المعادن والنيابة العامة، تدجين الحركات المسلحة على نهج الانقاذ وتجيشها ضد التحول الديمقراطي، تنصل من الاتفاق في شكل تصريحات ومناورات مع دول الجوار والمنطقة، ومحاولات لاغراق اطراف الاتفاق، قمع مفرط ومصادرة للحريات. هذه ادوات يتم استعمالها الآن وسيتم استعمالها غدا لتشكيل الاتفاق الإطاري ونظام الحكم في الفترة الانتقالية. هذا صراع سياسي يتم فيه استعمال جميع الادوات المتاحة وهذا صراع وراءه مصالح تأسست ولن يتم التنازل عنها بسهولة. في ظل توازن القوى الراهن قد ينجح وقد لا ينجح تيار الاتفاق الاطاري في قيادة حركة الشعب السوداني في هذا المنعرج، وفي هذه الحالة لابد لدعاة الاتفاق الاطاري من تحضير ادواتهم الكفيلة بمقاومة بل هزيمة مناورات الانقلابيين ومحاولاتهم للوصول الى مخرجات اتفاق تناسب تطلعاتهم وتفارق تطالعات الإطاريين. لابد من الاعتراف إن الانخراط في بناء حركة نقابية ديمقراطية وتحضيرها للضغط او لمعركة فاصلة حال فشل الاتفاق الاطاري او الالتفاف عليه هو أمر لازم الان، ومهما كان الاختلاف مع دعاة التغيير الجذري لابد من العمل معهم من اجل هذه الغاية. وكما يقول المثل لا يمكن ان تذهب الى معركة بالمسدسات وانت تحمل سكينا.
قد يقول قائل ان كل جناح – جناح التغيير الجذري وجناح الاتفاق الإطاري – سيستغل هذه الدعوة للعمل المشترك من أجل إعادة بناء الحركة النقابية لتنفيذ اجندته وجر الحركة النقابية الى خطه السياسي. هذا من المستحيل وغير ممكنا البتة إذا نظرنا الى تاريخ الحركة النقابية فليس في مقدور تيار سياسي واحد التأثير عليها وقيادتها خاصة في واقع الانقسام الحالي إضافة لمستوى الوعى الراهن. فلنأخذ على سبيل المثال نقابة الصحافيين السودانيين وهي اول وأكبر نقابة يتم إعادة تأسيسها بعد الثورة. منذ ايام قليلة وقع عدد من الصحافيين والكتاب على بيان يؤيد الإتفاق الإطاري وهذا طبيعي وبالتأكيد من حق الموقعين. لكننا نعلم أن هنالك اعداد مماثلة من الصحافيين تقف ضد الاتفاق الإطاري بل تكتب بصورة يومية ضده. لذا لم يطرح ولن يطرح من قبل نقابة الصحافيين موقف مؤيد او معارض للاتفاق الاطاري او التغيير الجذري في ظل هذا الانقسام الكبير في الحركة الديمقراطية ولا ترغب النقابة في إقحام اسمها في واقع متحرك تنقسم عضويتها حوله. وهذا موقف حكيم في ظل الانقسام المريع للحركة الديمقراطية السودانية. ولكن ومع كل ذلك قد يتحول في المستقبل نفس هؤلاء الصحافيين والكتاب الموقعين اليوم الى موقع معارضة اي اتفاق مع العسكر إذا ايقنوا من محاولات الإلتفاف على الاتفاق او افراغه من محتواه او تغول العسكر وفلول النظام البائد عليه. النقابات في السودان تاريخيا تتحرك كقوى جماعية عند المنعطفات الكبرى ودائما ما تتحرك تحت ظل إجماع وطني. لم تتحرك النقابات السودانية طوال تاريخها قط كقوى جمعية دون اجماع وطني امسك بتلاليب الأمة. إذن لا خوف ان ثمة تيار وحيد يمكنه السيطرة على توجهات نقابة.
في نهاية الأمر من مصلحة كل من تيار التغيير الجذري وتيار الاتفاق الاطاري العمل المشترك نحو إعادة بناء الحركة النقابية فهذا أمر في التحليل النهائي يصب في مصلحة التيارين في اي حراك مستقبلي تأتي به الايام والملابسات. لنقبل بالخلاف القائم الآن، لكن لنضع حجر اساس متين نحو مستقبل الديمقراطية وإستقرارها. وقد يفتح التعاون في سبيل بناء الحركة النقابية والدفاع عن حقوق العاملين الف أفق يلم شمل الحركة الديمقراطية السودانية.

 

آراء