هل ينجح التغيير الجذري في توحيد قوى المعارضة؟

 


 

حامد بشري
5 August, 2022

 

hamedbushra6@gmail.com
للإجابة علي هذا السؤال لا بد من الرجوع الي أدبيات الحزب الشيوعي وكذلك تصريحات قادته لكي نتوصل الي رؤية قد تفيدنا في رسم خريطة طريق نستعين بها لحل المشكل السوداني التي نري أن أولها عدم التلكؤ في إسقاط هذا الأنقلاب العسكري ومن ثم النظر الي آفاق التطور والأ فأن العصابة الحاكمة في أحسن الأحوال ستهدم المعبد بمن فيه .
في دورة اللجنة المركزية الصادرة في أبريل 2021 ورد الأتي :
(وعندما تشعر الاغلبية أن بديلاً يظهر في الافق وهي تعيش مأساة الحكم تحت السلطة الحالية مع تراكم الوعي الثوري وهو مهم للغاية ستتوفر إمكانية أوسع للتغيير الجذري... شرط أن تتوفر القيادة القادرة والبرنامج الواضح مع وضع الاستراتيجية واتباع التكتيك اليومي السليم . ما نشير اليه لن يتم بضربة واحدة لكنها عملية طويلة تستدعي النضال الصبور الدؤوب ولكن حتماً سيكون الانتصار آخذين في الاعتبار تجاربنا السابقة في التحالفات مع وجوب التأكيد علي أن أي لقاء أو تحالف لا يعني تخلي هذه القوي عن أستقلالها الفكري والسياسي والتنظيمي بل علينا أن نبحث عن نقاط الاتفاق والعمل المشترك وكل ذلك يتم عبر الاعتراف بالخلاف والتمايز في أطار التحالف مع التوافق في الاهداف العامة وأسس التحالف ) . هذه أستراتيجية وخط سياسي واضح لمناهضة واقع الأنقلاب القائم .
وبالرجوع الي التصريحات الأخيرة من قادة الحزب الشيوعي نري التناقض الواضح بين ماتم طرحه في أبريل من العام الماضي وبين هذه التصريحات . ورد في مقال الزميل تاج السر عثمان الموسوم بالتغيير الجذري لمفارقة غياهب التخلف ( الراكوبة 23 يوليو 2022 ) ما يلي : (من المهم الوضوح السياسي والنظري حول التغيير الجذري الذي يعني مفارقة غياهب التخلف بانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ) .
الزميل تاج السر يعلم قبل غيره أن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية يتطلب أنجازها تحالفات قوي أجتماعية معينة لا تتواجد في ظروف السودان الحالية ، أضافة الي أن طحينة العجين السياسي دخلتها عناصر جديدة علي رأسها لجان المقاومة التي قادت حراك التغيير وظهور تغييرات كبيرة حدثت في تركيبة المجتمع السوداني وقواه الأجتماعية مما أثر علي الحياة السياسية و يشهد علي ذلك تراجع دور حركة الطبقة العاملة إن لم يكن انحسارها بجانب الحركة النقابية لأسباب موضوعية وذاتية . علاوة علي أن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية مرحلة متقدمة وتحتاج الي بنية أقتصادية وأجتماعية صلبة وأستراتيجية وتحالفات واضحة أما هزيمة الأنقلاب العسكري ودحره ومتطلبات إنجاز مهام المرحلة الأنتقالية هي أقل تكلفةً علي المستوي السياسي من مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية وتأتي في السياق التاريخي الأجتماعي قبل مرحلة الثورة الوطنية ، وتتحقق بوحدة العمل المعارض بغرض الوصول الي صناديق الأقتراع بالطرق السلمية ، وبعدها تتاح الفرصة للشيوعيين والديمقراطيين وجماهير الطبقة الوسطي والكادحين والمثقفين وغيرهم من عمال ومزارعيين لأقناع الآخرين ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية المستقبلي . هذا هو العمل الدؤوب الذي يتطلب طول النفس وحقيقة هو الطريق ربما صار الوحيد للنهوض بالوطن والحزب وليس بسياسة الأقصاء والعزل وعلينا أن نعمل جميعاً عليه قبل أن يتسرب من بين أيدينا .
يواصل الرفيق تاج السر مساهمته الفكرية وينشر مكتوباً آخر بعنوان : ما الهدف من الهجوم علي الحزب الشيوعي ؟ (صفحة الحزب الشيوعي علي الفيس بوك ، قائمة عابدين بتاريخ 28 و29 يوليو 2022) جاء فيه ما يلي :
" وصف رئيس مكتب السياسات بحزب الأمة إمام الحلو أن برنامج تحالف التغيير الجذري يؤسس للماركسية بقوله " التحول الجذري المطروح يعني إعاد بناء هيكل الدولة علي أسس جديدة قائمة علي ايديولوجية الحزب الشيوعي الماركسية اللينينية المعروف الحزب الشيوعي بها"!!! ( سودان برس : 26 يوليو 2022).
أما الأستاذ عمر العمر فقد كتب مقالا بعنوان “جذور التغيير الجذري” ذكر فيه " لن يضيف التجمع الشيوعي الوليد الي حراك الثورة الجماهيري عنفوانا" "وأن البيان التأسيسي لقوى التغيير لا يشبه دأب الحزب الشيوعي التاريخي" " وأن عبد الخالق محجوب يتمسك بالعمل الدوؤب الصبور وسط جماهير القوي السياسية ."
لا أري في هذا الوصف الذي ذكره مدير مكتب السياسات بحزب الأمة أو ما ذكره الأستاذ عمر العمر أي هجوم علي الحزب الشيوعي ، وحقيقة أن برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الهدف منه أذا تم تنفيذه بنجاح سيقود الي بناء الأشتراكية حيث الرفاهية والعدالة الأجتماعية التي حتماً ستنعم بها الأجيال القادمة . أما الحقيقة الثانية أن ما ذكره عمر العمر يعبر عن أستعجال سياسي من جانب الشيوعي وقفز فوق المراحل وبصورة أو أخري هو أنقلاب بوجه مدني وهذا مرفوض . الرجاء الرجوع الي المقابلة التي أجرتها مجلة (النهج) مع الرفيق محمد أبراهيم نقد المنشورة علي الحوار المتمدن https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304364

تاج السر يكتب ويؤكد أن " تحالف التغيير الجذري لا يؤسس للماركسية ولا يحزنون ، ولا قفز فوق المراحل وهروب الي الأمام ، بل هو استمرار للعمل الصبور الدؤوب لتحقيق مهام الفترة الانتقالية وأهداف الثورة ، وجاء مستندا الي المواثيق السابقة التي وقعت عليها قوي المعارضة السودانية والحركات المسلحة مثل : ميثاق أسمرا ، يونيو 1995، ميثاق إعادة هيكلة الدولة السودانية ، أبريل 2016 ، وإعلان قوى الحرية
والتغيير ، يناير 2019 . أذا كان هذا هو واقع الحال ، ولم يكن هنالك أختلاف بين برنامج التغيير الجذري وما تم طرحه في المواثيق السابقة فما الداعي لاختراع العجلة من جديد ؟ وفي هذا المنعطف الخطير هل الأسهل الشروع في بناء جسم جديد أم محاولة ترميم ما تم بناءه ؟ لا يغيب عن البال أن هدفنا جميعاً شيوعيين وديمقراطيين وقوي معارضة أخري أزالة الأنقلاب العسكري وليس بناء سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية التي سنشرع في بنائها في مرحلة لاحقة . أزالة الأنقلاب تحتاج الي تنطيم أضراب سياسي وعصيان مدني يسبقهما عمل نقابي وريادة للجان المقاومة وعدم تدخل من الأحزاب في سياساتها وبرامجها، وليس تغيير جذري كما طرح الحزب الشيوعي. التغيير الجذري كاستراتيجية للقضاء علي الأنقلاب لم يُطرح علي العضوية وعلي ما أعتقد لم أسمع بأن أجازته حتي اللجنة المركزية . أرجو تصحيحي أن أخطأت في هذا التقدير.
يختتم تاج السر مقاله بأن الهجوم علي الحزب الشيوعي مفضوح الهدف منه تمرير التسوية وأعادة الشراكة مع العسكر والسير في طريق الخيبات وأدمان الفشل ........والتفريط في السيادة الوطنية وتمزيق وحدة البلاد الي آخره من النعوت . العزيز تاج السر لا يغيب عن البال أن هنالك كيانات وأقسام قد تكون ذات تأثير وسط قوي الحرية والتغيير تنادي بالتسوية مع العسكر. هذه تتطلب الحوار والعمل الشاق وسطها ومحاولة تقريبها لشعار لجان المقاومة : العسكر للثكنات والجنجويد ينحل وليس بنبذها الذي يساعد في تبنيها لمعسكر التسوية .
من المؤسف أن نجد أن القائمين علي أمر الحزب أصبحوا لا يفرقوا بين الهجوم علي الحزب والنقد ، علي الرغم من أن دستور الحزب يشجع علي النقد والنقد الذاتي وحتي أذا أفترضنا أن هذه الفقرة تخص أعضاء الحزب فقط ، فبدل من توسيع هذه الماعون ليشمل الأعضاء والأصدقاء والحادبين علي المصلحة العامة والتمسك بهذا الإرث وتطويره والجهر به في عملنا السياسي حتي يرتقي الي مستوي الفعل الثوري درءً من أن يتحول النقد الي المجالس الخاصة ، الشيئ الذي حدا بعناصر من الحادبين علي الحزب الأبتعاد حتي لا يتم نعتهم بالأنتهازية أو دعاة الهبوط الناعم .
دورة اللجنة المركزية المنعقدة في أبريل 2021 توصل فيها الحزب الي أقامة حكم مدني ديمقراطي يحقق أهداف الثورة ومهام الفترة الأنتقالية وطرح برنامج البديل في الحكم المدني الديمقراطي الذي يرسخ الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة حكم القانون . هل هذا التعريف ينطبق علي ما يسمي التغيير الجذري؟ أذا كان التغيير الجذري يعني معناً آخراً فما هي الصلاحيات اللائحية التي استندت عليها دعوة التغيير الجذري وجعل المنادين بهذه الدعوة للأنحراف عن مخرجات دورة أبريل . ذكر محمد مخنار الخطيب السكرتير السياسي للحزب الشيوعي في المؤتمر الصحفي الذي أنعقد بالخرطوم في يوم الأحد الموافق24 يوليو أن قوي الحرية والتغيير لن تكون جزءاً من تحالف قوي التغيير الجذري كما أستبعد مشاركة الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة . أما الزميل فتحي فضل الناطق الرسمي بأسم الحزب الشيوعي فسر التحالف الجذري بالتحالف الاستراتيجي بين الطبقة العاملة وصغار المزارعين والمثقفين الثوريين وصغار الضباط والجنود . أين بقية القوي التي شاركت في الثورة من لجان مقاومة وأحزاب سياسية وتجمعات مهنيين ونساء وأطفال وكنداكات ومواطنين بدون أنتماءات شاركوا في كل هذا الحراك الثوري ؟ الرجاء الرجوع الي هذه المقابلة https://fb.watch/eAbMcLtE03/
التي يجد فيها القارئ هجوماً وأساءة موجه ضد قيادات سياسية ممثلة لحزب الأمة الشيئ الذي لم نعتاد عليه من قبل الحزب الشيوعي في نعت القيادات السياسية الأخري حتي في أسوء الظروف السياسية . الم يري الحزب الشيوعي أن هذه التصنيفات والنعوت التي تصل في بعض الأحاين الي حد التنابذ والأساءة الي الخصوم السياسين لا تخدم الوحدة ولا إسقاط النظام وأنما الإطاله في عمره. هذا لا يعني أن الأحزاب والكيانات السياسية الأخري تمارس في عالم السياسة سلوكاً مختلفاً عن الشيوعي . المطلوب من الجميع حسن النية وعدم التخوين كحد أدني يجب أن يتوفر لدي القوي التي يُراد لها أن تتحالف لتسقط هذا النظام .
الثابت هو أن الحزب الشيوعي علي الدوام يبني مواقفه علي التحالفات العريضة بل هو عمودها الفقري وركيزة أساسيه لها ولا يجنح للمعارضة منفرداً ـوالتاريخ القريب يشهد بذلك حيث كان الحزب أما داعياً أو مشاركاً أو منفذاً للتحالفات ، بدأ من جبهة الهيئات لمقاومة ديكتاتورية الفريق عبود وأثناء ديكاتورية نميري بطرحه لشعار ( جبهة للديمقراطية وأنقاذ الوطن ) و أسهامه في بناء التحالفات واضحاً في منازلة حكم الانقاذ عندما شرع في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي وحشد القوي المعارضة حوله التي جمعت كل الوان الطيف بأستثناء الاسلام السياسي وأشتراكه في تحالف قوي الاجماع الوطني وتحالف قوي الحرية والتغيير الذي ضم عدة أجسام سياسية ومنظمات مجتمع مدني . نريد لهذا الدور الرائد الأستمرارية والإستفادة من الأخطاء التي صاحبت التجارب الماضية .
طرح شعار التغيير الجذري في هذا التوقيت الغير مناسب يرسل عدة أشارات أهمها خلق بلبلة وسط القوي التي تعمل علي إسقاط سلطة الإنقلاب وكذلك وسط عضوية الحزب الشيوعي وأصدقائه ووسط قطاعات واسعة من الشعب ظل الحزب يناضل وسطها من أجل غدٍ أفضل . أتمني أن لا يكون طرح هذا الشعار قبل المؤتمر السابع محاولة لأبعاد متعمد للذين يرون أن جهود الحزب يجب أن تُوجه لإسقاط الإنقلاب بدلاً من الخوض في تكوين تحالف للتغيير الجذري .
اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف بحزبنا الشيوعي .

4 أغسطس 2022
////////////////////////////

 

 

آراء