هل هي بوادر انفراج لازمة سياسية مستحكمة؟

 


 

 

التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الفريق حميدتي بشأن إنسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي ليست هي الأولى، فقد سبقتها تصريحات سابقه كثيرة وهو الآن أقرب الى الثورة من اي وقت مضى وعلى الجهات المدنية ذات الصلة أن يأخذوا تصريحاته على محمل الجد ويضعوا أيديهم في يده للخروج بهذا المشهد المتأزم من عنق الزجاجة... فالسودان الآن لا يحتمل التمترس في مواقع تتسم بالجمود وعدم المرونة مع المستجدات في الساحة السياسية، فالمواقف ليست كتابا منزلاً لا يحتمل التبديل، ففي السياسه ليست هنالك عداوات دائمة بل مصالح مشتركة، فحيث المصلحة يجب علينا توجيه دفة السياسه لخدمة الوطن والمواطن العادي الذي يتأثر سلبا بالمواقف السياسية المتمترسه... فنحن نعيش في عالم متحرك فلا مجال للجمود...
فخروج المؤسسة العسكرية من إدارة البلاد سياسيا الى مهامها المناط بها في حماية البلاد وضبط الأمن الداخلي للوطن واجب مقدس لا يجب الاستهانة به...
فما يجب على المؤسسة العسكرية القيام به هو الاتفاق ما بين مكوناتها المختلفة أولا لتوحيد صفوفها نحو هدف واضح هو حماية البلاد والحفاظ على استقرار البلاد بين مكوناتها المختلفة مع إدماج ما يمكن إدماجها من قوات المليشيات والدعم السريع للقوات المسلحة مع عدم اغفال دعوة السيد/ عبد الواحد وعبد العزيز الحلو من أجل مصلحة السودان لا من أجل مصالح ذاتية ضيقة، فهؤلاء لهم قضايا حقيقية يجب الالتفات اليها وإلا لكانوا إنحازوا لاتفاقية جوبا للسلام المزعوم كغيرهم الذي اغرتهم السلطة والثروة فجرفهم التيار بعيدا عن الهدف والمقصد...
وعلى القوى المدنية في الجانب الآخر أن يتوحد فيما بينها بعيدا عن انتماءاتهم السياسية والحزبية ولا يحتاج السودان في استبدال المؤسسة العسكرية بالاحزاب لمجرد كونها مدنية، فعلى الاحزاب أن تخلع ثياب الحزبية الضيقة بالثوب السوداني الفضفاض الذي يتسع للجميع، فبهذا نستطيع أن نبني وطنا سليما معافى من كل نقيصة وشائبة...
فقد آن الأوان للسودان أن يعيش ويتعايش بكل ألوان طيفه ومكوناته المختلفة في أمن وسلام لبناء هذا الوطن للحاق بركب التطور والحضارة ...
فالمطالبة بذهاب العسكر وحده لا تكفي فعلى الأحزاب والقوى المدنية أن تثبت أنها جديرة لحكم السودان باتفاقها على ثوابت محدده لا تحيد عنها... فالأحزاب التي تخفق حتى الآن للاتفاق فيما بينها فكيف إذن تحكم السودان؟
فالاحزاب هي من تأتي بالمؤسسة العسكرية للانقلاب عليها وليس هذا بجديد فكل الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان منذ الاستقلال كان سببها فشل الاحزاب في الاتفاق فيما بينها على اهداف وطنية، ففي غمرة تشاكسهم كان العسكر يسرقون السلطة وكان السودان يضيع بشعبه كوطن بين هذا وذاك حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من تخبط وفوضى...
فانقلاب عبود كان تسلم وتسليم بين حزب الامة بقيادة عبد الله خليل وعبود نكاية بالحزب الوطني الديمقراطي كي لا ينفرد بالسلطة... وانقلاب مايو أيضا نتيجة لاختلاف الحزبين الكبيرين فيما بينهما وانقلاب البشير حين تآمر حزب الترابي ضد حزب الامة واخيرا انقلاب البرهان كان نتيجة لاخفاق قوى الحرية والتغيير لقيادة البلاد لضعفها والخلاف فيما بينها.... فوراء كل انقلاب نكسه حزبية بل وتوطؤ حزبي مع الانقلاب ضد الحزب المناوئ له، فلا يمكن لانقلاب عسكري أن ينتج من فراغ إلا نتيجة عجز الاحزاب عن الحكم لنقيصة أو عيب في ذاتها... فتغيير عقلية هذه الاحزاب لتتوائم مع الأهداف الوطنية من أوجب واجبات المرحلة... فاذا أردنا التطور والنماء لبلادنا، فيجب على العقلية التي تحكم السودان أن تتغير... شخصنة القضايا ومحاولة التطبل للفرد ومحاولة تلميعه لغرض ما متأصلة في الشخصية السودانية ويجب إزالتها... التحرر الوطني من العقلية القبلية الضيقة الى رحاب الوطن الارحب... الوعي المجتمعي وهذا لن يتأتَّى إلا باجتثاث سلطات الادارات الاهلية ومحاربة الطرق الصوفية التي تحجب بسطاء الناس من عبادة الله الواحد القهار الى عبادة ما يسمى (بالأولياء الصالحين) وهم أموات غير أحياء في قبورهم...
فالعالم من حولنا يتغير بسرعة الصاروخ وعلينا في السودان أن نواكب التطور بقدر ما يتيسر لنا، فلا يعقل أن تفكر الدول للاخذ باسباب التكنولوجيا ونحن في السودان لا زلنا في صف العيش والبنزين، الصفوف التي أصبحت من مخلفات الحرب العالمية الأولى...

sabryhilal67@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء