هوامش سودانية على مرسي المصري
د. عبد اللطيف البوني
30 June, 2012
30 June, 2012
بسم الله الرحمن الرحيم حاطب ليل
(1 )
نترك الخرطوم ومظاهراتها التي اعلت المعارضة من شانها وقللت الحكومة منه ونتجه غصبا عنا الي القاهرة ومظاهراتها التي تختلف عن مظاهرات الخرطوم شكلا ومضمونا فيكفي ان في الاولى حرق لساتك وفي الثانية شماريخ . فيوم الاحد الماضي كان يوما تاريخيا ليس في مصر وحدها ولكن في كل منطقة الشرق الاوسط وما كان ينبغي لذلك الاحد ان يكون تاريخيا فلحظة انتهاء عملية الفرز للانتخابات الرئيسية المعادة كان ينبغي ان تكون هي اللحظة التاريخية ففي كل انتخابات الدنيا تظهر النتيجة بمجرد الفراغ من الفرز وتوقيع رؤساء اللجان الفرعية ومناديب المرشحين ولن يتبقى للجنة العليا الا جمع حصيلة اللجان الفرعية والاعلان الرسمي
لقد حبس العالم انفاسه مع المستشار فاروق سلطان لمدة 54 وعندما اعلن النتيجة في الدقيقة ال55 التي انهى عليها بيانه تنفس الجميع الصعداء فحتى تلك الدقيقة كان فوز شفيق متوقعا فقد سرت اشاعة تناقلتها الفضائيات الكبرى قبيل اعلان النتيجة ان الطعون قدمت شفيق على مرسي ب11 الف صوت فقط كما سرت اشاعة ان قرار اللجنة سيكون اعادة الانتخابات لوجود مخالفات اثرت النتيجة كما اشيع بان محافظتين على الاقل ستعاد فيهما الانتخابات المهم ان النتيجة اصبحت مجهولة تماما وقد شاهدنا التجمعات المصرية في ميدان التحرير وغيره وبعضهم يرفع يديه بالدعاء وبعضهم يضع يده حقيقة لامجازا على قلبه والشوارع المصرية خالية تماما من السيارات والمارة فكان المشهد اقرب لمشجعين كرة داخل استاد ينتظرون نتيجة ضربة جزاء وهذا غريب جدا على الاعراف الانتخابية .. ولكنها مصر وسنة اولى ديمقراطية ولكن هذة العملية الدرامية التي تمت بها العملية اعطتها زخما وتفردا غير مسبوق تحسده عليها ساعة اعلان فوز اوباما برئاسة الولايات المتحدة
الان قد انتهت سكرة النصر وبدات عملية التفكر في الواقع الشائك والتركة المثقلة التي سوف تجابه اول رئيس منتخب في تاريخ مصر (سبعة الف سنة) والتي تواجه التنظيم الاسلامي الذي كان محظورا ولمدة تفوق الثلاثة ارباع قرن . كلمة مرسي الافتتاحية كانت منفتحة على مصر اذ كان مصرا على الوحدة والوطنية وعدم الانفراد او العزل ولكن الاهم انه اعلن ثقته في الجيش والبوليس والمخابرات والقضاء اي كل مفاصل الدولة العميقة بعبارة ثالثة لن يكون هناك احلال وابدال في شكل تطهير او صالح عام او تمكين وفي نفس الوقت اعطى الثورة حقها بتمجيده للشهداء واسر الشهداء واعلن رهانه على القوى الثورية بصراحة كدا انني المح اعادة ادماج للاخوان المسلمين في مجتمع مصر واثبات ان العنف والارهاب الذي دمغوا به ماهو الا رد فعل لما طالهم من قمع يبدو ان حسن البنا بدا يعود على حساب سيد قطب واخرين
يتقاطع مرسي وتنظيمه مع القوى الثورية وبقية الراى العام المصري في مناطق كثيرة ولعل اهمها ايقاف الفساد والعبث بقدرات الشعب المصري واعادة مصر الي موقعها الريادي العربي والاعتماد على الذات بالاضافة للحرية والعدالة والذي منه ولكن مطلوب من مرسي ان يعلن موقفه صراحة من القوى الناعمة فنانين ومفكرين ومثقفين ليبراليين ومن المراة والعلاقات الخارجية التي قال عنها في خطابه المشار اليه انه سوف يحترم ويصون كل المواثيق التعهدات العالمية وكل اتفاقيات مصرالدولية (امك الكامب ظهرت )
(2 )
من اكبر انجازات حسن الترابي التنطيمية انه استطاع ان يفصل اخوان السودان عن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين وعمق ذلك الفصل بخطوات ايدولوجية تتمثل في تجديداته الفقهية المتطورة كموقفه من المراة والفنون ولكن الاهم في تركيزه على السلطة والوصول اليها باي ثمن,, تحالفات مع اخرين (جبهة الهيئات ثم جبهة الاحزاب بعد اكتوبر ) تعاون مع العسكر (النميري) ثم انقلاب كامل الدسم (البشير) ومن المؤكد انه بعد استلام السلطة وبتلك الطريقة مد لسانه للتنظيم العالمي عامة والمصري خاصة قائلا لهم (انتظروا الديمقراطية ودونكم التجربة الجزائرية) وبالفعل فتحت الخرطوم ازرعها لكل التنظيمات الاسلامية والقومية (مؤتمرالشعب العربي والاسلامي ) فكان ما كان
الجماعة الاسلامية في مصر وفي تونس استمرت في معارضتها للانظمة القائمة وان جينا للحق فان تلك الانظمة كانت غير متهاودة في علاقاتها مع الجماعة الاسلامية لابل كانت تتاجر دوليا بحربها . فكانت الثورات وكانت الانتخابات التي كافات الحركات الاسلامية وكان وصول النهضة للحكم في تونس والمرسي في مصر وفي الطريق ليبيا وربما اليمن او حتى سوريا وهكذا وصلت الجماعات الاسلامية للحكم بطريقتين الانقلابية كما في السودان والثورية ثم الديمقراطية كما في تونس ومصر مؤخرا ولعل النموزج المصري سيكون له التاثير الاكبر على الاخرين
قد يكون من المبكر الحكم على تجربة الاسلام السياسي في مصر فالباب مفتوح على كل الاحتمالات فقد تنجح وتندمج في المجتمع المصري فالعمل الجماهيري هو انجع ادوات الدمج وتفرز مكونا ثالثا بعد الدمج وقد تحاول (الكنكنشة ) وتنفرد وتنعزل لكن وفق المعطيات القائمة الان لاسبيل لها للنجاح في الانفراد ولعل هذا من حسن حظها و في كل الاحوال اذا اخفقت لاسباب ذاتية او موضوعية سوف تسقط في اقرب انتخابات وتعود الي قواعدها وتواصل من حيث وقفت ففي كل الاحوال اللعبة الديمقراطية فيها حماية كافية للحركة فقد تغنم فيها ام ترضى من الغنيمة بالاياب
من المؤكد ان اخوان مصر الان هم الذين يمكن ان يمدوا لسانهم لاخوان السودان قائلين اقبلوا على دربنا والصوابر جوابر ولكن الاهم في حصيلة التجربتين الاسلاميتين السودانية والمصرية يمكن للحركات الاسلامية السياسية ان تخرج بنتائج ودروس تغير بها من مناهجها العقيمة القديمةوسلوكها السياسي المضطرب وتقتنع بان اللعبة الديمقراطية هي الاقرب لمبادي الاسلامي والاكثر توافقا مع روح العصر وان الصبر على الديمقراطية مهما طال هو المخرج الوحيد لها . ان الديمقراطية يمكن ان تكون وسيلة وغاية فالعمل وسط الجماهير من اجل كسب اصواتها (الذي ياتي من الانداية صوته مثل صوت الترابي ويمكن ان يرجح الكفة) وبهذاسوف يتجاوزن الايدلوجية القطبية (النسبة لسيد قطب ) التي تقوم على العزلة والاستعلاء والارادة بعبارة اخرى ان الديمقراطية تتيح للاسلاميين وغيرهم الاندماج العضوي مع كافة طبقات الشعب وبهذا ستكون وسائلهم وغاياتهم نابعة من شعوبهم فالديمقراطية طاهرة ومطهرة فاسعوا اليها يرحمكم الله
(3 )
كثرة الوسائط الاعلامية وكثرة المختصين والمهتمين بالشان الاعلامي جعلت القائمين بامر السياسة في اي بلد من بلدان العالم تحت ادوات رقابة تحصي عليهم حتى انفاسهم ناهيك عن تصرفاتهم وسلوكهم السياسي قولا وفعلا فخطاب الدكتورمحمد مرسي لابل صورته التي ظهر بها بعد اعلان النتيجة اقامت لها الفضائيات والاذاعات الندوات والسمنارات ولم تكتفي بما يسمون بالمحللين السياسيين بل استعانت بعلماء النفس الاجتماعيين وعلماء الاعلام المهتمون بما يسمى تحليل المضمون والمختصون في لغة الجسد لكي يستخرجوا من الرجل ليس مابين السطور فحسب بل بما لاح في فضاء السطور
استخدم الدكتور مرسي عبارة اهلي وعشيرتي في مخاطبته المباشرة للشعب المصري فلامه البعض بان هذة العبارة تحمل ايحاءات اهلية وتقليدية قد يدخل فيها الدين والثقافة وبالتالي يخرج منها نفر من المصريين وكان ينبغي ان يستخدم كلمة المواطنون الثوار او ايها الشعب الابي والذي منه فرد انصار مرسي عليهم بان مرسي تلبسته ثلاثة حالات في ايام معدودة فقد بدات بمرسي المرشح الرئاسي وهذة لها خطابها الخاص ثم مرسي الرئيس المنتخب وبعد اداء القسم يصبح مرسي رئيس جمهورية مصر فبعد ان يصل المرحلة الثالثة والاخيرة سوف يستخدم عبارات من شاكلة ايها المواطنون ايها الشعب اما في مرحلة الرئيس المنتخب وهي مرحلة شكر من وقف معه يمكن ان يستعمل عبارات اهلية مثل اهلي عشيرتي
وردت في كلمة مرسي عبارة انه سوف يعمل جادا لكي يعيد لمصر دورها العربي والافريقي والاقليمي وسوف يحترم المواثيق والتعهدات والاتفاقيات الدولية فقيل ان كلمة الاقليمي هنا لاداعي لها اللهم الا اذا كان المقصود بها العالم الاسلامي وتحديدا ايران ولايريد ان يفصح عن ذلك علنا فقيل لهم ان المقصود بالاقليمي هو اقليم الشرق الاوسط الذي تدخل فيه ايران وتركيا اما اسرائيل فتدخل في المواثيق والاتفاقيات الدولية وفلسطين تدخل في دور مصر العربي
صحيفة النيويورك تايمز بجلالة قدرها دخلت في تحليل المضمون وقالت ان التركيز على كلمة المسحيين التي وردت في الخطاب كذا مرة ليست كافية لتطمئين الاقباط فقد كان ينبغي ان يذكر الاقباط بالاسم لانهم هم المتوجسين من حكم الاسلاميين فقيل ان كلمة المسيحيين عندما تقال في مصر تنصرف تلقائيا للاقباط وان التركيز على كلمة الاقباط فيه شئ من الظلال الطائفية قد يستدعي ورود كلمة السلفيين او الشيعة او الذي منه لان هؤلاء فرع من الدين الاسلامي مثلما الاقباط فرع من المسيحية
اذن ياجماعة الخير اننا نعيش في عالم يمكن ان تكون للكلمة فيه اثر يفوق اعتى فعل خاصة اذا كان هناك نوع من الرصد الذي يرقى لمرتبة التربص ويمكن لاي نظام او دولة ان يكب في جحيم المجتمع الدولي نتجية زلة لسان حتى وان كانت غير مقصودة لذلك على ولاة الامر ان يدركوا انهم يمكن ان يوردوا شعوبهم موردا مهلكا نتيجة كلمة منهم فعليهم ان يضبطوا خطابهم بالخطب المقرؤة والابتعاد عن الخطب المرتجلة فكما راينا في حالة المرسي حتى الخطبة المكتوبة لم تنجيه ولكن اعطت مؤيديه براح للرد اما اذا كان خطابه مترجلا فحتما كان سيقال ان التعبير العفوي هو المعبر الحقيقي عن مكنونات النفس انه عالم خطير ومتربص ومطفف فطالما ان مقاومته ليست مستطاعة فعليكم بالمصانعة
abdalltef albony [aalbony@yahoo.com]