هوامش حول أسئلة تفكيك وإزالة نظام ٣٠ يونيو ١٩٨٩ واسترداد الأموال العامة

 


 

أحمد ضحية
6 January, 2023

 

تمهيد
غني عن القول أن نظام الإنقاذ (بمشروعه الحضاري البائد)، خلال ثلاث عقود من التسييس والتمكين، وتجيير المحاكم لخدمة حزب الحركة الإسلامية، تمكن من إفساد القضاء فأصبح محل شك في محاسبة المفسدين وتحقيق العدالة.
بالمقابل ترتب على ثورة ديسمبر ٢٠١٨ واقع جديد تمخضت عنه (لجنة تفكيك وإزالة التمكين واسترداد الأموال العامة)، كجهة مساءلة مستقلة لم يطالها التدجين. ورغم الاختراق العميق للجنة تفكيك وازالة التمكين، فشلت اللجنة الأمنية للنظام البائد في السيطرة عليها. لذلك لم يكن أمام اللجنة الأمنية في خاتمة المطاف، سوى السعي لتشويه لجنة تفكيك وازالة التمكين، من خلال ممارسات عناصر الاختراق داخل اللجنة.
ولهذا ابتداءً يجب أن ندرك أن إعادة "تفكيك وإزالة التمكين"، حال الوصول لاتفاق نهائي (مفوضية تفكيك وإزالة التمكين ومكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة)، من القضايا ذات الأولوية في مسيرّة إعادة بناء الدولة، وإزالة ما لحق بها من تشوهات هيكلية.
ويجب أن ندرك منذ الآن، أن استهداف أي هيئة نزيهة تكافح الفساد وتفكك التمكين، لن يتوقف من قبل فلول النظام البائد. وستستمر محاولات إعاقة عملها والتشكيك في مصداقيتها، واتهامها بالإتيان بممارسات تعمل على محاربتها.
ويجب أن يكون كل ذلك دافعاً لاستمرار هيئات مكافحة الفساد وإزالة التمكين واسترداد أموال الشعب المنهوبة، في عملها من أجل إزالة بنية الفساد العميقة. ولذلك يجب أن يتم اختيار عناصر هذه الهيئات بحذر لتفادي أخطاء تجربة الماضي، حتى تتمكن من العمل بنزاهة وشفافية تامين. وتصل إلى نتائج ذات جودة عالية من الناحية القانونية والعدلية.
فاقتلاع فساد الحركة الإسلامية المزمن في جهاز الدولة والقطاع العام، وجماعات المصالح التي ارتبطت به من جذوره العميقة، ليست مهمة سهلة. بل هي من أصعب المهام المحفوفة بالمخاطر! ولذلك علينا أيضاً أن ندرك أن محاربة هذا النّوع من الفساد المتجذر، هو مسؤولية جميع قوى الثورة الساعية لبناء سودان جديد.
فقد أوضحت تجربة لجنة تفكيك و إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة، التي قضى عليها انقلاب ٢٥ أكتوبر، أن هناك أصابع خفية ظلت وستظل تقف خلف كل سيناريوهات التشويه، التي تفضي إلى خنق الاقتصاد وإضعاف الحكومة المدنية، ومحاصرة لجنة تفكيك وإزالة التمكين، وتدمير معنويات الشعب للنيل من أحلامه وتطلعاته إلى دولة العدالة والمواطنة بلا تمييز.
لقد استخدمت الدولة الموازية، التي توفرت لها الحماية من اللجنة الأمنية، التشويه بصورة ممنهجة، بعد أن تأكد لها أن لجنة تفكيك وإزالة التمكين نجحت في الوصول إلى مواطن الفساد ورموزه، وهددت أنشطتها ضرب شبكاته المعقدة والعميقة.
فكانت مفاصل الدولة الموازية، اثر سقوط كل رمز من رموزها الفاسدة، بين براثن لجنة تفكيك وازالة التمكين ترتعد! ويصيبها الخوف والذعر. لذلك سعت بكل السبل إلى عرقلة عمل تفكيك وإزالة التمكين واسترداد الأموال العامة. واستهدافها بالدعاية المضادة، وبكل السبل. بدءاً بالشائعات التي كان يطلقها (الجداد الإكتروني)، وصولاً إلى الاتهام بالابتزاز والفساد، وخيانة الأمانة والاعتقالات.
خاصةً أن لجنة تفكيك وإزالة التمكين، كانت مخترقة بعناصر من الفلول داخل لجانها، بمثابة عملاء للدولة العميقة الموازية، والمؤتمر الوطني وجهاز الأمن والمخابرات. كل هذه العناصر تكالبت لتقف خلف محاولات تشويه سمعة اللجنة، وتوريطها بأساليبها الملتوية الموروثة عن الحركة الإسلامية، التي برعت في الابتزاز والفساد والسلوك الاستعراضي والعنتريات.

لجنة إزالة وتفكيك التمكين السياسي والاقتصادي واسترداد الأموال العامة - التكوين ومواجهة الدعاية المضادة
في ديسمبر ٢٠١٩ بُعيد إسقاط نظام الحركة الإسلامية الاستبدادي الفاسد، وانتصار الثورة السودانية المجيدة في أولى معاركها الحاسمة، تم تشكيل "لجنة تفكيك وإزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة" إنفاذاً لقانون أقره مجلس الوزراء السوداني، لتفكيك "نظام الحركة الإسلامية" الذي جثم على صدر الشعب السوداني منذ ٣٠ يونيو ١٩٨٩.
أصدر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في ديسمبر ٢٠١٩ قراراً بتشكيل لجنة لإزالة التمكين، وإنهاء سيطرة أنصار النظام البائد على مفاصل الدولة، استناداً إلى نص المادة (٨) البند (١٥) من الوثيقة الدستورية، التي كان قد وقعها المكون العسكري مع قوى الحرية والتغيير.
ومن ثم أُسند إلى عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا رئاسة هذه اللجنة، فيما أُختير محمد الفكي سليمان نائباً له والذي أصبح رئيساً بعد استقالة العطا -التي سنشير الى حيثياتها لاحقاً- وعمر مانيس، الذي كان وزيراً لمجلس الوزراء مقرراً للجنة.
وضمت اللجنة في عضويتها ممثلين لوزارات: الدفاع، الداخلية، العدل، المالية والحكم الاتحادي، وممثلين للبنك المركزي، قوات الدعم السريع، جهاز الأمن والمخابرات العامة، ديوان شؤون الخدمة، والمراجع القومي.
كما شملت اللجنة في عضويتها حين إنشائها خمسة ممثلين لتحالف قوى الحرية والتغيير، هم: وجدي صالح، أحمد الربيع، بابكر فيصل، طه عثمان، وصلاح مناع.
وشمل قرار مجلس السيادة تشكيل لجنة استئناف لقرارات لجنة التفكيك، برئاسة عضو مجلس السيادة اللواء الركن إبراهيم جابر، وعضو مجلس السيادة رجاء نيكولا نائباً له.
وتقرر أن يكون وزير العدل نصر الدين عبدالباري، مقرراً للجنة الاستئناف التي تضم في عضويتها القيادي بالحرية والتغيير صديق يوسف، وأمينة محمود شين. ولكن لم يتم تشكيل لجنة الاستئنافات حتى لحظة وقوع الانقلاب.
إن عدم إكمال هياكل الأجهزة العدلية (استئناف، عليا ودستورية) كان له تأثير كبير في عجز لجنة التفكيك عن مواصلة عملها بانتظام.
فرئيس مجلس السيادة (كون لجنة عليا منفصلة) لمراجعة قرارات لجنة التمكين، (بدلاً من أن يعيد تشكيل لجنة المراجعة الموجودة بلجنة إزالة التمكين) بتفعيل قانون (لجنة المراجعة)، التي يُمكن أن تقوم بما تريد أن تقوم به اللجنة العليا، التي كونها رئيس مجلس السيادة جزافا، فنسبةً لعدم قيام لجنة الاستئنافات، كانت لجنة المراجعة تقوم ببعض أعمالها، فلجنة الاستئنافات كانت مُعطّلة من قبل المكون العسكري عن قصد، لتصبح الثغرة التي يتسلل منها، لاهدار مجهودات لجنة تفكيك وازالة التمكين في أداء مهامها.
وقد كان من الأصوب إبتداء أن تتولى هذه المهمة حسب الوثيقة الدستورية (مفوضية تفكيك وإزالة التمكين ومكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة). وهو خطأ ترتبت عليه ثغرة أخرى كبيرة للهجوم على لجنة التفكيك واهدار مجهوداتها ومطاردة عناصرها النزيهة -باعتراف العطا فيما بعد في احد اللقاءات التلفزيونية- واعتقالهم.
إذن كان من الضروري تبني مرجعية محددة، للتأسيس بعد نجاح الثورة في إسقاط نظام ٣٠ يونيو، فتحديد نظام الحكم في البلاد، من القضايا التي يتم البت فيها (بأُسس ومرجعية تأسيس دستوري متين).
ولذلك ثمة ضرورة لدراسة الوضع الذي ترتب على الاتفاق الإطاري الموقع في ٥ ديسمبر المنصرم لتصفية الانقلاب، في إطار التأسيس الدستوري السليم للدولة.
بمعنى لابد من استكمال هياكل السلطة العدلية و الشروع في تفكيك التمكين.
فإكمال هياكل السلطة العدلية، وتعديل القوانين ومواصلة لجنة إزالة التمكين عملها التي أنشأت من أجله، بقانون واضح يُحدِّد صلاحياتها، واكمال الدوائر الاستئنافية داخلها، يجنب من الوقوع في أخطاء التجربة التي أدت إلى انقلاب ٢٥ أكتوبر.
فاللجنة التي قضى عليها الانقلاب، كانت تصدر قراراتها بالتوافق بالأغلبية العادية، وتنعقد اجتماعاتها مرة كل أسبوع، بحضور ثلثي الأعضاء ورئيسها أو نائبه.
ورغم أن قرار تكوينها أعطاها جميع السلطات والصلاحيات المنصوص عليها في قانون التفكيك الذي كان قد -أجازه اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء، مطلع ديسمبر ٢٠١٩- ومع ذلك قضى عليها الانقلاب من خلال الثغرات في تكوينها، على الرغم من أنها كانت تملك صلاحيات الملاحقة القانونية، ومصادرة الممتلكات أو تحديد طريقة التصرف فيها لأي جهة حكومية.
إلى جانب أنها تولت صلاحيات حل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الدولة. وتفكيك واجهاته السياسية والاجتماعية، وملاحقة الفساد المالي والإداري لمنسوبيه.

الثورة والتفكيك
ما أن نجحت ثورة ديسمبر ٢٠١٨ في الإطاحة برأس نظام الحركة الاسلامية، وكُونت لجنة التفكيك، حتى بدأت وتائر الهجوم ضد اللجنة الوليدة تتصاعد عبر الحملات الإعلامية الواسعة والمنظمة، التي اتخذت مسرحاً لها مواقع التواصل، والصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة والأماكن العامة والشائعات، فقد نشطت عناصر الفلول في كل مكان!
خاصة بعد أن نجحت لجنة تفكيك وإزالة التمكين منذ تأسيسها في العام ٢٠١٩ في إصدار عدد من القرارات شملت الفصل من الخدمة، وتجميد حسابات مالية، واسترداد عقارات يمتلكها العشرات من رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتجميد وحجز أرصدة حسابات أكثر من ١٦١ شخصاً من رموز النظام الاسلاموي الفاسد، و كشف أكثر من ٩٠ حساباً بنكياً نشطاً بالحسابات المتداخلة، في حركة التحويلات من حساب إلى آخر، أُستخدمت للاتجار بالنقد الأجنبي.
حيث بلغ إجمالي إيرادات تلك الحسابات أكثر من ٦٤ مليار جنيه سوداني (٢.٨٤٨ مليار دولار). الأمر الذي هدد أنشطة جماعات المصالح، التي ارتبطت بالنظام البائد، وهدد بالقضاء الوشيك على الفساد.
لذلك نشطت قوى وعناصر النظام البائد، التي تضررت من الإجراءات والقرارات، التي اتخذتها لجنة التفكيك بحقهم، في قطع الطريق على هذه اللجنة التي بشرت أنشطتها منذ اللحظات الأولى لتولي مهامها، بالقضاء المبرم على الفساد والمفسدين.
رأى كثيرون وقتها، أبرزهم الأستاذ ياسر عرمان، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، أن الحملة ضد لجنة تفكيك وإزالة التمكين، وبخاصة بعض عناصرها من قوى الحرية والتغيير مصنوعة، ويقف خلفها فلول النظام البائد وامتداداتهم. فقد أرعبهم نشاط اللجنة في إزالة التمكين، ما يعني إزالة (الدولة العميقة) الموازية، التي ربطوا مصائرهم ببقائها واستمرارها.
وأكد عرمان وقتها، أن إزالة التمكين مهمة ويجب أن تستمر بلا هوادة وبلا تراجع، وأن لجنة التفكيك جزء من روح الثورة، ودعا وقتها لجان المقاومة، لدعم اللجنة في الريف والمدن، وتبني قضية إزالة التمكين. وأكد في أكثر من مناسبة أنه يتوجب على قوى الثورة، المساهمة في إصلاح منهج اللجنة، وحمايتها من الاستخدام لتصفية الحسابات السياسية، وإبعادها من شبهات الفساد.
وأن واجب قوى الثورة ترسيخ بناء دولة القانون، فعمل اللجنة ليس قضية أشخاص، بل هو بناء وطن. واستكمال لثورة بذلت فيها الديسمبريات والديسمبريين الأرواح، والغالي والرخيص، فداء لقيم الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز.

نشاط جماعات المصالح
نشطت القوى صاحبة المصلحة في وقف استرداد الأموال العامة ومحاربة الفساد، في تبني موجة عاتية من الانتقادات المضللة والدعاية المضادة ضد انشطة اللجنة، رغم أن اللجنة كانت تعمل بموجب قانون واضح، تمت إجازته من مجلسي السيادة والوزراء! بالتالي، لا تشوبه شائبة من الناحية القانونية.
وصحيح أن ثمّة مآخذ وأخطاء شابت تكوين اللجنة، وصاحبت عملها -أشرنا لبعضها فيما سبق- وهي مسألة واردة بالنظر لحجم هذا الملف الضخم والمعقد، لكن يظل الدرس المستفاد حال التوقيع على اتفاق نهائي، أن تتولى مهمة التفكيك مفوضية مختصة في محاربة الفساد والتفكيك واسترداد الأموال، وأن يتم تسليحها بالعناصر الجيدة والمؤهلة للفحص والتدقيق والمحاسبة القانونية والاقتصادية.
من المآخذ والأخطاء الأخرى، إصدار اللجنة قرارات تشوبها بعض الشوائب، بإنهاء خدمة بعض العاملين في مؤسسات النفط والتعدين، لكنها سرعان ما صححت هذا الخطأ وقامت بإلغاء عدد من هذه القرارات.
وقد كان عمل اللجنة نظراً لحجم التحديات وتعقيدات ملف التمكين جيداً، إذ أنها لم تفصل العاملين في المؤسسات الحكومية، بسبب انتمائهم لحزب المؤتمر الوطني المحلول، كما أشيع عنها وفي الحقيقة لم يكن الانتماء السياسي سبباً في إنهاء الوظيفة، بل طريقة التعيين والترقي وكيفية الوصول لموقع متقدم في الخدمة المدنية -أي مراجعة ملفات التوظيف، والخدمة ومؤهل الموظف- الذي كانت كل مؤهلاته هي خدمته لنظام الحركة الاسلامية/الانقاذ، وموقعه في ميليشيات المؤتمر الوطني وسيرته في الجهاد.
وهي مؤهلات تتناقض مع وظيفته المدنية ودرجتها. بالتالي المعلومات الواردة في ملف التوظيف هي التي ظلت تحدد إنهاء الخدمة. وقد تم بالفعل إنهاء خدمة مدراء في الدرجة الأولى وآخرون في الدرجة الممتازة، لم تكن لديهم شهادات جامعية، إذ كانت كل مؤهلاتهم أنهم كانوا مجاهدين في الدفاع الشعبي، حسب ما ورد في ملفاتهم وهو أمر مخالف للقانون.
كذلك وضعت اللجنة يدها على قوائم في دور حزب المؤتمر الوطني، تضم عضوية الحزب في المؤسسات المختلفة، كان عددهم حوالي ١٣٠ ألف من الكوادر. لكن قرارات اللجنة لم تطال سوى ٤ آلاف، ما يؤكد عدم الجنوح لسياسة الفصل وفق الانتماء السياسي.
وأكدت اللجنة أنها استردت حتى قُبيل تجميد عملها حوالي٥٠ شركة، وأكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية و ٢٠ مليون متر مربع من الأراضي السكنية، ضمنها مقتنيات رئيسية على شاطئ النيل في العاصمة الخرطوم، وأراضٍ زراعية خصبة وشركات رابحة، وكذلك فنادق ومدارس.
كما أكدت أنها صادرت مركباتاً وأصولاً عامة، كان لايزال يتمتع بها من يسمون أنفسهم (الحركة الإسلامية) التي يستهدف القانون فسادها واستيلائها على الأموال العامة.
وحلّت اللجنة نحو ٩٨ جمعية تتبع لحزب الحركة الإسلامية. و سلمت أكثر من مليار دولار من الأصول غير المشروعة، لوزارة المالية و ٤٠٠ مليون دولار لوزارة الأوقاف.
وفي كل ذلك لم يكن دافع اللجنة في عملها التشفي والتشهير بمن تطالهم قراراتها، فالوقوع في الأخطاء مسألة واردة، لكن ما هو غير طبيعي محاولة الإيحاء بأن عمل اللجنة كله غير صحيح، واتهامها بالتشفي والانتقام، من قبل فلول النظام البائد وأبواقه الإعلامية المضللة.
إن القوى التي تضررت مصالحها بما شكله عمل اللجنة من إزعاج لعناصرها، والتي كانت ماكينة فسادها ما زالت تعمل في شتى المجالات دون توقف - على الرغم من الإطاحة بنظامها في أبريل ٢٠١٩- تسللت من ثغرة عدم تحصين اللجنة بتشكيل محكمة عليا للاستئناف.
ففي ظل عدم وجود هذه المحكمة، أصبحت قرارات اللجنة غير نهائية، وخاضعة للطعن من الأفراد والقوى التي ارتبطت مصالحها بشبكات الفساد في النظام البائد.

سد الثغرات
معظم قرارات لجنة التفكيك و إزالة التمكين واسترداد الأموال، كانت تتعلق بحق التملك للأموال البنكية. أو الأصول العقارية أو المنقولة. ما يستلزم من المتضررين الرجوع إلى المحكمة الدستورية، وذلك لاستحالة التصرف في هذه الأموال من قبل مؤسسات الدولة كوزارة المالية، بسبب عدم تحصين استردادها بسلطة قضائية، فالمحكمة، المختصة أو المحكمة العليا لم يكن قد تمّ التوافق على أعضائها حتى لحظة اعتقال أعضاء اللجنة في عقابيل انقلاب اللجنة الأمنية وقاظة الحركات المسلحة في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، الأمر الذي جعل إلغاء قرارات لجنة التمكين ممكناً، في ظل عدم وجود وثيقة، تؤكد أن قرار النزع أو الاسترداد نهائي لا رجعة فيه.
لذلك يجب سدّ مثل هذه الثغرات القانونية حال التوقيع على اتفاق نهائي، بالإسراع في تشكيل دائرة الاستئناف والمحكمة العليا والدستورية، من عناصر كفؤة ومشهود لها بالنزاهة والحياد، حتى يتمكن أي شخص متضرر من استكمال طرق الاستئناف، فبذلك، تكون اللجنة اتبعت كل السبل القانونية المتاحة.

نهب منظم
مهمة لجنة إزالة التمكين، من أكثر المهام تعقيداً وصعوبة، فعمليات النهب التي تمت لممتلكات وموارد الشعب السوداني خلال ٣٠ عاما، اتخذت أشكالاً متنوعة من النهب المنظم على كل المستويات داخل وخارج السودان، و نظراً لضخامة ملفات عمل اللجنة وتعقيداتها وصعوبة الإجراءات وتتبعها قانونياً ومعلوماتياً -مهما أنجزت- ستظل إنجازاتها قليلة لا تقاس بحجم ما تم نهبه خلال ٣٠ سنة من أموال وموارد.
وغني عن القول أن الأموال والموارد الحقيقية، التي ما زالت في يد عناصر وشركات النظام البائد، لم يتمّ الوصول إليها. فعلى الرغم مما تحقق استرداده من عقارات وأصول منهوبة، ما زالت هناك شركات كبيرة جداً مرتبطة بالنظام البائد، تعمل حتى الآن في شتى المجالات وكأن شيئاً لم يحدث.
ومع ذلك القليل جداً والذي لا يذكر، الذي تمكنت لجنة التفكيك من استرداده، جعلها هدفاً في انشطتها وأشخاصها، لأنها واجهت نظاماً اخطبوطياً فاسداً بكل إمكانياته الضخمة والجبارة، التي تفوق إمكانات كل عصابات المافيا، وشركات غسيل الأموال في العالم مجتمعة.
لذلك سخر هذا النظام الاخطبوطي نفوذه وآلياته الاقتصادية والاعلامية، لحماية مصالحه ومقاومة قرارات اللجنة بكل السبل.
نظرياً، كان ينبغي أن تكون هذه اللجنة محمية من حكومة الثورة، لأنها تقوم بأصعب مهمات الفترة الانتقالية وأخطرها، بالتالي، فإن هذه المهمة تخص الدولة بكامل أركانها، سواء المجلس السيادي أو السلطة التنفيذية، لذلك كان يتوجب على هذه المؤسسات توفير كل الإمكانيات والمعدات والحماية القانونية، التي تعين اللجنة على أداء مهامها، لأنها في خطوط القتال الأولى، ضد قوى فساد واستبداد نظام الحركة الإسلامية، فضلاً عن اتساع دائرة عملها وتعقيداته، المتمثلة في كيفية استرداد الأموال المنهوبة في الخارج.
وكذلك العقارات والحسابات المصرفية والأصول، وكيفية التعامل معها، وهل قوانين الدولة الموجودة فيها هذه الأموال والعقارات، تسمح بتتبعها واستردادها، وهل ستتم هذه الإجراءات عن طريق اللجنة أم عن طريق أجهزة الدولة العليا؟
لكن لم تجد اللجنة أي تعاون يذكر من الجهات المناط بها تسهيل عمل اللجنة، بل كانت هذه الجهات تضع العوائق أمام عمل اللجنة.
فعلى سبيل المثال أن أي قرار تصدره اللجنة يتم تسليمه لوزارة المالية، ومع ذلك ظل وزيرها جبريل إبراهيم ينكر استلامه الأموال المستردة. مع أن أعضاء اللجنة بحوزتهم المستندات التي تثبت استلام وزير المالية للأموال المستردة، والتي شاع أنه تصرف فيها في مشروع السكة الحديد وتعزيز التجارة مع دولة جنوب السودان.
وقد صرح جبريل إبراهيم أكثر من مرة، أنه لا يؤمن بعمل لجنة التفكيك، بل كان يقوم بأدوار سياسية مهدت للانقلاب العسكري، كما أنه هو من وجه باسترجاع أبراج شركة (زادنا)، حفاظاً على العلاقات مع ماليزيا، حسب زعمه.
كذلك من التحديات التي واجهت عمل اللجنة، أن مهام التحقيق وملاحقة وضبط الأفراد المتورطين في جرائم الاعتداء على المال العام والخاص والتخريب ومرتكبي الجرائم ضد الدولة، رغم أنه من صميم عمل النيابة والشرطة، إلا أن النيابة والشرطة لم تتعاونا بالقدر الكافي لأداء واجبهما.
ومع ذلك استمرت لجنة إزالة التمكين تعمل على تفكيك بنية نظام الحركة الإسلامية وواجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، و نجحت في استرداد أصول للدولة قدرتها بمليارات الدولارات، حيث كان من المقرر أن تقوم شركة قابضة تتبع مجلس الوزراء بإدارة هذه المستردات.
وكانت قد شُكلت لجنة للمراجعة -وفقًا لقرار تكوينها- بسبب عدم مباشرة لجنة الاستئنافات الخاصة بلجنة إزالة التمكين عملها وتراكم طلبات مراجعة القرارات.

تحديات
استهداف اللجنة نتج عن نجاحها في الوصول للمؤسسات والأشخاص، الذين ظنوا أنها غفلت عنهم. وامتدت أياديها لدهاليز وسراديب بعيدة، أخفي فيها قادة النظام البائد الأموال و الأرصدة المنهوبة من الشعب، بما في ذلك الأصول الثابتة والمنقولة. فضلاً عن تحجيم اللجنة لعمليات مضاربة هؤلاء في العملة وشراء وتهريب الذهب، وتسييل العقارات ووقف التمويل والعطاءات، التي كانت حكراً عليهم، كصفقة الداب والسماد التي كانت حكراً لعدة أعوام لشركة مملوكة لرجل الأعمال حازم مصطفى، ومجموعة من المحسوبين على الصحافة الذين تولوا كبر الحملة ضد التفكيك واسترداد الأموال العامة.
لم يتوقف استهداف الفلول للجنة عند حد المطالبة بحلها، في احتجاجات شرق السودان. التي ظل يقودها الناظر محمد الامين ترك رئيس مجلس نظارات البجا المستقلة، التابع للفلول. إذ بادر الرجل بعدائه للجنة بسبب قراراتها التي قضت بنزع ممتلكات محمد طاهر ايلا رئيس وزراء نظام المؤتمر الوطني، فاستغل المكون العسكري هذا العداء للإطاحة بالحكومة المدنية.
خاصة أن المكون العسكري شعر بأن أنشطة لجنة تفكيك وإزالة التمكين، جرت على اللجنة الأمنية سخط أخوتهم في المشروع الحضاري ورفاق درب الجهاد والهجرة إلى الله القدامى، من أنصار النظام البائد.
ولذلك جعل المدعو محمد الأمين ترك في احتجاجات شرق السودان، من حل اللجنة مطلباً رئيسياً ضمن مطالب أخرى، و هدد بفصل الشرق، كما يهدد هذه الأيام بتقرير المصير! ورهن التراجع عن الانفصال بحل لجنة إزالة التمكين.
بل وصل استهداف اللجنة، بأن دخل المكون العسكري في مجلس السيادة بنفسه طرفاً مباشراً في الصراع ضد اللجنة، إذ ألقت الشرطة -بتوجيه منه- القبض على مقرر اللجنة بتهمة إثارة الكراهية ضد القوات النظامية و الإساءة والسباب.
وفيما وصفت اللجنة هذه التهم بأنها فضفاضة، وشبيهة بما كان يقوم به النظام البائد في حربه ضد خصومه، أكدت احترامها للقانون والعدالة، مع تحفظها بشأن موقف النائب العام وقتها تاج السر الحبر، وتقاعسه حيال قضايا العدالة، وفتح البلاغات في مواجهة المفسدين في نظام الحركة الإسلامية وتقديمهم للمحاكم، أو قاطعي الطرق القومية أو المتسببين في التفلتات الأمنية، والتقاعس عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، في مقابل نشاطه وعلو همته في ملفات أخرى، واهتمامه بإطلاق سراح قادة النظام البائد.
ومن ثم على نحو مفاجئ تقدم الفريق ياسر العطا، باستقالته من رئاسة اللجنة، وبرر ذلك بأن عمل اللجنة تنفيذي، وأنه قبل به لهشاشة وضع الثورة، ولترسيخ الشراكة بين المكونين المدني والعسكري، وأن هذا ما لزم توضيحه.
وأضاف أن هناك انتقادات مستمرة من كافة مستويات الحكم، ومعظم مكونات الحاضنة السياسية لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات عملها -وحسب قوله وقتها: "ما عطّل عملنا واعاق دورة العدالة، وجعل التهاتر مستمراً بيننا وبين بقية أجهزة ومؤسسات الدولة وفي وسائل الإعلام".
ومن ثم أعلن أنه أراد إفساح المجال للآخرين من أبناء الثورة، لمواصلة مسيرة العطاء لتحقيق أحد أهداف الثورة، بنهج جديد، بتعضيد النجاحات، وتصحيح الأخطاء.
كذلك واجهت اللجنة تحديات وعقبات عديدة، تمثلت في التباطؤ في تنفيذ قراراتها التي تقوم بإصدارها، متهمة في ذلك السلطات العدلية والشرطية ورموز النظام البائد. ووصل استهداف اللجنة لدرجة المطالبة بحلها وتشكيل مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد.
بل ووصل الاستهداف إلى تعرض أحد مقار اللجنة في إقليم دارفور لعمليات "سرقة ونهب واتلاف" على يد مجموعة من الخارجين على القانون.
ورغم أن اللجنة لم تتهم جهة محددة بالوقوف وراء الحادث، إلا أنه كان واضحاً أن الحدث يأتي في إطار مسلسل استهداف اللجنة، والتآمر على مكتسبات الثورة، من قبل اللجنة الأمنية وقوى النظام البائد.
فقد جاء الحادث بعد ساعات من صدور تعليمات لقوات مشتركة -عسكرية وشرطية- كانت تحرس الأصول والعقارات المستردة من قبل اللجنة، بالانسحاب وإخلاء المقر فوراً.
كما أتى قرار سحب القوات المشتركة التي تؤمن مقار اللجنة والأصول التي استردتها، في ظل توتر متصاعد بين القيادات المدنية والعسكرية التي تقود الفترّة الانتقالية.
ليس هذا فحسب، إذ أُتهمت اللجنة في سياق الدعاية المضادة، بإصدارها أوامر اعتقال. رغم أنها ظلت تؤكد أن أي أمر اعتقال لمتهم يصدر من النيابة، وأن الشرطة هي من يقع على عاتقها تنفيذ القانون بالقبض أو الحجز.
ودللت على ذلك بأنها لا تمتلك حراسات خاصة بها، وأن أي متهم لا يمكث في مكاتب اللجنة، فالمتهمين يتم تحويلهم للحراسات في اليوم نفسه، ويتم طلب المتهم بواسطة النيابة العامة، باعتبارها الجهة التي تصدق بالضمان أو الحجز أو إخلاء سبيل المتهم.
وأوضحت اللجنة في أكثر من مناسبة بشأن إنشاء لجنة الاستئنافات، أن الرئيس المناوب للجنة التفكيك، وعضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، ظل يطالب في مجلس السيادة وأمام الإعلام بصورة مستمرّة، بتكوين لجنة الاستئنافات التي نص قانون التفكيك على تكوينها، كلجنة منفصلة. وفي الواقع أن قانون إنشائها تم تعطيله داخل مجلس السيادة عن عمد.
كانت كل هذه الأنشطة من قبل اللجنة الأمنية، وعناصر النظام البائد، تهدف إلى قطع الطريق على تصفية النظام السابق وبؤر فساده، عبر بنية حقوقية عدلية قوية، وإجراء المساءلة والمحاسبة بشفافية وموضوعية، في كل التجاوزات والانتهاكات والجرائم، وإعادة أموال الشعب المنهوبة.
الكشف المستمر عن الفساد و المفسدين الذي تمخض عنه عمل لجنة تفكيك وإزالة التمكين في مختلف المواقع، ووالمطالبة بتقديم المسؤولين عن الفساد للعدالة، أخاف عناصر اللجنة الأمنية والفلول الفاسدين، الذين لم تطالهم يد العدالة، ولذلك عملوا على قطع الطريق على لجنة التفكيك، قبل أن تشير الأدلة والبينات إليهم، فيلحقون بسابقيهم ممن وضعت اللجنة يدها على فسادهم.
كان واضحاً أن الانقلابيين، يحاولون توظيف تهم الابتزاز والفساد ضد بعض المنسوبين للجنة، وتصويرها كشاهد على فساد اللجنة، في سياق اصرارهم على إخفاء معالم جرائم فساد رموز النظام البائد و فلولهم.
ووصل الأمر بالمكون العسكري، على رأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، أن أعلن يوم الإثنين ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي الوزراء والسيادة، وأقال حكام الولايات، و أصدر لاحقاً عدداً من القرارات، هي في التحليل النهائي تفضي لإطلاق سراح المفسدين ورد الممتلكات التي انتزعت منهم، وإعادة المفصولين الى الخدمة، والتستر على الفساد وحماية مرتكبيه، بذات النهج البغيض الذي كرس له النظام الاسلاموي البائد. وفي مفارقة غير مسبوقة أعلن قائد الانقلاب بعد كل هذه القرارات تمسكه الكامل والالتزام بكل ما ورد في الوثيقة الدستورية التي أجهضها للتو!
كما قام بإعفاء وكلاء الوزارات، على أن يتولى المديرون العامون تسيير الأعمال، وتجميد عمل لجنة إزالة وتفكيك التمكين، حتى تتم مراجعة أعمالها.
ومن ثم اعتقلت قوات عسكرية مشتركة محمد الفكي، عضو مجلس السيادة السوداني ورئيس لجنة تفكيك التمكين، وخالد عمر وزير شؤون مجلس الوزراء، وياسر عرمان المستشار السياسي لرئيس الوزراء، وإبراهيم الشيخ وزير الصناعة، وفيصل محمد صالح المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء.
كما تم اعتقال عضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ومحمد ناجي القيادي في تجمّع المهنيين، وعروة الصادق القيادي بحزب الأمة، وجعفر حسن الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير، وعلي الريح السنهوري القيادي في الحرية والتغيير.
وكان المكون العسكري قد سحب في نهاية سبتمبر ٢٠٢١ كل القوات النظامية العاملة مع لجنة "إزالة وتفكيك التمكين" المعنية بمصادرة ممتلكات النظام البائد.
ومن ثم جمد قائد الانقلاب عمل اللجنة لحين مراجعة قانون عملها -حسب زعمه- ضمن قرارات اتخذها في عقابيل الانقلاب. وبعد نحو شهر من الانقلاب -في نوفمبر- قرر قائد الانقلاب تشكيل لجنة لمراجعة واستلام الأموال المستردة بواسطة لجنة إزالة وتفكيك التمكين. دون اتباع الإجراءات المعتادة في هذه الحالات من تسليم وتسلم مع لجنة المراجعة التي شكلت عقب انقلابه العسكري، الذي استولى على مقر اللجنة وعبث بالمستندات والمعلومات المحفوظة في مقرها، وعمل على طمس الأدلة التي تدين رموز نظام الحركة الإسلامية، الذين باشر في إجراءات إطلاق سراحهم.
ثم أصدر قائد الانقلاب قراراً بتشكيل لجنة عُليا لمُراجعة واستلام الأموال المُستردّة بواسطة لجنة تفكيك وإزالة التمكين، ترأسها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما ضمت اللجنة ممثلي القوات المسلحة، الشرطة، الأمن و المخابرات العامة، العدل، النائب العام، المالية والدفاع لمراجعة القرارات التي أصدرتها لجنة التفكيك، وحصر وتصنيف الأصول والمنقولات.
وأوكلت للجنة مهمة حصر الإجراءات القانونية المتخذة بشأن الأصول والمنقولات (الطعون، القرارات والمحاكم… الخ)، بجانب تقييم منهجية عمل لجنة التمكين والتوصية بالتعديل اللازم لقانون نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩، وتشكيل لجنة فرعية لها ذات المهام والاختصاصات المُوكلة للجنة العليا في حدود الولاية المعنية، ويكون مقرها الرئيسي لاجتماعات اللجان الفرعية بالمجلس التشريعي.
ومضى الانقلابيون أبعد من ذلك، إذ أصدرت دائرة الطعون بمحكمتهم العليا عقب استيلائهم على السلطة، أحكاماً بإلغاء قرارات قانونية وصحيحة كانت لجنة تفكيك وإزالة التمكين، قد فصلت بموجبها مئات من القضاة والمستشارين ووكلاء النيابة، وعدد من الموظفين في بعض المؤسسات الحكومية.
ألغت المحكمة العليا قرارات اللجنة، دون أن تنتظر نتائج عمل لجنة الاستئنافات وبذلك تجاوزت صلاحيتها، رغم أن لجنة الاستئنافات لم تكن قد تشكلت، ولذا قررت المحكمة العليا من تلقاء نفسها أن تقوم بعملها وعمل لجنة الاستئنافات معا!.

اعتقالات كيدية
تم اعتقال أعضاء "لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الحركة الإسلامية" ببلاغات كيدية على خلفية المادة ١٧٧/٢ الخاصة بخيانة الأمانة، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
ويشار هنا إلى أن المادة ١٧٧/٢ التي اعتقل بموجبها الموقوفين من لجنة التفكيك المجمدة، والخاصة بخيانة الموظف العام للأمانة تنص على:
"يعد مرتكبا جريمة خيانة الأمانة من يكون مؤتمناً على حيازة مال أو إدارته، ويقوم -بسوء قصد- بجحد ذلك المال أو امتلاكه أو تحويله إلى منفعته أو منفعة غيره أو تبديده أو التصرف فيه بإهمال فاحش يخالف مقتضى الأمانة يعاقب بالسجن ٧ سنوات، كما تتم معاقبته بالغرامة، وإذا كان الجاني موظفاً عاماً أؤتمن على المال بتلك الصفة، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ١٤ سنة أو الإعدام".
لتضع قوى الانقلاب بذلك المعتقلين من أعضاء لجنة التفكيك في مواجهة ٩٥ دعوى جنائية، وصل عدد المطلوبين فيها إلى ٢٠٦ متهماً منهم أعضاء اللجنة و المرتبطين بعملها.
كما قيدت في مواجهتهم إجراءات الدعوى الجنائية تحت المادة ١٧٧/٢ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ المشار إليها أعلاه و المتعلقة بمخالفة القوانين الخاصة بالنقد الأجنبي، ومخالفة الإجراءات المالية والمحاسبية، ومخالفة قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، وغيره.
وتولت النيابة العامة التحقيق في البلاغات المذكورة، مع زعمها تمتع المشتبه بهم بكافة الحقوق المنصوص عليها في القانون. كما زعمت أن اعتقالهم هو إجراء قانوني يتعلق بتهم ذات صلة بتبديد الأموال العامة، وسوء إدارتها خلال فترة عملهم في اللجنة، وأنه سيتم مراجعة عملهم من قبل لجنة مراجعة تضم ممثلين عن النيابة ووزارة العدل وديوان المراجعة العامة، بموجب قرار أصدره قائد الانقلاب.
وكان مقرر لجنة المراجعة وكيل وزارة المالية عبد الله إبراهيم قد اتهم -في مؤتمر صحفي- لجنة إزالة التمكين زاعماً سوء إدارتها المال العام وتبديده عبر "تعيين مديرين لشركات مُستردة من منسوبين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، من دون إخطار المسجل التجاري وموافقته، كما صُرفت عائدات أرباح هذه الشركات على عمل اللجنة المجمدة، إضافة إلى تصرفها في قيمة إيجار الفنادق والعقارات المُستردة".
وادعى مقرر لجنة المراجعة مراجعتهم ٨٩ شركة مُستردة، وُجدت فيها ١٤٥٥ سيارة محجوزة بمقار الشركات و ١٢٤ سيارة محجوزة بمقر لجنة إزالة التمكين، في حين فُقدت ٣٦ سيارة يجري البحث عنها، إضافة إلى نحو ٣٧٠ ألف دولار، منها ١٣١ ألف دولار وسبائك ذهب و ٣٠٠ غرام من الذهب وُجدت بمنزل أحد أعضاء لجنة إزالة التمكين، وبالطبع كان كل ذلك تلفيقاً وكذباً أبلج، لتبرير الاعتقالات لعناصر حتى انها لم تكن جزء من لجنة التفكيك ولا علاقة لها بعملها، كالاستاذ ياسر عرمان، الذي وقف بوجه الانقلاب وأسس فيما بعد التيار الثوري الديمقراطي للحركة الشعبية المناهض للانقلاب.
ولم يُستبعد وقتها أن يتم اتهام الموقوفين من قيادات اللجنة، بتهم تتعلق بحيازة الأسلحة والذخائر "هم موقوفون بحكم مسؤوليتهم عن أموال اللجنة ومقراتها، التي وجدت فيها أسلحة وذخائر، وهي جريمة يعاقب عليها القانون".
وكان واضحاً للشعب أن الإجراءات ضد أعضاء لجنة إزالة التمكين ورموز قوى الثورة "كيدية بامتياز استخدمت فيها النيابة، لتصفية الخصومة السياسية بنفس الأساليب المعتادة لنظام الإسلاميين خلال ثلاثة عقود من حكمهم"، ولن تصمد أمام أي قضاء مهني نزيه.
وباعتراف موثق لوزارة المالية، أن الوزير جبريل نفسه كان يجب أن يكون (المتهم الأول) في هذا البلاغ الكيدي، وليس "مفوضاً للشاكين".
فقد ذكر مقرر لجنة المراجعة وكيل وزارة المالية عبد الله إبراهيم، أن لجنته وجدت أن "وزارة المالية تسلمت ١٢٧ شركة مُستردة، علاوة على تسلم الوزارة ٥٤ من أسماء العمل، كما استردت ٣١٤٧ قطعة أرض وعقارا، تم تسليمها لوزارة المالية، التي استلمت أيضا ٩٠ مزرعة مُستردة".
كان واضحاً للجميع أن الانقلابيين عمدوا إلى كسر شوكة المناهضين (للانقلاب)، فقد تم اعتقال البعض بموجب أوامر توقيف لمدة ٣ أيام فقط، دون أي تهم في مواجهتهم، مما يعني أنه اعتقال سياسي بامتياز، إلى جانب أن طريقة الاعتقال نفسها من داخل اجتماع لقيادات الحرية والتغيير، بعد لقاء المبعوث الأممي فولكر بيرتس، اشارت إلى أنه بلاغ كيدي سياسي بالدرجة الأولى. كما أن عدداً ممن تم اعتقالهم لم يسبق أن كانوا أعضاء في لجنة التفكيك قط.
ووقتها وصف ياسر عرمان المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء عملية اعتقال قيادات تحالف الحرية والتغيير بأنها "كيد سياسي تحت غطاء قانوني"، وقال -في المؤتمر الصحفي الذي عقده التحالف- "سلوك النظام سيؤثر على نحو بالغ في موقف قوى الحرية والتغيير بشأن التعاطي مع مبادرة الأمم المتحدة، سيما أن هذه التطورات تجيء بعد يوم واحد من تسليم البعثة الأممية رؤية التحالف لحل الأزمة السياسية".
واستمرت أجهزة الانقلاب في إطلاق سراح رموز الفساد، ورد الممتلكات التي كانت لجنة التفكيك قد استردتها، وإعادة المجاهدين للخدمة المدنية، وبعث قانون النظام العام من قبره (الشرطة المجتمعية) ونشاط وزارة جبريل ابراهيم الملاحظ في فرض جبايات مبالغ فيها في غياب وجود مجلس تشريعي، وشن حملات من القمع الدموي ضد الثوار، وحملات الاعتقالات واسعة النطاق ضد الطلاب والنشطاء وقوى الثورة؛ التي لم تتوقف حتى الآن، على الرغم من توقيع اتفاق إطاري يهدف إلى تصفية الانقلاب وإعادة العسكر إلى ثكناتهم. وتحقيق مطالب الشعب في العدالة والحرية والسلام والمواطنة.

أحمد ضحية
لانسينغ، ميشيغان

ahmeddhahia@gmail.com

 

آراء